نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


برنار كوشنير والدور الجديد في القامشلي وتقسيم سوريا




لم تكن مدينة القامشلي السورية في أقصى الشمال الشرقي، على الحدود التركية، تحلم بعد أن أسسها الفرنسيون وخططها ضباطهم، كما هو معروف، كرقعة الشطرنج، أن يكون ضيفها في أواخر خريف هذا العام 2014، وزير الخارجية السابق والطبيب برنار كوشنير، الذي ظهر فجأة في المدينة الصغيرة، ليتفقد تجربة الإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بقيادة صالح مسلم، بالتنسيق مع نظام بشار الأسد، أمنياً وعسكريا واقتصاديا، كوشنير الذي كان من أوائل من انتقدوا نظام الأسد في عهد الرئيس جاك شيراك، وناصر ثورة الأرز اللبنانية، و”دبك” في بيروت مع اللبنانيين، وعقد بالتشارك مع صديقه برنار هنري ليفي مؤتمرا استثنائيا لدعم الثورة السورية في باريس، هو ذاته اليوم، من سيكون رائد الاستطلاع الخاص بقرار الاتحاد الأوروبي لدعم خطة المبعوث دي ميستورا لتقسيم سوريا إلى إدارات ذاتية بإشراف دولي.


 

كوشنير بلا حدود

الطبيب الفرنسي كوشنير مؤسس منظمة أطباء بلا حدود العابرة للقارات والجنسيات والنزاعات، هو الشخص المناسب، للعب الدور المناسب، كان قد ولد في العام 1939، في أفينيون، لوالد يهودي وأم مسيحية بروتستانتية، ونشط في الحزب الشيوعي الفرنسي في الستينات، ليتحول إلى الحزب الاشتراكي، في أثناء ذلك ومع العام 1970، حوّل فكرة المساعدات الطبية إلى منظمة دولية (أطباء بلا حدود) وترأسها تسع سنوات متتالية، كان عمله العام الأول بعد التخصص في الباطنية، سكرتيراً للدولة في ملف الإدماج الاجتماعي والأعمال الإنسانية منذ نهاية الثمانينات، ثم تم تعيينه وزيراً للصحة والعمل الإنساني، ثم وزيراً للخارجية في فترة حرجة، شهدت غزو العراق واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، حيث دمج كوشنير عمله كسياسي وطبيب في مختلف مناطق النزاع في العالم من البوسنة إلى دارفور والآن سوريا.

مشروع دي ميستورا والباب الإنساني

سيكون تحويل الأوضاع في سوريا، من انتفاضة شعبية، إلى حرب على الإرهاب، ثم إلى أزمة إنسانية، مساراً للتعاطي الدولي مع حالة الجمود التي أرادتها الولايات المتحدة، بحيث لا ينتصر فريق على آخر، وهذا يفتح الباب بعد الاستقالات المتتالية للمبعوثين الدوليين كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، لمشروع دي ميستورا المبعوث الدولي الجديد، الذي طرح خطة وقف الحرب فوراً، وتجميد الصراع على حاله، والاهتمام بالأحوال الإنسانية، وإنشاء مناطق حكم ذاتية، تديرها الجماعات التي تسيطر على الأرض إضافة إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد في دمشق وشريط حمص وحماة والساحل.

وكانت أولى الخطوات زيارة كوشنير إلى منطقة تم بالفعل تطبيق مبدأ الإدارة الذاتية فيها، ولكن بالتنسيق مع النظام المركزي في دمشق، حيث قال كوشنير في مدينة عامودا التي زارها ضمن برنامج زيارته:”سنحت لي الفرصة، لقضاء أربعة أيام في هذه المنطقة، والتقيت خلالها بمعظم المسؤولين في الإدارة الذاتية الكردية” وأضاف: “أنا أعرف الشعب الكردي منذ 45 سنة، وأنا صديق للأكراد”، وقال موضحاً ما فهمه من تجربة الإدارة الذاتية الكردية في سوريا مخاطباً الأكراد: “الآن أستطيع التحدث عن الوضع هنا، أنتم لا تقاتلون فقط أسوأ تنظيم في العالم، بل إنكم تسعون إلى تأسيس نظام ديمقراطي. الديمقراطية من وجهة نظري الشخصية، وليست وجهة نظر الحكومة الفرنسية” مشيراً إلى الصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

مسار كوشنير والكانتونات

كان كوشنير قد انتقل من شمال العراق إلى سوريا، أواخر شهر نوفمبر، مارا على “خط الجبهة” مع داعش، حيث التقى الشخصيات التي تم تعيينها في منطقة الإدارة الذاتية، وما سمي بالمجلس التشريعي للقامشلي، مدققاً في الأوضاع الطائفية والعرقية المتعددة في المدينة، بين العرب والسريان والأكراد، انتهت خطوات كوشنير إلى المنطقة التي أعلنها صالح مسلم، “غربي كردستان”، وأعلن فيها حكومة ومسؤولين، بعد انسحاب جيش الأسد لتحلّ محله قوات الحماية الكردية.

