نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة

تأملات في الثورة الفاشلة

16/03/2024 - ماهر مسعود


إخوانيان شاميان نحلا شعراً على لسان سيد قطب!




عزيزتي دلال البزري...
إن التفسير الذي يقترحه شريف يونس يقوم على مروية إخوانية وعلى إفادة قدّمها سيد قطب في أثناء التحقيق معه في قضية تنظيم 1965، الذي كان يرأسه.


 

لنقض الأساس الأول الذي يقوم عليه تفسيره المقترح والذي ادعى فيه أن ثمة مساومة جرت بين نظام عبد الناصر وسيد قطب، بموجبها تم السماح له بالنشر، مقابل تعهد ضمني بعدم تهريب مقالات وأشعار كقصيدتيه: (أخي) و(هبل... هبل)، أقول: إن سيد قطب كان منضبطاً حينما كان في مصحة السجن. ولم يهرّب أي مقال لنشره في الخارج. ولم يكتب أي قصيدة. وما هرّبه إلى الخارج هو رسالة إلى تنظيم 1965 قبل الإفراج عنه سنة 1964. فحواها توجيهات نظرية.
انضباط سيد يرجع إلى أنه كان يخاف أن يفقد المزايا التي كان يتمتع بها في مصحة السجن، كالأوراق والأقلام التي كان يقتنيها، وككتبه والكتب التي كانت في متناول يده في مكتبة السجن، وكتب أخرى كان يطلب توفيرها له من المكتبات التجارية، وهي العدة اللازمة التي تهيئ له مواصلة الاشتغال على تفسيره وتأليف كتب جديدة.
أما قصيدتاه (أخي) و(هبل... هبل)، فهي مروية إخوانية كاذبة، انطلت على كل الدارسين من اتجاهات مختلفة الذين كتبوا عن سيرة سيد قطب. فسيد قطب لم يكتب شعراً إسلامياً قط في حياته
آخر قصيدتين كتبهما هما: (هتاف روح) و(دعاء الغريب)، نشرتا في سنة 1950. كتبهما وهو لا يزال في بعثته إلى أميركا وبعد انقطاع سنوات عن كتابة الشعر.
وكما هو معروف، فإن سيد قطب قد انصرف عن الكتابة في النقد الأدبي وعن الكتابة في ألوان أدبية أخرى. ومن بين هذه الألوان كتابة الشعر.
إن قصيدة (أخي) المنسوبة إليه، والمنشورة في جريدة (الكفاح الإسلامي)، الأردنية في سنة 1957. التي يرأس تحريرها الكاتب والشاعر الإسلامي الأردني يوسف العظم، نشرت تحت عنوان (قصيدة من وراء القضبان: من بواكير الكفاح)، وردّ عليها يوسف العظم بقصيدة طويلة سماها (إلى أخي من وراء القضبان: الرسالة الأولى)، ثم دعا الشعراء إلى كتابة قصائد متفاعلة مع القصيدة الأولى، فاستجاب له من العراق وليد الأعظمي ويونس مصطفى وكتبا قصيدتين، وهي ليست له.
وقيل في مناسبة قصيدة سيد قطب التي اشتهرت بعد ذلك بعنوان (أخي) إنه كان يسمح له في سجنه بالتجوال خارج الزنزانة. وفي إحدى جولاته المنعزلة لمح يداً تحييه بحرارة من خلال قضبان أحد الشبابيك ولم يتمكن من رؤية صاحبها، فتأثر لذلك كثيراً، فكتب تلك القصيدة.
لا نحتاج في إثبات أنها ليست له إلى عناء صنع مقارنة بينها وبين شعره القديم الرومانتيكي، من حيث السبك والتركيب الفني والمعجم اللغوي، بل يكفي، التأمل في مطلعها الذي يقول:
أخي أنت حر وراء السدود أخي أنت حر بتلك القيود
فناظم القصيدة من الواضح أنه يخاطب أخاً إخوانياً له مقيد ومكبل بالسجن، بينما هو ينعم بالحرية خارجه.
أما مناسبتها، فهي – أيضاً - مناسبة موضوعة. فسيد لم يكن يقبع في زنزانة، وإنما كان في غرفة في المستشفى الملحق بسجن طرة. والمسجون في ذلك السجن كان من غير الممكن أن يرى أو يلتقي بنزلاء ذلك المستشفى، لأن المستشفى معزول أو منفصل عن السجن. والسجناء من الإخوان المسلمين سواءً في ذلك السجن أو في سجون أخرى الذين يودون اللقاء بسيد قطب أو رؤيته، كانوا يتحججون بالمرض وإما أن يكونوا مرضى فعلاً، فيطلبون مراجعة ذلك المستشفى، ليتمكنوا من الاجتماع به.
إني أرجح أن واضع تلك القصيدة على لسان سيد قطب، هو يوسف العظم.
وأما قصيدته (هبل... هبل) – والمقصود بهبل في تلك القصيدة، جمال عبد الناصر - فهي للإخواني والطبيب والمنظر والمترجم السوري نبيل صبحي الطويل، وهذا ما اعترف به في سنة متأخرة جداً - وهي سنة 2001 - أنه كتبها سنة 1966. من خلال إيراد حكاية غير مقنعة أراد فيها أن يبرئ نفسه وأسماء أخرى لكنها عند تمحيصها، تدينه وتدين الأسماء التي ذكرها في حكايته، وهي على التوالي لكل من الإخواني الصحافي اللبناني إبراهيم المصري، والإخواني الشاعر السوري عمر بهاء الدين الأميري والإخوانيين الباحثين الأردنيين أحمد عبد اللطيف الجدع وحسني أحمد جرار فهم شركاء في هذا التلفيق.
