نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


المدنيون العالقون في الموصل: داعش يستخدمنا كدروع بشرية




إربيل (العراق) - أنطونيو بامبلييج - "هربت من مدينة الموصل مع زوجي وطفلينا. نجح الجيش العراقي في فتح ممر آمن في أحد أحياء المدينة، لكي يتمكن المدنيون من المغادرة. كنا ما يقرب من ثلاثين شخصا، غالبيتهم من النساء والأطفال. وقع انفجار كبير"، تتذكر بتول أحمد.


 

سكتت المرأة عن الكلام، محاولة السيطرة على مشاعرها. "فقدت الوعي لبضع دقائق، وعندما فتحت عيني مرة أخرى، كان الدخان في كل مكان. لم اتمكن من الرؤية بوضوح، لكن سمعت أصوات صرخات وبكاء ... لم أكن أعلم أين كنت. ناديت على زوجي وأبنائي، ولم أتلق جوابا. حينما حاولت النهوض انتابتني آلام مبرحة في الساقين"، تتابع بتول في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية ( د. ب. أ ) من مستشفى الطوارئ بمدينة إربيل، بإقليم كردستان العراق.

كان صوت الانفجار الذي سمعته هذه السيدة التي تجاوزت العقد الرابع، ناجم عن إطلاق قذيفة هاون، أودت بحياة زوجها، وأطاحت بساقها اليمنى وأدت لبتر ساقي أصغر ولديها. وأضافت باكية أن "لم نكن نرغب في شئ آخر سوى الهروب من المدينة. أن ننجو بجلودنا، ولكن تنظيم داعش يستخدمنا كدروع بشرية، لكي نصد عنه هجوم الجيش العراقي، ومن ثم يعاقبنا بالقتل إذا حاولنا الفرار من الموصل". احتقنت نبرات صوتها وارتفعت بشكل ملحوظ سمعه كل من كان بالعنبر في المستشفى فالتفتوا إليها.

تقترب إحدى الممرضات من سريرها، محاولة تهدئتها. "اهدئي. اهدئي. أنتِ في أمان. سرعان ما سترينه. لقد نجا. إنه بأمان، أعدك بذلك". تهمس في أذنها الممرضة ريناس التي تسهر على النساء والأطفال المتكدسين في هذا العنبر بالمستشفى. "تهدئة المرضى تعتبر أصعب مهمة. تنتاب بعضهم كوابيس ليلا فيصرخون بعنف وبلا توقف، ينادون على أقرباء لهم فقدوا حياتهم أمام ناظريهم. وليس بوسعى سوى مواساتهم. أشعر بألمهم كما لو كان مصابي أنا الشخصي"، تؤكد الممرضة.

يذكر أنه منذ بدء حملة تحرير الموصل من قبضة ميليشيات داعش، في 17 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، وفرت هذه المستشفى العلاج لأكثر من 900 مصاب غالبيتهم من النساء والأطفال، تتشابه إصاباتهم إلى حد كبير، إما نتيجة قذائف الهاون أو طلقات رشاشات القناصة، بحسب ما يؤكده لـ ( د. ب. أ ) رؤوف محمد رئيس قسم التمريض بالمركز الطبي.

تجدر الإشارة إلى أن مدينة الموصل يوجد بها ما لا يقل عن مليون مدني عالقين بسبب الميليشيات الجهادية التابعة لداعش، الذين يمنعونهم من الخروج، لعرقلة تقدم القوات العراقية وقوات التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي تقوده الولايات المتحدة.

"ويتابع أصيب ولدي بطلقة رصاص قناص، أثناء محاولتنا الهروب من المدينة"، يقول عبدالله منفعلا وهو يلوح بصورة آشعة مقطعية لولده عيسى ذي السبع سنوات، تظهر بقايا طلقة رصاص في صدر الصغير. "الحمد لله حياته ليست في خطر. هذا ما أفادنا بها الأطباء. بفضل ولدي لا يزال على قيد الحياة، ونجحنا جميعا في الفرار من هذا الجحيم".

ظل الطفل صامتا، يبتسم على استحياء، عند سؤاله عن التجربة التي مر بها في العامين المنصرمين، منذ استولت داعش على المدينة، وإعلانها عاصة للخلافة. يحكي الطفل "لم نتلق في المدرسة سوى دروس الدين. كانوا يرغموننا على حفظ القرآن. وإن لم تحفظ يضربونك على يديك بعصى خشبية".

