نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


إضاءات ثورية دمشقية




انتقدت وآخرين من الدمشقيين فعل بعض تجار منطقة الحريقة الدمشقية منذ يومين في إضرابهم احتجاجاً على انهيار سعر الليرة السورية، فكان رد فعل البعض (وخاصة من الأسماء المستعارة المخابراتية) النيل من الدمشقيين بالعموم واستثارة النزعة المناطقية خاصة تلك التي تحمل الحقد على الدمشقيين، وهو امر يتكرر من وقت لآخر في كل مناسبة مشابهة، مما دفعني لأكتب في الموضوع مقالاً هو الرابع بهذا الشأن خلال ثلاث سنوات عن الدمشقيين في الثورة


 .

يوجد في منطقة الحريقة تجمع كبير جدا للتجار من التل وتل منين وقد كانوا جزءً أساسياً من إضراب التجار هناك منذ يومين وبلداتهم محاصرة منذ ثلاث سنوات فهل يمكن تعميم ما قيل من شتائم بحق الدمشقيين على أهل هاتين البلدتين، بينما التجار في كل سوريا وليس في دمشق فقط  ساهم بعضهم بمالهم وأبنائهم في الثورة، ومنهم من بقي صامتاً خائفاً مثل غيرهم في مناطق سيطرة النظام في زمن لا كلام فيه إلا للسلاح، ومنهم من داهن النظام بنذالة، وتجار دمشق فيهم من كل هؤلاء مثل الجميع، وإن كان كثير من الدمشقيين يعملون في التجارة فكثير من باقي المحافظات يعملون في الوظائف الحكومية وما زالوا فيها يأكلون من دم إخوتهم بهذا المعنى وتأثيرهم على النظام لو أضربوا أكبر من التجار، وبمنطق تخوين كل التجار الدمشقيين ومن خلفهم الدمشقيين الذين هم بمعظمهم تجار ومهنيين وحرفيين يمكن تخوين باقي المحافظات دون استثناء، ومنهم تجار باقي المحافظات الذين لا يختلفون عن التجار الدمشقيين.

أيضاً الشوام الدمشقيون لم ينظروا يوماً عبر تاريخهم باحتقار لأهالي الغوطة، والرابط عبر التاريخ بين الطرفين عميق جداً وأكبر من أي رابط بين مدينة أخرى وريفها، كما أن الغوطة أصبحت منذ عقود جزء من دمشق الكبرى، وربع الدمشقيين يسكنون الغوطة، وبعض الغوطة بات جزءاً من دمشق المدينة، وتحرير دمشق سيكون من الغوطة بإذن الله.

غالبية سكان العاصمة دمشق لم يكونوا دمشقيين قبل الثورة وزادت ندرتهم بعد الثورة، فسكان دمشق اليوم منهم النازحون من الغوطة والريف ومنهم أنصار النظام السنة من كل المحافظات المزروعون في الوظائف والميليشيات ومنهم كثير من الأقليات المؤيدة للنظام، ومظاهرة في دمشق يوم السلمية تساوي بخطورتها مائة مظاهرة في أي بلدة أو مدينة أخرى نتيجة للضغط والتركيز الأمني الهائل للنظام فيها، وقد خرجت المظاهرات في دمشق ودفع الدمشقيون الثمن راضين دون منة منهم، أما في زمن السلاح فقد حمل الدمشقيون السلاح بصمت دون ضجيج وقاتلوا في الغوطة ومنهم قادة في التشكيلات العسكرية لكنهم بمعظمهم لم يقعوا يوماً في أحلام السيطرة كما فعل الآخرون.

