نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


الليبيون يلهبون أسعار العقارات في تونس




-تونس - طارق القيزاني
تونس (د ب أ) - يسابق أنيس الغرايري الزمن لإيجاد غرفة سكن في العاصمة بسعر مناسب والا فقد يضطر للعودة الى بلدته الصغيرة والتضحية بسنة دراسية في الجامعة.

ومع انقضاء شهر الصيف بات أنيس /22 عاما/ يواجه ضغطا مضاعفا إذ يتعين عليه أولا توفير تكاليف الدراسة بكلية الطب بعيدا عن مقر سكنه في المنطقة الريفية بمدينة منزل تميم التابعة لولاية نابل (60 كلم جنوب شرق العاصمة) ومن ثم ايجاد غرفة سكن أو مقر سكن جماعي بإيجار مناسب.


 
ولا تبدو المهمة الثانية سهلة بالمرة أمام أنيس في ظل الطلب المتزايد بالعاصمة على الإيجار الى جانب الطفرة الواسعة التي يشهدها قطاع العقارات والارتفاع الجنوني للأسعار.

وقال أنيس لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) "في الأعوام الثلاثة الأولى من دراستي كنت أتقدم في كل مرة بطلب التمتع بالسكن الجامعي وأرفق ذلك بشهادة كتابية من العمدة في البلدة لحالتي الاجتماعية".

ويضيف أنيس "كنت أتسلل خلسة كل يوم الى غرف أصدقائي في المبيت الجامعي الى حين الرد على مطالبي. هذه المرة اعلموني بأنه لا يحق لي التقدم أصلا بمطلب لأنني استوفيت حقي في الاسعاف بالسكن لثلاث سنوات متتالية".

وعلى غرار أنيس يجوب الآلاف من الطلاب شوارع العاصمة والأحياء المحيطة بها بحثا مساكن فارغة لكن الاقبال الواسع من المواطنين الليبيين الفارين من النزاعات المسلحة في البلد الجار على الايجار وشراء العقارات في تونس أوجد ارتفاعا في الطلب وفي الأسعار أيضا.

وأدى ذلك الى الحد من فرص ايجاد مسكن بالأسعار العادية بالنسبة للتونسيين عموما خاصة في المدن الكبرى وعلى المناطق الساحلية المطلة على بحر المتوسط قبل اندلاع الأزمة الليبية.

وبات يزاحم التونسيين في شراء المساكن اليوم أكثر من 5ر1 مليون ليبي يقيمون بتونس منذ أحداث الثورة الليبية في 2011 وهم يتمتعون بحق تملك العقارات بتونس وفق اتفاقية دولية بين البلدين منذ ستينات القرن الماضي، لذلك فهم يتصدرون اليوم قائمة الأجانب المتملكين بتونس، فيما يأتي الجزائريون في المرتبة الثانية والفرنسيون في المركز الثالث.

وفي المقابل أصبح عدد التونسيين الذين لا يملكون مساكن اكثر من 23 بالمئة بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء. على الرغم من وجود اكثر من 450 ألف شقة شاغرة. ولا تقتصر أزمة السكن على العاصمة بل تمتد الى كبرى المدن السياحية والجامعية مثل سوسة وصفاقس وجرجيس وجربة والحمامات.

وقال بسام حمدي وهو اعلامي يعمل مراسلا لوكالة أنباء ليبية ويقطن بجهة صفاقس لـ(د.ب.أ) "يقطن في صفاقس قرابة 500 الف ليبي. وهؤلاء وحدهم يمثلون عنصر انتعاش اقتصادي مهم هنا".

ويتجه غالبية الليبيين الى صفاقس إما للعلاج أو التجارة أو حتى الاستقرار إلى حين أن تهدأ الأوضاع في ليبيا. لكن السيولة المالية المتدفقة احدثت ثورة في القطاع العقاري وفرصة مناسبة للملاك من أجل التربح السريع.

وقال بسام "الكثير من مالكي العقارات في صفاقس خرجوا من منازلهم وتسوغوا منازل رخيصة حتى يتفرغوا لكراء منازلهم الفخمة لليبيين".

وأضاف "أسعار المنازل المؤثثة تتراوح ما بين 50 و 80 دينارا في اليوم ودون عقود كراء. أما أسعار الشقق فتصل الى حد 180 دينار لليبيين مقابل 100 دينارا للتونسيين".

