نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


الحياة في قارة أنتاركتيكا حيث يحظر تحدي الطبيعة




قاعدة كارليني (أنتاركتيكا) - يملأ الأفق اللامتناهي بحر وجليد وجبال، لكن الوضع داخل القاعدة مختلف حيث تمت تهيئة الأجواء بصورة ينسى معها المرء لوهلة أنه في قارة أنتاركتيكا البعيدة أقصى القطب الجنوبي، بعيدا جدا عن كل شئ. تؤكد خوليا لونا "نعيش العديد من التجارب التي لا تخطر لأحد على بال، ولكن ليست مستغربة على الإطلاق".


الحياة هنا لا يمكن أن توصف بحال من الأحوال بالبساطة، يجب الاعتياد على فصل شتاء طويل قارص البرودة، حيث تنعدم وسائل المواصلات جوا وبحرا، فتصبح قاعد كارليني الأرجنتينية الواقعة عند ارخبيل شتلاند الجنوبي معزولة تماما عن العالم.

تعتبر خوليا أول سيدة تقيم في القاعدة الشتوية، وبالرغم من الوضع العام، تجربتها ليست سيئة على مدار شهور الشتاء حيث لا يكاد يظهر ضوء النهار سوى لسويعات قليلة للغاية. "في الشتاء توجد حجرات كثيرة تكفي لنا جميعا نحن الـ28 المقيمين هنا، أما في فصل الصيف فيأتي الكثير من الناس لإجراء الكثير من الأبحاث، فيزدحم المكان، لدرجة أننا نتناوب فيما بيننا على تناول الوجبات. في الشتاء يلاحظ الفرق بوضوح، ويصبح الوضع بيننا أشبه بجو الأسرة".

في تصريحات لـوكالة الأنباء الألمانية( د .ب. أ ) قالت خوليا "بالنسبة لي، الحياة ليست بهذه الصعوبة في الشتاء. يمكنك أن تحظى بحياة مريحة. كما لا نعاني كثيرا من فكرة العزلة، لأننا نعتبرها فترة استجمام". وتعمل خوليا بالقاعدة كخبيرة اتصالات، يقع على عاتقها مسؤولية صيانة أنظمة الحواسيب التي يستعملها العلماء والباحثين بقاعدة كارليني.

الوصول إلى هنا ليس سهلا على الإطلاق، ممكن فقط خلال شهري آذار/ مارس و تشرين أول/ أكتوبر، قبل التفكير في أي شيئ يجب الانتظار حتى يستقر الربيع بالنصف الجنوبي للكرة الأرضية، يتراجع هطول الجليد، بصورة تتيح تأهيل مهبط الطائرات بمطار رودولفو مارش بقاعدة فراي مونتالبا التابعة لتشيلي، وهو المهبط الوحيد في هذه الأصقاع على جزيرة الملك جورج، أو 25 مايو، كما يطلق عليها الأرجنتينيون.

ولأنه ممر حجري، فقد اعتادت الطائرات الأرجنتينية من طراز هيركليس أن تحمل معها إطارات احتياطية حيث من المعتاد وقوع حوادث انفجار إطارات الطائرات أثناء كل محاولة هبوط. تقطع هذه الطائرات الضخمة، "الأصيلة" المسافة من بلدة ريو جاييجوس، 2500 كلم جنوب العاصمة بوينوس أيرس إلى جزيرة شتلاند في ثلاث ساعات تقريبا.

من القاعدة التشيلية، يجب الالتحاق بكبسولة بحرية ثم تسلق بعد ذلك سلم حبال بحري مشبوك في سفينة حربية تابعة لسلاح البحرية الأرجنتينية، يسحب القادمين من على مسافة مئات الأمتار تحسبا للاصطدام بالكتل الجليدية الطافية.

خلال رحلة الإبحار التي تستغرق ساعات بين كتل الجليد القطبية، تظهر العديد من أسراب البطاريق اللعوب، تسبح وتقفز فوق الأمواج بسرعة كبيرة، وإذا حالف المسافرين الحظ يظهر لهم حوت ضخم، خرج للسطح مطلقا نافورة ضخمة من خياشيمه لتجديد الهواء في رئتيه العملاقتين. وعلى الرغم من أن هذه الرحلات تتم في فصل الصيف إلا أن الطبيعة القطبية في أنتاركتيكا تتآمر على المصيفين حين يحاولون التقاط بعض الصور، والذين يحاولون تحدي البرد بدون قفازات لإحكام ضبط الكاميرات للحصول على لقطة لا نظير لها.