في دمشق يوجد أنذال بين التجار وكذلك بين كل الدمشقيين، ولا تقل النسبة عن باقي المحافظات، وهناك أيضاً كثيرٌ من معارضي النظام من الدمشقيين في مناطق سيطرة النظام لا يستطيعون التعبير عن رأيهم فذلك جنون في هذه الأيام، والتعميم يعني أن نطلق نفس الصفة على مليوني حموي وريفها الذين يسكنون حماه اليوم تحت ظل النظام دون حراك ومثلهم أهالي حلب الغربية ونصف درعا المحتلة ونصف دير الزور وسنة مدن اللاذقية وطرطوس وبانياس وكل السويداء وكل مناطق المسيحيين والاسماعيليين، ولا ننسى معظم تجار حلب وإدلب وحمص وغيرها ومعهم مئات آلاف من سكان هذه المحافظات الذين يسكنون اللاذقية وطرطوس ويمدون النظام بشريان اقتصادي، فماذا نسمي كل هؤلاء وفق هذا المنطق الذي يعمم على الدمشقيين وتجارهم؟؟؟؟؟

أذكر الجميع أن الضباط الدمشقيين لا وجود لهم في جيش النظام ومخابراته منذ نصف قرن بعد أن كانوا يشكلون ما يقارب 45% من أشرف ضباط في الجيش قبل انقلاب 1963 الذي سرحهم، وكانوا الأقل مشاركة في محاولات الانقلاب قبل ذلك ويحسب لهم إيجاباً انقلاب وحيد كان من أجل الانفصال عن ديكتاتورية عبد الناصر مقابل كوارث الضباط من المحافظات الأخرى من بعثيين وناصريين وقوميين سوريين وغيرهم، كما أن محاولة الانقلاب الوحيد على حافظ أسد نظمها بقايا الضباط الدمشقيين عام 1981 بينما أعطى الغطاء السياسي له ولجرائمه وشارك فيها عسكريو المحافظات الأخرى وريفها (عدا الغوطة) الذين مثلوا القلة من السنة في جيش ومخابرات النظام ذات الصبغة الطائفية، كما أن نسبة الدمشقيين في بعث النظام مقارنة بإجمالي الدمشقيين أقل بكثير منها  مقارنة مع نسبة كبيرة من المحافظات الأخرى.

أذكر بأن الدمشقيين هم الغائب الأكبر عن كل فساد وقذارة وفشل المعارضة السياسية التي تصدرت المشهد بعد الثورة، وباستثناء بضع شخصية دمشقية منفردة كان ولا زال تأثيرها ضعيف جداً بين هذه العصابات، فإنه لا يوجد دمشقيون مؤثرون بينما نرى فساد باقي المحافظات التي يسيطر أبنائها على كل هذه المعارضة ومؤسساتها وحكومتها ومجالسها المحلية والعسكرية وجمعيات المجتمع المدني الفاسدة فيها، فهؤلاء فشلوا وتسلقوا وفسدوا وأفسدوا إلى درجة الكفر والخيانة، وحري بكل من يهاجم الدمشقيين أن يلتفت لهؤلاء والمحاصصة المناطقية بينهم تنز قذارة في كل مؤسساتهم، بالمقابل وفي جانب الثوار المقاتلين لا يوجد تنظيمات دمشقية فاسدة ولا أفراد تقريباً في بعض تشكيلات الجيش الحر التي فسدت، ولا يوجد منهم من حمل مشاريع بعيدة عن أهداف الثورة، ولا وجود لهم في تنظيمات القاعدة، بل اكتفوا بالعمل والقتال  بصمت مثل كثير من الناشطين الدمشقيين المغيبين عن الساحة السياسية والعسكرية والمدنية، وبالمناسبة هم يتحملون جزءً مهماً من المسؤولية لفرديتهم، غير مدركين لدورهم المهم.

ثم، إن هذا النظام مبني على الولاء الطائفي والسيطرة الطائفية التامة على كل أجهزة الأمن والجيش وكل مفاصل الدولة وتحويل ما تبقى من طائفة النظام إلى ميليشيات ومخبرين، أما ما استطاع النظام جمعه من أقليات ومعهم أقلية تافهة من السنة فليسوا إلا كومبارس في هذا النظام الطائفي، مثلهم مثل التجار والمؤسسة الدينية الرسمية الذين لا يرفعون نظاماً ولا يسقطوه، بل هم مجرد واجهة ككل شيء عدا الأجهزة الأمنية العسكرية الطائفية التي تحكم كل شيء، لذلك لا قيمة مادية مؤثرة اليوم لإسقاط النظام الأسدي الطائفي إلا لمن حمل السلاح من الثوار، وهم يرتكبون من الأخطاء الكثير، فمنهم من أفسدته المعارضة والداعمون، ومنهم من حمل مشاريع تحت شعار الإسلام لا علاقة لها بالثورة وأهداف من قاموا بها،  وقلة تبعت تنظيمات القاعدة العدمية، وكلهم مشتتون بلا قيادة ولا رؤية وفعلهم بهذا المعنى اشنع بكثير مما فعله قلة من التجار، ناهيك عن جرائم المعارضة السياسية بفشلها وارتزاقها وفسادها وأخيرا ما يتكشف عن عمالة بعضها.