أما عزة، ذات الـ52 ربيعا، فتتساءل بغضب: "لماذا؟! انقذنا يا الله؟! وين؟". ثم تحتضن ابنتها الوسطى، لتخفي دموعها في كتفها. يرمقها زوجها رمضان بأسى، متشبثا بعباءتها الملوثة بالدماء المتخثرة لابنتهما الكبرى. فقد الزوجان في لحظة اثنين من بناتهما بينما الحفيدة، وعمرها عام ونصف فتصارع بين الحياة والموت. كان الضحايا يلهون في حديقة المنزل حين انفجرت عبوة ناسفة من مخلفات داعش.

"كانتا تلعبان مع حفيدتي في الحديقة، يبدو أنهما لمستا شيئا أو داستا على شيئ، فوقع الانفجار. ماتت ابنتاي في الحال، حفيدتي إيناس إصابتها خطيرة ولكن حالتها مستقرة، حياتها بين يدي الله"، يؤكد رمضان.

يوضح رؤوف محمد "مثل هذه الأمور أصبحت معتادة. نتلقى يوميا الكثير من المصابين بنفس الجراح الخطيرة في الرأس. يوجد في إربيل 12 مستشفى، تعمل ليلا ونهارا منذ بدء حملة تحرير الموصل، لو لم يكن التفجير نتاج سيارة مفخخة، يكون بسبب انتحاري ... هذا جنون".

ينتقم المتطرفون من المدنيين الذين يحاولون الفرار من المدينة، كما يثأرون من المدنيين العائدين للأحياء المحررة على يد القوات العراقية. في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن ميليشيات داعش قامت بتفخيخ العديد من المنازل بحي كوجالي قبل فرارهم منه تحت وطأة قصف القوات العراقية.

وقامت ميليشيات داعش بمحاصرة آلاف المدنيين بهدف استخدامهم كدروع بشرية لوقايتها من القصف أو كمظلة أمان في حال الهروب من المدينة. تشير الأرقام إلى أن عدد المدنيين الذين تمكنوا من الفرار منذ بدء عملية تحرير الموصل يقدر بنحو 90 ألفا، لجأوا إلى مناطق أخرى أو إلى معسكرات النازحين الموزعة على المحافظات المجاورة لعاصمة الخلافة.

في الوقت الراهن يأوي مخيم الخازر ما يربو على 30 ألف ، غالبيتهم من النساء والأطفال، نجوا من مناطق القتال الدائر بين القوات العراقية وميليشيات داعش.

يقول حسن سوران "ظللنا محتجزين على مدار عامين في الموصل بسبب داعش، حيث أجبرونا على إطلاق اللحى والصلاة خمس مرات كل يوم والتوقف عن التدخين. كانوا يعاقبون كل من يتمرد على أوامرهم بصورة علنية. كانت حياتنا أفضل أيام صدام حسين". يعمل سوران حلاقا ويحاول كسب قوت يومه بقص شعر النازحين في المخيم الذي يعد من بين أكبر المخيمات التي أقيمت مؤخرا في العراق.

"اضطررت لإغلاق محلي، لأنه لم يعد لدي زبائن. وبدأت البحث عن قوت يومي. عملت في البداية عامل بناء، ثم اضطررت لقبول أي عمل يعين على كسب القوت للمنزل"، يتابع سوران، موضحا لـ( د. ب. أ ) "كان هناك نقص كبير في المواد الأساسية لم يكن هناك طعام، أو مال، أو كهرباء. وضع الماء والصرف الصحي كان يرثى له، ومع بداية سقوط الأمطار، اكتست الطرقات بالأوحال. لا نريد أن نعيش تحت هذه الظروف، كما لا نستحق أن تكون حياتنا على هذا النحو. ماذا يسعنا أن نفعل؟ هل نبقى في الموصل؟".

لا يتوقف توافد النازحين على المخيم الواقع على مسافة 30 كيلومترا من الموصل، حيث أجبرت المعارك مئات المدنيين على ترك منازلهم والإقامة في مخيمات لاجئين، على أمل أن يتمكنوا من العودة في يوم من الأيام لمنازلهم التي تركوها. تقول أم أحمد "فقدنا كل شئ. اضطررنا للفرار بالملابس التي علينا فقط، تاركين كل شئ وراءنا. لم يعد لدينا أي شئ ... أي شئ". تمكنت أم أحمد من الفرار مع زوجها وأبنائهما الستة. وتضيف "لم يعد لنا مستقبل في هذه الأرض ... نريد أن نرحل ولا نعود مطلقا"، تقول بيأس وهي تتلفت حولها. "من يريد تنشئة أبنائه في مكان لا يوجد فيه سوى الجوع والفقر والطين؟. سينتهي بنا الحال في أوروبا أو الولايات المتحدة. مستقبلنا هناك".

أنطونيو بامبلييج
الاحد 15 يناير 2017