تهدأ الأمواج وتتراجع سرعة الرياح مع دخول السفينة خليج بوتر، حيث أقيمت منذ عام 1953 المحطة البحرية الجوية، لتتحول عقب التوسعات التي أجريت عليها بعد عامين من إنشائها إلى قاعدة خوسيه خوباني، وهو المسمى الذي تغير اعتبارا من 2012 ليصبح اليخاندرو كارليني، هو مهندس بالقاعدة لقى حتفه في أنتاركتيكا عام 2010. استضافت القاعدة في صيف 2015/2016 نحو 150 شخصا، بعد انضمام أعمال قواعد أخرى إلى قاعدة كاليني، كمحطة ترانزيت لحين تحسن الحالة الجوية للإبحار في رحلة تستغرق 18 ساعة نحو وجهات أخرى.

"في أنتاركتيكا لا يمكن تحدي الطبيعة. ننطلق إلى أنتاركتيكا ولدينا أفكار معينة، ولكن حينما نصل إلى هنا ننتظر ما تسمح لنا به الطبيعة"، يؤكد في تصريح لـ(د .ب. أ) العميد بحري مارسيلو تارابو قائد العمليات بين أنتاركتيكا والأرجنتين.

تقول خوليا "نظرا لهذه الظروف الاستثنائية، يجب التدبر جيدا في التعامل مع مخزون المؤن والطعام "هنا لا يوجد طعام طازج، لأنه يصل فقط خلال فصل الصيف، لذلك نحاول استهلاك كل الأطعمة التي يمكن أن تفسد، طالما هي بحالة جيدة، ومع ذلك هناك أطعمة تدوم لفترات أطول مثل التفاح، ثم يأتي الدور بعد ذلك على الأطعمة المعلبة، المحفوظة، المجمدة، التي يمكن الاحتفاظ بها طوال العام".

وفي تعبير يجمع بين الخضوع واليأس، تضيف "لم نتناول هنا مطلقا بيضا أو أي من أنواع الحليب المخفوق. هل تتصور أن تعيش عاما كاملا بدون تناول الحليب المخفوق"، تتساءل في استنكار.

من جانبه يوضح تارابو أن التزود بالمؤن في كاليني، بالرغم من ذلك، في منتهى البساطة، مقارنة بقاعدة بلجرانو2 الأكثر قربا من القطب الجنوبي، حيث لا تستغنى عن المراكب المزودة بكاسحات الجليد، التي تنقل حمولات المؤن التي تقذفها الطائرات من الجو لأقرب نقطة للقاعدة.

أما عن مياه الشرب، فتحصل قاعدة كاليني عليها من بحيرتين صغيرتين قريبتين، وهو ما يوفر على العاملين مشقة البحث عن ثلوج وتكسيرها وتذويبها، وهي التقنية المتبعة للحصول على مياه الشرب في معظم القواعد بالقطب الجنوبي.

على مدار العام، وبصرف النظر عن درجات الحرارة أو نسبة ضوء النهار، تعمل خوليا على عدة مشاريع علمية، من بينها مراقبة معدل الانهيارات الجليدية- بالتعاون مع معمل دالامان الألماني - وهو مشروع انطلق منذ عام 1994 في كاليني بإشراف مشترك بين قواعد أنتاركتيكا الأرجنتينية ومعهد الفريد فيجنر الألماني. كما تشرف الخبيرة الأرجنتينية على شبكة الاتصالات والمحافظة على استمرار تشغيل الأجهزة التقنية والحواسيب التي تعمل عليها فرق البحث العلمية.

هناك أيضا وقت توقف العمل، خلال فصل الشتاء، تمضيه خوليا بصفة عامة في النوم أو الاسترخاء، أما في فصل الصيف، فتمضي وقت الراحة في لعب تنس الطاولة أو التمشية ودائما برفقة أحد، وفقط خلال المنطقة المحددة.

بعيدا عن النتائج العلمية، تختبر الأرجنتينية خوليا لونا عن قرب تبعات التغير المناخي في القطب الجنوبي. "لم يعد هناك تقريبا جليد يتساقط خلال فصل الشتاء. أحيانا ترتفع درجات الحرارة لما فوق الصفر، وتهطل أمطار عادية، وهو ما لا يجب أن يحدث، على الأقل في فصل الشتاء"، ومن ثم تحذر "الضوضاء الرهيبة التي تنجم عن وقوع الانهيارات الجليدية في جبل فوركيد الجليدي على مقربة من القاعدة الأرجنتينية، تذكرنا في كل لحظة بزحف آثار الاحتباس الحراري والتغير المناخي علينا".

تجري على الجميع بدون استثناء اختبارات طبية ونفسية دورية، قبل إرسالهم لفترات طويلة إلى القارة المتجمدة الجنوبية. بدورها تقول الطبيبة التشيلية بقاعدة فراي مونتالبو "المثالي هو عدم الإصابة بأية أمراض". لا يوجد هنا سوى سريران للمرضى في حالة الضرورة، أما التواصل مع الاطباء فيتم عن طريق خاصية الفيديوكونفرانس. أما في حالات الطوارئ القصوى فقد تجرى عملية إجلاء طبية، في كثير من الأحيان، وسط ظروف مناخية في منتهى الصعوبة.

سيسليا كامينوس
الاربعاء 1 مارس 2017