وكخلاصة، ومن خلال متابعة المحيط الدمشقي الذي أنتمي له ربما هناك 15% من السنة الدمشقيين أنذال باعوا شرفهم للنظام مستسلمين له لكن هذه النسبة موجودة وتزيد في محافظات اخرى، وهناك دمشقيون آخرون معارضون صامتون تحت الاحتلال في زمن لا كلام فيه إلا للسلاح تماماً ككل الحمويين ومن بقي في حمص ونصف درعا ونصف دير الزور وكل الأقليات دون استثناء، نعم الريف له باع أساسي في الثورة المسلحة لكن دمشق وبعض غوطتها ومدن حمص وحماه ودير الزور ودرعا كان لهم باع كبير في صنع الثورة السلمية والحمل الأكبر والأهم في بدايات الثورة، وهم من ساهم بصنع الشعارات والأهداف الأسمى للثورة، ويوم كان الدمشقيون يتظاهرون يوميا في رمضان وقبله وفي كل مناسبة كانوا يصنعون التاريخ وسط الخطر الأكبر، واليوم عشرات الآلاف من الشبان الدمشقيين في المعتقلات منهم خمسة عشر ألف شهيد على الأقل وآلاف على الأقل حملوا ويحملون السلاح في كل سوريا خاصة في الغوطة.

بالنتيجة، أرجو أن لا يندفع البعض مستثارين بالنعرات المناطقية التي عمل عليها النظام الأسدي الطائفي طوال نصف قرن، وإلا فلماذا ننتقد الفيدرالية التقسيمية التي يطرحها أعداء الثورة إن كان البعض يمارسونها على مستوى اجتماعي، وعلينا أن نعلم أن الجميع صنع الثورة والجميع ضحى والجميع فيهم من يعارضون بصمت وهم يعيشون تحت سلطة النظام والجميع برز منه قلة من العملاء والأنذال والمرتزقة والتافهون، فلا تدعوا مخبري النظام ومؤديه رامي الفتن المنتشرون على مواقع التواصل الاجتماعي بعشرات الآلاف خاصة أصحاب الأسماء الوهمية، لا تدعوهم يتلاعبون بكم ونحن في زمن أحوج ما نكون فيه للوعي والتكاتف على الحق وإعطاء كل ذي حق حقه مع وضع كل ظاهرة سلبية في إطار حجمها لا أكثر، وليبدأ كل منا بأنذال منطقته كما فعلت أنا الدمشقي عندما انتقدت مع آخرين فعل بعض التجار الدمشقيين، وكما انتقدنا سابقاً بعض مشايخ دمشق وقلة من السياسيين الدمشقيين في المعارضة الفاشلة، وكما انتقدنا كل دمشقي رفض قصف ثوار الغوطة للنظام في دمشق، عندما اعتبرنا دمشق كغيرها من كل أرض سوريا ساحة معركة ولا دم أغلى من غيره، فلا يتوقعن أي شخص معارض في مناطق سيطرة النظام، سني أو مسيحي أو درزي أو علوي أو اسماعيلي، دمشقي أو حلبي أو حموي أو حمصي أو درعاوي أو ديري أو لاذقاني أو طرطوسي، لا يتوقعن استثناءه من تبعات المعركة لأن كل سوريا ساحة معركة اليوم، مع أنني أرى الحرص الكبير للثوار وعلى رأسهم ثوار دمشق والغوطة وحلب ودرعا في تخفيف معاناة أهلهم تحت الاحتلال مقابل وحشية النظام الطائفي المحتل العميل الخائن.
--------

فواز تللو – سياسي وباحث سوري


فواز تللو
الاربعاء 30 مارس 2016