نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


الانتخابات الأمريكيّة الغريبة و انعكاساتها على القضيّة السوريّة




بقي شهر واحد على الانتخابات الأمريكيّة و هي دون شك أكثر الانتخابات أهميّة على المستوى الدولي نظرا للمكانة الخاصّة الّتي تتمتّع بها الولايات المتّحدة عالميّا , و مهما حاول "محور الممانعة" الترويج لنهاية عهد القطب الواحد فإنّ هذه الكذبة تدحضها كل الوقائع و المقاييس فالولايات المتّحدة بعيدة بمسافة كافية عن بقيّة دول العالم في كل معايير القوّة الاقتصاديّة و العسكريّة و غيرها , و كل ما نراه اليوم من استعراضات يقوم بها بوتين و خامنئي و كيم جون أون و غيرهم ليس سببها سوى عدم رغبة الولايات المتّحدة بتحمّل مسؤوليّاتها الدوليّة نتيجة اقتناع الإدارة الحالية أن هذه الالتزامات كبّدت الاقتصاد الأميركي خسائر كبيرة , فكانت هذه فرصة ذهبيّة لهؤلاء الديكتاتوريين مع أنظمتهم و دولهم المتخلّفة اقتصاديا، و الضعيفة عسكريّا و عدم المستقرّة سياسيّا للترويج لأنفسهم كقادة للعالم على قدم المساواة مع الولايات المتّحدة .


 
أهمّية هذه الانتخابات تأتي أيضا لأنّ الرئيس الأميركي يتمتّع بحسب الدستور صلاحيّات كبيرة جدّا خلال سنوات حكمه، فما نطلق عليه باللغة العربيّة اسم وزير الدفاع أو الخارجيّة يقابله باللغة الإنكليزيّة سكرتير الرئيس لشؤون الدفاع او للشؤون الخارجيّة، فمهمّتهم هي شرح المعطيات و المعلومات و تقديم اقتراحاتهم و لكنّ القرار الأخير هو للرئيس وحده في النهاية، كما شاهدنا في فترة أوباما الأولى عندما رفض كل ما اقترحه عليه وزراء الدفاع و الخارجيّة و رئيس المخابرات حول سوريا و تمسّكه بسياسته المعروفة مع ما ترتّب عليها .

كما أن هناك نقطة أخرى و هي أنّ الكثير من المثقّفين و خاصّة في منطقتنا يشكّكون بحقيقة السلطة الّتي تتمتّع بها الإدارات الأميركيّة بين من يبالغ و يرى أنّ كل هذه الشخصيّات و المناصب ليست سوى دمى بيد حكومة سرّية تحكم العالم , بعضهم يخص بالذكر اللوبي اليهودي و غيرهم يتحدّث عن مؤسّسات ماليّة كبرى , و بين أصوات أكثر رصانة مثل المرشّح الديموقراطي بيرني ساندرز الّذي يتحدّث عن النفوذ الكبير الّذي أصبحت تملكه "البنوك" عبر سيطرتها على نسبة من أعضاء الكونغرس و المشرّعين و كذلك تحكّمها المتزايد بالإعلام و لكنّ ذلك لا يعني أبدا التحكّم المطلق . 

تعتبر الانتخابات الرئاسية الأميركية الحاليّة غريبة نتيجة وصول شخص مثل دونالد ترامب، و الذي يعد من خارج الطبقة السياسيّة التقليدية، للمرحلة الأخيرة من الانتخابات، كما أن هذا المرشّح ذو ثقافة أقل من متواضعة و كذلك هناك عشرات القضايا المرفوعة ضده أمام المحاكم، من مخالفات إلى جنح و حتّى جرائم !, و فوق ذلك فهو مشهور بسرعة انفعاله و عدم رصانته، و مع جميع هذه المواصفات فإنّه مرشّح جدّي لرئاسة الولايات المتّحدة الأمريكيّة , وخلال حملته الانتخابيّة لم يكفّ عن ارتكاب الحماقات في كلّ مرّة يفتح فيها فمه، و كان الأشد غرابة أنّه بعد كل تصرّف أو تصريح غير مناسب يصدر عن ترامب كانت أسهمه ترتفع في استطلاعات الرأي و يتخلّص من بعض منافسيه , لدرجة أنّه تمّ تشبيه هذه الانتخابات و المناظرات بالسيرك الرئاسي ! . 

لا يمكن أبدا مقارنة مؤهّلات هيلاري كلينتون ذات الخبرة السياسيّة الواسعة و المطّلعة على تفاصيل القضايا الداخلية و الخارجية مع تواضع ما يملكه منافسها ترامب، و لكن هل يعني ذلك أنّ معركة كلينتون سهلة و النتيجة محسومة ؟, أبدا , الوضع ليس كذلك، فالمنافسة محتدمة و لن نعرف النتيجة حتّى يوم الانتخابات، و سبب ذلك أنّ المجتمع الأميركي يشهد انقساما حادّا على عدّة مستويات عرقيّة و اقتصاديّة و طائفيّة، و كما أنّ هناك حركة واسعة خصوصا لدى الأمريكيين البيض تحت شعار "آنتي أوباما" و هو رفض كامل لكل السياسات و المواقف و القرارات الّتي إاّخذها أوباما خلال فترة حكمه , و هؤلاء يطلقون على الثماني السنوات الماضية فترة أوباما-كلينتون و بالتالي يعتبرون فوز كلينتون بمثابة فترة رئاسيّة ثالثة لأوباما و يقومون بإلصاق كل ما قام به أوباما بها لكسب أكبر عدد ممكن من الناخبين البيض . 