وفي أغلب المدن التونسية يمكن ملاحظة العدد الكبير للسيارات الليبية الفخمة مرابطة في مآوي الأحياء الراقية وأمام المقاهي السياحية وقد أدى ذلك الى ولادة حالة من السخط الاجتماعي تحول إلى موجة جديدة من النكات على مواقع التواصل الاجتماعي، كأن يطلب التونسيون نصيحة من الليبيين القاطنين في البلاد أي الأماكن الترفيهية يمكن التوجه اليها.

ولكن الجانب الكوميدي لا يمكن ان يخفي حالة الاحتقان المتفشية بين المواطنين بسبب الغلاء المتزايد للعقارات. ودفع ذلك الرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي في حزيران/يونيو الماضي بأن يوصى علنا بعدم فتح الباب أمام الأجانب لتملك العقارات في البلاد، وبخاصة منها الأراضي الفلاحية، حفاظا على السيادة الوطنية.

وقال المنصف المرزوقي خلال مؤتمر خصص لإصلاح النظام العقاري في تونس، إن "المصلحة الوطنية تقتضي منا جميعا النظر بعمق وتأن في المسألة العقارية والابتعاد عن الحلول السهلة.. بما في ذلك امتلاك الأجانب للعقارات في تونس".

وقبل ذلك أثار قرار إعلان الحكومة المؤقتة الحالية تبسيط إجراءات تملك العقارات للأجانب عبر خفض المدة المخصصة للحصول على ترخيص السلطات إلى مدة ثلاثة أشهر، مخاوف من صعود قياسي لأسعار العقارات وتأثيراته المتوقعة على الطبقة الوسطى في بلد لا يتجاوز فيه معدل دخل الفرد 500 دينار (نحو 350 دولارا).

وقال سمسار يعمل بمنطقة حي الحديقة غرب العاصمة والذي تقطنه اغلبية من الطبقة الوسطى من موظفين وأساتذة وأصحاب أعمال حرة وعدد من الطلبة "الكثير من العائلات والطلبة اضطروا للمغادرة بسبب الأسعار. الليبيون يوفرون البديل هنا".

وأضاف السمسار لـ(د .ب. أ) "طالب جل الملاك برفع الأسعار. وفي الغالب هم يبحثون عن تعلات لدفع الأجراء الى المغادرة لانهم يفضلون الليبيين".

وخلال الثلاث سنوات الأخيرة مر معدل الايجار في الحي من 350 دينارا لشقة من ثلاث غرف إلى أكثر من 500 دينار. ولكن الليبيين بدأ عددهم يزداد أكثر فأكثر في الحي.

وفي العموم شهدت الأسعار بقطاع العقارات في تونس زيادة لأكثر من 30 بالمئة. ويعتبر المضاربون في القطاع هذا الارتفاع سببه الزيادة في أسعار مواد البناء والأراضي واليد العاملة وفوائض القروض الخاصة بالسكن.

ومقابل ذلك ينظر المضاربون بإيجابية إلى القرار الحكومي والقاضي بتيسير تملك الأجانب كونه سيسمح بتسويق الفائض العقاري ذي الكلفة العالية وإنعاش سياحة الإقامة في تونس مثل دول سياحية أخرى منافسة في المنطقة، فضلا عن انه سيشجع على دفع الاستثمار الأجنبي في البلاد.

وبعيدا عن الآثار الاقتصادية الممكنة فإن الملف سرعان ما تحول إلى مشكل سياسي.

وشدد المرزوقي على ضرورة أن تكون هناك قيود صارمة على امتلاك الأجانب للعقارات وبشكل خاص الأراضي الفلاحية، في ظل الحديث المتواتر عن تركيز استثمارات زراعية أجنبية في البلاد.

وقال المرزوقي "أقول بوضوح إنني لا أدعو إلى امتلاك الأجانب للعقارات وأرفض رفضا باتا امتلاكهم للأراضي الفلاحية التي يجب أن تبقى وقفا على التونسيين فقط".

وأضاف الرئيس المؤقت "لا أدعو إلى الانغلاق في هذه المسألة لأنه يمكن إيجاد حلول وسطى تحفظ السيادة الوطنية، لكن مثلما قلت الأراضي الفلاحية مقدسة لأحفادنا وأحفاد أحفادنا من التونسيين فقط".

ويحجر قانون تونسي صادر منذ سنة 1964 امتلاك الأجانب للأراضي الزراعية في البلاد بينما فرض قانون آخر لسنة 1977 رخصة الوالي لقطع الطريق أمام تملك الأجانب للأراضي التونسية.

طارق القيزاني
الخميس 2 أكتوبر 2014