تم اختيار المصطلح “كانتون” لوصف المنطقة التي يسيطر عليها حزب صالح مسلم، ليكون إدارة لا مركزية، تشرف على حياة المواطنين السوريين في تلك المنطقة، مدعيا أن المكونات الثلاثة العربية والكردية والسريانية تشارك في حكمها، حيث تم إنشاء مجلس تنفيذي للكانتون مكون من إثنتين وعشرين شخصية، احتفل بإعلانه في عامودا، ويفاخر حزب صالح مسلم أن تلك المنطقة تبلغ مساحتها ضعف مساحة لبنان، مشيراً إلى أن الائتلاف (العميل كما يتم وصفه من قبل مسلم وحزبه) يصرّ على إنشاء دولة مركزية تستند إلى قومية ومذهب واحد “منفذاً إرادة الوهابية العالمية”، وينظّر لفكرة الكانتون حزب الاتحاد الديمقراطي لكانتون الجزيرة الذي أعلنه بشكل منفرد ودون استفتاء شعبي يأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر العرب والسريان والأرمن وسواهم من أهل المنطقة، فيذكر في أدبياته ومواقعه أن فكرته جاءت من فكرة تكوين الدولة السويسرية، وأن غايتها “تطبيق الديمقراطية المباشرة في الدولة، أي مشاركة الشعب في اتخاذ أي قرار بشكل مباشر، ومازال هذا النوع مطبقا في ثلاث مقاطعات سويسرية حتى الآن. وأن تشكيل الدولة من الكانتونات هي بمثابة الدولة الفيدرالية، أي تتكون الدولة من عدة أقاليم أو كانتونات ولكل منها برامجها الداخلية ودستورها المحلي وحكومتها، وتكون هذه مرتبطة بمركز الدولة أي نظام الحكم فيها يكون لامركزيا”، بحيث يكون للدولة المركزية دستورها، وفي حال تصادم أحد بنود الدستور الأقليمي مع الدستور المركزي في إحدى المسائل يبطل الدستور الأقليمي ويعتمد الدستور المركزي، وفي الدولة الفيدرالية يمتلك المواطن جنسية الدولة المركزية ويكون للدولة وزارة خارجية واحدة، ولايكون للأقاليم الشخصية القانونية، وفي حال نشوب أي حرب بين الأقاليم تعتبر هذه الحرب حربا أهلية.

ويقول الكاتب الكردي حسين سينو إنه و”بسبب إيمان الشعب الكردي بحقوق جميع المواطنين وإيمانه بمبدأ المساواة أمام القانون وبمبدأ تكافؤ الفرص ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، بادر الشعب الكردي وباتفاق مع المكونات التي تعيش في المناطق الكردية بإعلان الكانتونات الثلاثة في الجزيرة وعفرين وكوباني، حيث شارك في تشكيل كل كانتون كل فئات المجتمع من الكرد والعرب والسريان والأشوريين ومن مختلف الأديان والقوميات، وكان نتيجة الفلتان الأمني وحالة عدم الاستقرار التي نشبت في سوريا نتيجة القتال بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة والجماعات الإسلامية المتطرفة”.

غير أن تلك الكانتونات تدار عسكريا من قبل قوات الحماية الكردية، كما يقول القيادي الكردي عبدالحكيم بشار، فصالح مسلم ” قد بسط نفوذه على المناطق الكردية عسكرياً بموجب عقود استلام وتسليم رسمي بينه وبين ممثلي النظام، وما جرى من تسليم محطة غاز السويدية ومناطق أخرى تؤكد على ذلك. وكما أن مسلم نفسه صرح أنه بصدد استلام حقول رميلان، فهل يمكن قول ذلك إذا لم يكن هناك اتفاق مسبق مع النظام، أما بخصوص اتهامه لمسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان بأنه يعمل بضغط من تركيا، فإن مسلم نفسه متأكد أن البارزاني يمثل ضمير الأمة الكردية والقرار القومي الكردي المستقل، ولو رضخ لضغوط تركيا لامتنع عن المبادرة لدعوة حزب مسلم إلى إقليم كردستان العراق وإبرام اتفاقية هولير ولرفض إفساح المجال لأي من أعضاء حزبه للمرور والإقامة في كردستان، أما بخصوص إدعائه بافتقاد البارزاني للقاعدة الشعبية في كردستان سوريا فقد جاء الجواب من الشعب الكردي في كردستان سوريا، ففي الوقت الذي كان صالح مسلم يكيل الاتهامات لسيادته كانت مظاهرات شبابية ومن مختلف فئات وشرائح أبناء شعبنا -وهي الأضخم- تسير في عدد من أحياء القامشلي وخاصة قدوربك والعنترية ومدن ديريك وجل اغا وغيرها رافعين صور الرئيس مسعود البارزاني ومنادين بإسقاط النظام”.

كوشنير في الوحل الجزيراوي

إلى ذلك الوحل ذهب كوشنير، الذي قال للأكراد: “أنتم لا تتحدثون فقط، بل تطبقون ذلك على أرض الواقع. وتحاولون بناء مشروع خاص بحقوق الإنسان في ظروف الحرب.

