خلال الأعوام الثمانية الماضية كان الانطباع أن أمريكا تحت إدارة أوباما أدارت ظهرها لمنطقة الشرق الاوسط عموما وأسقطتها من حساباتها واستدارت إلى مناطق أخرى، في مقدمتها آسيا، مركز الثقل الاقتصادي العالمي الجديد. وانتشر الاعتقاد أن أمريكا قررت استبدال شركائها التقليديين في الخليج وفي المقدمة السعودية بشريك إيراني جديد، راهن أوباما أنه قادر على تغير سلوكها ونهجها والاعتماد عليها في الحرب الممتدة على الإرهاب والمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. وخلال مرحلة أمريكا الأوبامية تزايد الحديث عن انسحاب أمريكي عسكري تدريجي من مياه الخليج العربي وكان على دول مجلس التعاون الاستعداد لخليج ما بعد أمريكا على الأمد البعيد. 
ثم فجأة أطل الرئيس ترامب الذي حقق فوزا مفاجئا وغير متوقع وتمكن خلال 100 يوم فقط من تغير خطاب ونهج أمريكا تجاه إيران والمنطقة، بل قرر - عن غير العادة - أن تكون السعودية ومنطقة الشرق الاوسط أول محطة له في أول زيارة له خارج أمريكا. فشتان بين أمريكا ترامب وأمريكا أوباما في الداخل والخارج خاصة تجاه أهمية منطقة الشرق الأوسط في التفكير الاستراتيجي الأمريكي، وبالأخص تجاه ملف العلاقات الخليجية الأمريكية. السعودية لم تتغير ودول الخليج هي نفسها دول الخليج، لكن أمريكا ترامب ليست بأمريكا أوبام
أمريكا ترامب تعطي الانطباع أنها لا تدير ظهرها لمنطقة الشرق الأوسط، فهي تعود إليها سياسيا وعسكريا وبثقل ما بعده ثقل، وأصبحت موجودة في العراق وسوريا وحيثما ينبغي أن تكون موجودة. كل من اعتقد أن أمريكا أدارت ظهرها للمنطقة كان مخطئا. كذلك تؤكد أمريكا ترامب - وعلى العكس من أمريكا أوباما - أنها لا تنوي تغير شركائها التقليدين بل هي حريصة أكثر من أي وقت على تقوية علاقاتها ولا تفكر إطلاقا باستبدالهم بحليف إيراني لا يُعتد به ولا يمكن الرهان أنه سيكون مصدر استقرار في المنطقة. أمريكا ترامب تراهن على السعودية، بعكس أمريكا أوباما التي راهنت على إيران. كل ما تقوله وتفعله أمريكا ترامب يختلف عمّا كانت أمريكا تفعله وتقوله، بما في ذلك توجيه تحذير لإيران وفرض عقوبات جديدة عليها، والتشدد تجاه تحرشاتها بالملاحة في مياه الخليج، بل إنها تُراجع حاليا الاتفاق النووي الذي هو حجر الأساس في إرث أوباما الخارجي، وربما تُقرر إلغاءه وكأنه لم يكن.  
الرياض والعواصم الخليجية تتابع هذه المواقف الجديدة، ومن حقها أن تشعر بالارتياح تجاه أمريكا ترامب، وتحتفي بأول زيارة لترامب بعد أن كانت تشعر بالانزعاج - وعن حق - من أمريكا أوباما التي كانت قد بدأت تفقد مصداقيتها لدى الأصدقاء والحلفاء معا. أمريكا تستبدل الرئيس كل أربع أو ثمان سنوات، ويمكن لكل رئيس أن يوجّه أمريكا إلى اليسار قليلا وإلى اليمين بعيدا، وإلى برنامج ديمقراطي يركز على القيم الأمريكية، كحقوق الإنسان والديمقراطية، أو إلى نهج جمهوري لا يعرف سوى المصالح، خاصة مصالح رجال المال والأعمال. أمريكا لا تستقر على حال وتجدد أولوياتها وأجندتها بناء على قناعات الرئيس الذي يسكن في البيت الابيض.
الرياض التي تستقبل أمريكا ترامب، وليس الرئيس ترامب، تشعر أنها أصبحت في موقف تفاوضي أفضل تجاه الخصم الإيراني العابث بأمن واستقرار المنطقة. في ظل أمريكا ترامب تحولت موازين القوة لصالح الرياض والعواصم الخليجية بعد أن كانت في ظل أمريكا أوباما تميل نسبيا لصالح إيران التي استغلت تلك الفرصة أسوأ استغلال. بل إن الرياض - المدعومة الآن بقوة من أمريكا ترامب - تتحدث أيضا من منطلق القوة وتؤكد من جديد على لسان الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، أن لا حوار مع إيران وأن المعركة معها ليست مستمرة فحسب بل هي مستعدة لنقلها إلى العمق الإيراني.
لا يهم كثيرا ما سيقوله ترامب غدا الأحد خلال لقائه بزعماء الدول العربية والإسلامية في الرياض، التي اعترفت أمريكا ترامب أنها هي مركز الثقل الجيوسياسي العربي والإسلامي. فزيارة ترامب واختياره للسعودية دون أي دولة أخرى في المنطقة والعالم قد قالت ما فيه الكفاية. بل زيارة الرئيس ترامب تحدثت عن التغيير في أمريكا بما تعجز الكلمات عن قوله، وخلاصة القول هي أن أمريكا ترامب تختلف عن أمريكا أوباما. السعودية لم تتغير، ودول الخليج لم تتغير لكن المؤكد أن الرئيس الأمريكي تغيّر وفريق عمله في البيت الأبيض وفي الخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي تغيّر. بل حتى المزاج الامريكي تغيّر تجاه السعودية، والصحف الأمريكية التي كانت تهادن إيران وتتجنى على المملكة تغيّرت لتؤكد أنه حتى في أمريكا الناس على دين ملوكهم.  

 
شتان بين زيارة أوباما قبل سنتين وزيارة ترامب إلى الرياض اليوم. لقد قررت أمريكا ترامب تحجيم إيران وتفكيك ميليشياتها وتقليم أظافرها وستجد الترحيب كل التراحيب من قادة السعودية ودول الخليج والدول العربية ومن قيادات نحو 50 دولة اسلامية سيجتمعون إلى ترامب في الرياض ربما للانضمام إلى حلف عربي إو إسلامي يواجه الإرهاب ويتصدى للتمدد الإيراني الذي زاد عن حده.
من صالح السعودية ودول الخليج العربي عدم وضع كل ثقتها في أمريكا ترامب، فالرئيس الأمريكي الجديد معروف بتقلباته الشديدة ومزاجياته التي تختلف بين لحظة وأخرى، فقد يكون معك اليوم وينقلب عليك غدا. بل إن الدرس المستفاد من أمريكا ترامب وأمريكا أوباما هو أن على دول الخليج أن تراهن على قوتها الناعمة والصلبة، الفردية والجماعية، الصاعدة، وتنويع مصادر أصدقائها وتسلحها والمحافظة على استقلاليته قرارها بعيدا عن واشنطن وتحولات المشهد الأمريكي. لا رهان على أمريكا ترامب ولا رهان على أمريكا ما بعد ترامب بعد اليوم. 
------------
 سي ان ان