حتّى الآن تشير استطلاعات الرأي إلى تقدّم هيلاري بنسب صغيرة على ترامب , و لا يمكن الركون إلى استطلاعات الرأي كمقياس قطعي للرأي العام , فمثلا عندما جرى الإستفتاء البريطاني على الانفصال عن الاتّحاد الأوروبي كانت الاستطلاعات تشير إلى فوز تيّار البقاء، و لكنّ نتيجة الاستفتاء كانت مع الانفصال، و لذلك علينا أخذ هذه الاستطلاعات بحذر , و هناك نقطة أخرى في هذه الانتخابات تحديدا و هي أنّ نسبة معقولة من الّذين يقولون أثناء الاستطلاعات أنّهم لم يقرّروا لمن سيصوتوا بعد، هم في حقيقة الأمر مؤيدين للمرشح ترامب لكنّهم لا يصرّحون بذلك خجلا، نتيجة معرفتهم بإمكانيّاته المحدودة و حتّى لا يتم اتّهامهم بأنّ خيارهم قائم على أساس عرقي , و لذلك لن نعلم النتيجة حتّى فرز الصناديق . 


الآن ما هي السياسة المتوقّعة من كلا المرشّحين , تقوم حملة ترامب على جملة واحدة "لنجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى" و يؤكّدها بعد ذلك بكلمة صدّقوني , على المستوى الداخلي يعد بمزيد من تخفيض الضرائب على الأغنياء لأنّ ذلك حسب رأيه يحفّزهم على الاستثمار , و يريد التخلّص من المهاجرين و بناء جدار مع المكسيك و في السياسة الخارجيّة هناك تبادل رسائل الإعجاب مع بوتين و يرى أنّ الديكتاتوريّات في بعض الدول تؤمّن الاستقرار و ربّما من الحكمة دعمها و يستشهد بليبيا و العراق و ما حصل بعد انهيار الأنظمة فيهما , ولكنّه يتعهّد بأنّه سيلغي اتّفاق إيران النووي في اليوم الأوّل و سيلاحق نشاطاتها الإرهابيّة في العالم و لا نعلم كيف يتماشى ذلك مع حسن العلاقة مع بوتين , و في الموضوع السوري يتحدّث عن محاربة داعش و يتجاهل موضوع الأسد في إشارة لنفس الخط الانعزالي الأوبامي مع غياب الاعتبارات الأخلاقيّة و الإنسانيّة عند رسم سياسته , و لكنّ هذا لا يتماشى مع مواقف أغلبيّة شخصيّات الحزب الجمهوري، و الّذين يتطلّعون لدور أكبر للولايات المتّحدة عالميّا، و لذلك ليس من المستغرب أن يتم دفع ترامب بهذا الاتّجاه لتعديل الصورة الضعيفة الّتي تركها أوباما عن الولايات المتحدة، و كذلك لأنّ شخصيّة ترامب الانفعاليّة لن تسمح لأمثال بوتين بالتمادي معه أو الاستهتار به أو التلاعب باتّفاقات يعقدها معه كما فعل مع أوباما. 

أمّا من جهة المرشّحة الثانية هيلاري كلينتون فلدينا الكثير من الأسباب الّتي تدفعنا للاقتناع بأنّها ستنتهج سياسة أخرى مع روسيا و حول القضيّة السوريّة تحديدا , فقد تابعت هذه المأساة منذ بداياتها و لم تخفي اعتراضها على سياسة أوباما في هذه القضيّة و ربّما لعب هذا دورا في استقالتها , كما أنّها شاهدت بعينيها ما حدث نتيجة هذه السياسة و حتّى في سياق حملتها الانتخابيّة و رغم نصائح مستشاريها بتجنّب الحديث عن أي مواجهة مع روسيا حتّى لا تخسر أصوات نسبة من الشعب الّذين يفضّلون تجاهل مشاكل العالم , إلّا أنّها أكّدت أنّها ستتصدّى لما أسمته "البلطجة" الّتي يقوم بها بوتين في العالم , و حتّى عندما اجتمع معها بيرني ساندرز لمطالبتها بانتهاج سياسات محدّدة مقابل الانسحاب من الحملة الانتخابيّة و دعم ترشيحها , فإنّها وافقته حول كثير من السياسات في القضايا الداخليّة و لكنّ عند التعرّض للسياسة الخارجيّة فإنّها لم تقبل تقديم أي تنازل كما عبّر عن ذلك ساندرز نفسه , و رغم أنّ هيلاري تدافع عن فترة حكم أوباما و فترة حكم زوجها بيل فإنّها مختلفة عن الإثنين و إذا وصلت للرئاسة ربّما سنتأكّد من ذلك , كما أنّها حصلت على تأييد عدد مهم من الجمهوريين مما جعلها مرشّحة التيّار التقليدي من الحزبين و الّذي يؤمن بالدور القيادي للولايات المتّحدة لذلك فإنّ آمال السوريّين حول كلينتون لها ما يبرّرها . 
في كل الأحوال لا يوجد أسوأ من باراك أوباما و سياسته حول سوريا , و في حال فوز هيلاري و هو المرجّح فسيبدأ تغيير هذه السياسة مباشرة , و في حالة ترامب سيحدث التغيير و لكن بعد أوّل تصرّف استفزازي من بوتين , و الروس يعلمون ذلك و لهذا فهم يسابقون الزمن
لتحقيق أكثر ما يستطيعون قبل مغادرة رئيسهم المفضّل للبيت الأبيض
---------
اورينت

د.عماد بوظو
الجمعة 7 أكتوبر 2016