نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


ا الجيش وعرسال و...المنحبكجية!






بعد انتهاء معركة نهر البارد، بانتصار الجيش اللبناني، برر "حزب الله"، أمام قائد الجيش، في حينه، العماد ميشال سليمان، رسم أمينه العام حسن نصرالله لخط أحمر حول مخيّم كان يفترض أن يكون للاجئين الفلسطينيين، بأن هذا الحزب يفضّل، في مسائل تتصل بتنظيمات اسلامية سنية ان لا يكون جزءا من حملة التحريض، وذلك حرصا على العلاقات بين المكونات الشيعية والسنية(!).


 

وفي أثناء معركة نهر البارد، التي كانت صعبة ومعقدة، كان العماد ميشال عون، يتولّى مهمة احباط الرأي العام، من الحرب ومجرياتها، بتحويل نفسه الى عدّاد يومي، لخسائر الجيش اللبناني.

وعندما ظهرت ملامح انتصار الجيش اللبناني في هذه المعركة، جال ميشال سماحة، بمفخخاته المعلوماتية الكاذبة على مجموعة من الصحافيين الأجانب، ومن بينهم سيمور هيرتش الذي بدأ من يومها انحدار صدقيته، ليروي عن علاقة تمويلية مزعومة( ظهر زيفها في التحقيقات القضائية والأمنية) بين تنظيم فتح الاسلام وبين تيار المستقبل، ليمكّن، من خلال ذلك، حزب الله والتيار الوطني الحر والنظام السوري، من ادارة معركة دعائية، لغسل  أياديهم المتسخة إما  بصناعة هذا التنظيم الارهابي، وإما بمحاولة تثبيط همة العسكر في معركتهم، وليحدثوا اللبنانيين عن حرصهم الشديد على كل نقطة دم يسكبها الجيش اللبناني.

فما الذي تغيّر بين نهر البارد وبين عرسال، حتى انقلب الخط الاحمر الى ضوء أخضر، وسقط الخوف على دماء ضباط الجيش وجنوده، ولم يعد نصرالله يحسب حسابا للعلاقات بين التنظيمات السنية- الشيعية؟ ولماذا تنظّم حملة لمنع التوصل الى أي تسوية، تحقق للجيش اللبناني، بالسلم، ما يحلم اللبنانيون ان يحققوه بالقوة؟

هل العين فعلا على الارهاب؟ ام أنّ العين هي على عرسال وأبنائها وموقعها الجغرافي الاستراتيجي؟

وهل العين فعلا على "داعش"؟ أم انها على الجيش اللبناني وقدراته ووظيفته الوطنية؟

نعم، جوهر القضية يكمن في هاتين النقطتين المحوريتين: عرسال التي طالما ظهر انها مستهدفة ومطلوب رأسها، والجيش اللبناني الذي يبقى الموئل الاول والاخير في الرد على كل الوظائف التي يسرقها "حزب الله" منه، ويحاول، من خلال ما حصل في عرسال، ان ينظّف سجله من المآسي التي استقدمها الى لبنان، سلوكه الحربي في سوريا ، وسلوكه الإستكباري المغطي لجرائمه بحق لبنان واللبنانيين.

ليس بين اللبنانيين المعارضين لميليشيا "حزب الله" والحالمين بإرساء دولة مركزية فاعلة، من يمكن أن يفكر، للحظة، إلا بقوة الجيش وعزته وسطوته، ولكن، في المقابل، فهل يدرك ماذا يفعل كل من ينجر وراء رافضي الحل السلمي الشريف، في عرسال ؟

ان مقارنة سريعة بين مخيم نهر البارد، من جهة  وبين عرسال، من جهة أخرى تهز الضمائر.

في نهر البارد، بقي الجيش اللبناني ١٠٥ ايام حتى حسم المعركة، واستشهد له فيها ١٦٨ ضابطا وجنديا.

في نهر البارد، اضطر الجيش اللبناني ان يسوّي كل ما في المخيم بالأرض، ليتمكن من بسط سيطرته عليه.

في نهر البارد، تمكنت قوى ١٤ آذار من اقناع المجتمع الدولي بتوفير جسر جوي لتسليح الجيش وتذخيره.

نهر البارد، كان محاصرا، من كل حدب وصوب.

نهر البارد، كان عدد مقاتلي "فتح الإسلام" فيه نهائيا، وبالتالي كان عددا ينقص بالمعارك ولا يزيد.

نهر البارد، كان من دون اي حاضنة شعبية لبنانية، وكان عنوان مواجهة مع بشار الأسد اقتناعا من عموم اللبنانيين بأن الرئيس السوري الحالم بالعودة الى لبنان بعد ضربه، يقف وراء نشوء "فتح الإسلام" عبر فرع فلسطين في المخابرات السورية، وتاليا كان تدمير المخيّم ممكنا، بعد اجلاء كل المدنيين منه.

ولكن، عرسال، ليست نهر البارد على الاطلاق، ولا يمكن أن تكون كذلك.

عرسال، تشكل مساحتها خمسة بالمائة من مساحة لبنان.

عرسال سكانها كما اللاجئون اليها، يشكلون نحو 150الف نسمة.

عرسال بلدة لبنانية وليست مخيما للاجئين الفلسطينيين.

عرسال هي عنوان من عناوين المواجهة مع "حزب الله" وليست من عناوين التعرض للسيادة اللبنانية.

عرسال مفتوحة حدودها وعدد المقاتلين فيها يمكن ان يرتفع عندما تدعو الحاجة.