في حكايته غير المقنعة، التي أوردها بوصفها مقدمة لتلك القصيدة في ديوانه (القابضون على الجمر) أنحى باللائمة على من ألّف كتاب (لحن الكفاح)، نظراً لكونه المصدر الأول المكتوب الذي نسب تلك القصيدة لسيد قطب ونقلها عنه الآخرون، حيث قال: «أما من ألّف كتاب (لحن الكفاح) وكيف وصلته القصيدة المكتوبة بخط يدي والمرسلة أصلاً إلى الأستاذ إبراهيم لتنشر في مجلته الأسبوعية، فأمر لم أستطع فهمه ولم يتطوع أحد بالإجابة عنه». أنحى باللائمة على المؤلف لأنه كان اسما مجهولاً والناشر ومكان الإصدار هما – أيضاً – مجهولان! ونحن نعرف أن مكان الإصدار في الطبعة الأولى هو عمّان، من خلال إشارة أوردها أحمد عبد اللطيف الجدع وحسني أحمد جرار مؤلفا كتاب (شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث) في جزئه الرابع.
كتاب (لحن الكفاح) هو ديوان صدر في سبعينات القرن الماضي، كما تشير إلى ذلك المكتبات العامة في بياناتها عنه. يتضمن هذا الديوان قصيدة (أخي) و(هبل... هبل) المنسوبتين زوراً إلى سيد قطب، وثلاث قصائد لهاشم الرفاعي، هن: (أرملة الشهيد تهدهد طفلها)، و(دين وعروبة)، و(شباب الإسلام). وهاشم الرفاعي شاعر مصري نابغة ذو نزعة إسلامية، تحدرت إليه من انتسابه إلى عائلة صوفية عريقة، ومن تلقيه تربية أزهرية تقليدية قتل وهو لا يزال طالباً في الجامعة في حادثة جنائية، نحله الإخوان المسلمون إلى أنفسهم، فادعوا أنه منهم، وادعوا أن بعض قصائده المؤثرة سياسيا ونضالياً وإنسانياً قد قيلت فيهم، مع أنه لم يمدحهم إلا بقصيدة واحدة ثم هجاهم بعدها بأخرى. وادعوا كذلك أن رجال الثورة قد قتلوه بواسطة الشيوعيين سنة 1959!
أباطيل الإخوان المسلمين حول هذا الشاعر النابغة، المأسوف على شبابه، وحول بعض قصائده وحول مصرعه، ليست هي موضوعنا، فلنعد إلى ما كنا فيه.
أتصور أن هجاء نبيل صبحي الطويل لعبد الناصر في قصيدته (هبل... هبل)، كان عزيزاً عليه ويعتد به، ورأى أنه قد أدّى غرضه في عقود خلت والذي يتمثل في تحطيم صورة عبد الناصر، بهجوه وطنياً ودينياً، وتقديمه في صورة الطاغية من جهة، وإلباس سيد قطب ثوب البطل الأسطوري، ثابت الجنان، رابط الجأش، الذي لا يعنو لقهر ولا يطمئن إلى ذل، من جهة أخرى.
ولأن ذلك الهجاء كان عزيزاً عليه ويعتد به، وأعتقد أنه قد أدى غرضه المرجو منه، ولأنه كان – أيضاً – أخا السبعين عاماً، قدر أن الوقت ملائم لإرجاع الفضل لنفسه، فحبك حكاية أعلن فيها تلك الحقيقة المتأخرة، لكن حكايته التي لم أسردها كاملة، تبدو للمدقق فيها مهتزة في صدرها وفي بطنها وفي عجزها.
إن إفادة سيد قطب – وهي الأساس الثاني الذي أقام شريف يونس عليها تفسيره المقترح – ليست بذات قيمة. فسيد قطب حتى لو كان صادقاً في أن سعيد رمضان قد طلب منه أن يكتب في مجلة (المسلمون) التي كانت تصدر من جنيف، استناداً إلى أنه مصرح له رسمياً بتأليف الكتب ونشرها في القاهرة، فإنه قال بها في معرض الدفاع عن نفسه، وللتودد للنظام الناصري. فسعيد رمضان – أحد قيادات الإخوان المسلمين في الخارج – كان منهمكاً في أنشطة سياسية معادية لجمال عبد الناصر تسعى لإسقاط نظامه. لذا كان من الحمق البيّن أن يكتب سيد قطب في مجلته، مجلة (المسلمون)، وأن يدعوه – أصلاً - سعيد رمضان إلى فعل ذلك إلا إذا كان يريد به التهلكة.
إن سيد قطب في أثناء التحقيق معه كان يحاول التنصل من أي صلة بسعيد رمضان. وهذا ما لم يوفق – يا دلال - شريف يونس في قراءته.
قد تكونين غير مطلعة على دراسته، ولأني أذهب إلى هذا الظن، أخبرك أن الرجل بذل جهداً كبيراً فيها، وأعدّها من ضمن الدراسات الممتازة التي صدرت عن سيد قطب، لكنه رغم حذره أوتي من مؤتمنه بتصديق بعض ما يرويه الإخوان المسلمون عن سيد قطب، وأنت مقارنة به في دراساتك ومقالاتك عن الإسلاميين لا يجوز عليك ذلك الوصف، فلقد رأيتكِ فيهما تسرفين في تصديق الإخوان المسلمين عما يقولونه عن تاريخهم في مصر وفي السعودية. وللحديث بقية.
-------------
الشرق الاوسط

علي العميم
الاحد 15 أكتوبر 2017