عرسال يستحيل تدميرها ويستحيل تسويتها بالارض.

عرسال، لن تكبد معركتها الجيش، في هذه الحالة، الا اضعاف مضاعفة لما تكبده في نهر البارد، وهي لن تكفيها ١٠٥ ايام، وهي لن تتوافر لها، من اجل تدميرها، جسور تذخير جوية.

"داعش" لا يرسم احد حوله خط احمر، لأنه بالنسبة للجميع وباء اصفر، وجميع المعنيين فعلا بوجود جيش قوي، سيقفون، بلا تردد خلف المؤسسة العسكرية وسيعملون على تسليحه وتذخيره، بكل ما أوتوا من إمكانات( سعد الحريري والهبة السعودية الإضافية، نموذجا)، ولكن السؤال المركزي يبقى، خصوصا بعدما قدّم قائد الجيش العماد جان قهوجي اشارات، الى مشاكل في الاسلحة وفي الذخائر وفي ظروف المعركة، عن الثمن النهائي الذي سيدفعه الجيش في معركة يمكن تحاشيها.

امام هذه المعطيات، من حقنا- لا بل من واجبنا أن نسأل- هل ثمة كمين منصوب للجيش، ويعمل البعض لأسباب استراتيجية هنا ورئاسية هناك، على دفعه دفعا اليه، وذلك من اجل اضعاف هذا الجيش واسقاط دوره الوطني ؟

إن الخيارات المطروحة امام الجيش ليحاول كسب المعركة الصعبة كثيرة وكلها معقدة، ابرزها خياران:

 أولا، اضطراره لاستعمال قوة نارية هائلة وسلاح الطيران ببراميل متفجرة( كما حصل في نهر البارد ويحصل حاليا في سوريا) لاتهامه بارتكاب مجازر مما يسقط دوره الوطني.

ثانيا، دفعه الى معركة غير محسوم الانتصار فيها، مما يسمح بالتشكيك بقدرته، في وقت لاحق، على مواجهة الارهاب وحماية لبنان من إسرائيل، أي في المهمتين اللتين يدعي "حزب الله" إضطراره للقيام بهما، دفاعا عن بشار الأسد في سوريا، وتأبيدا لسلاحه، في لبنان.

المؤكد الآن، ان "داعش" لا بيئة حاضنة له في كل لبنان، والمؤكد الآن ان الجيش محصن شعبيا وسياسيا من الجميع، وهذا يعني ان خروج الجيش من هذه المعركة سريعا مستفيدا من الوساطات القائمة، سيوسّع هوة "داعش" في لبنان ، وسيعزز دور المؤسسة العسكرية والرهان عليها.

غير ذلك محفوف بمخاطر كثير. مخاطر ضم كثير من السوريين الى "داعش" في لبنان، ومخاطر خلق حالة تعاطف على خلفية الدمار والضحايا، ومخاطر اضرابات واسعة على امتداد لبنان، بدأت مؤشراتها تظهر في كثير من المناطق.

المسألة العرسالية ليست في القصائد ولا في  شابات يرتدين الزي العسكري لأخذ صور فيه، ولا في عونيين لا يروا في الجيش سوى العميد شامل روكز و"اسلحة دماره الشامل" ولا في حب "حزب الله" المستجد ،ولا في كل سلوكيات " المنحبكجية"، بل هي مسألة في صلب الحقائق العسكرية، كما في صلب هشاشة التكوين الشعبي اللبناني.

إن هؤلاء الذين يدفعون في اتجاه تعقيد أي حل سلمي لملف عرسال، هم أنفسهم، من استيقظ، يوما بعد انتصار الجيش في نهر البارد، وتذكروا أن الكهرباء تنقطع في لبنان، فقرروا، في مار مخايل الإنتفاضة بالحجارة والسلاح على الجيش. كان هدفهم، يوما، إسقاط الإنتصار من السجل العسكري وتقليم أظافر الجيش، ليكون مجرد ناقل رسائل، في 7 أيار 2008.

هناك ثابتتان في مجريات معركة عرسال يمكن أن تصب لمصلحة حل سلمي مشرّف، الأول حاجة الجيش الى سلاح، وفق ما أعلنه العماد جان قهوجي، والثاني، حاجة القوى السورية المسلحة غير المنضوية في "داعش" الى تحييد عرسال، ملجأ عائلاتها، وإلى توفير الجهد والرجال، لمواصلة الحرب المفتوحة في سوريا.

وهاتان الثابتان، يمكنهما حقن الدماء، ويعطيان الجيش مساحة قوة، من أجل تحصين عرسال لاحقا، ومن أجل التسريع في توفير عوامل قوته التجهيزية.

في المقابل، هناك فريقان يرفضان هذا المسلك، هما "حزب الله" الذي يريد جيشا مضروبة وطنيته، على صورته ومثاله، وبشار الأسد الذي يريد نقل سلوكياته التدميرية الى كل الجوار.
ثمة من يعتقد بأن العماد قهوجي أخطأ، حين قال ما قاله عن وضع الجيش التسليحي وعن الظروف الصعبة لمعركة عرسال، ولكن ثمة من وجد أنه أصاب، حين أفهم المتعطشين الى الدماء، بأنه ليس تيمورلنك القرن الحادي والعشرين، ولن يكون بشار أسد لبنان، الذي لا يهمه لا القتلى ولا الدمار بل ايهام الناس بأنه انتصر في معركة


فارس خشّان
الاربعاء 6 غشت 2014