كما أبعدتم الدين عن السياسة، إذ لم أجد أي فرق بين الشيعي والسنّي هنا، وأعرف أن هذا مثل الحلم في المنطقة”، ولا يعلم كوشنير أنه لا يوجد في منطقة الجزيرة شيعي واحد، فكيف رأى الوزير الطبيب التعايش السنّي الشيعي في الجزيرة؟ غير أنه أضاف: “الدولة الفرنسية مهتمة بالأكراد، لكن عليكم أن تكونوا قادرين على إقناع دول الاتحاد الأوروبي، فيما يخص مطالبكم وقضيتكم” وهنا تبدأ المهمة الجديدة لتشمل سوريا كلّها وليس فقط كانتونات بشار الأسد التي كلّف بها صالح مسلم وحزبه.

العالم حسب كوشنير

كان قد صدر في باريس كتاب بعنوان “العالم حسب كوشنير”، للصحافي الفرنسي بيار بييان، يتناول دور برنار كوشنير في العالم، من خلال قناع الطبيب المهتم بالجانب الإغاثي والطبي، وفي الكتاب، ينحت بييان في شخصية كوشنير، مستنداً إلى الوثائق والفضائح، من بداية عهد شيراك في رئاسته الثانية، حين توجّه كوشنير إلى العمل في الاستشارات لصالح الشركات الكبرى، مشرفا على عدد من الصفقات في أفريقيا وغيرها، حيث حصلت شركتا إيمدا وأفريقيا ستيبس المملوكتان من قبل أصدقاء كوشنير، جاك بودوان وإيرايك دانون، في العام العامين 2003 و2004على عقد تنفيذ دراسة لحساب حكومتي الغابون وغينيا المتهمتين بالفساد الإداري، وتم تكليف كوشنير بإعداد دراسة من مئة صفحة، لإصلاح نظامي الضمان الصحي للدولتين على الرغم من عدم وجود الضمان الصحي فيهما، ولكن الحكومتين لم تدفعا لكوشنير مستحقاته المالية، مما اضطره لممارسة ضغوط عندما أصبح وزيراً للخارجية في عهد ساركوزي، بعد ثلاث سنوات، لإجبار الرئيس الغابوني عمر بانغو على دفع المبالغ، حيث قام بتعيين إيريك دانون سفيراً لفرنسا في موناكو، وبدأ بممارسة ضغوطه على عمر بانغو، كما اعترف الرئيس بانغو نفسه فيما بعد لـ”لوموند” الفرنسية، حيث اضطر لدفع مبلغ ثمانمئة ألف يورو لصالح كوشنير، مقابل الدراسة المكونة من مئة صفحة فقط، بعد ذلك افتضحت القصة، واشتكى الرئيس بانغو إلى ساركوزي وعرض عليه وثائق الابتزاز الذي تعرّض له، وكتب الصحفي بييان إن ساركوزي تعمّد “إذلال” كوشنير عندما أخبره بأنه علم بتلك الفضيحة عبر وزير حقوق الإنسان راما ياد.

شاهد الزور في نزاعات العالم

كان كوشنير الوحيد في فرنسا الذي أيّد الحرب على العراق في العام 2003، على عكس الرئاسة وجميع أفراد طاقم الحكم، حيث تم اتهامه بأنه يريد القضاء على خمسين عاما من الاستقلال الفرنسي عن إرادة الولايات المتحدة، حيث حرص كوشنير على الالتزام التام بالمواقف الأميركية من جميع القضايا التي كان يطلب من فرنسا أن تشارك فيها، كما في تزويره للحقيقة بشأن مذابح رواندا، من خلال اتهام قبائل الهوتو بارتكاب المجازر، للتستر على قبائل التوتسي التي قامت بتنفيذ تلك المجازر بالفعل، حيث عمل كوشنير على منع قاضي التحقيق الفرنسي المتخصص في قضايا الإرهاب جان لوي بروغيير من فتح ملف حادثة إسقاط طائرة الرئيس الرواندي هابيريمانا، التي تسببت في اندلاع الحرب في رواندا.

ولا ينفصل نشاط كوشنير عن نشاط توتال، الشركة النفطية العملاقة، حيث تم اكتشاف أيادٍ له في بورما (ميانمار)، حين أعدّ تقريرا عن نشاط توتال فيها، تضمن الكثير من التلفيق، حيث برأ الشركة من إجبار المواطنين على العمل بالإكراه، بعد أن نشرت صحيفة “نوفيل أوبسرفاتور” دور الجيش البورمي في إجبار الناس على العمل في حقول النفط لصالح توتال بالقوة.

نيابة عمن يحارب كوشنير

رفضت المعارضة السورية عروض برنار هنري ليفي، صديق كوشنير، لدعمها، على غرار الدعم الذي قدّمه لليبيين، وقد كتب ليفي معترضاً مراراً على هذا الرفض، بلغة تبدو أقرب إلى التهديد، ومن المعروف أن المفكر الفرنسي اليهودي داعم كبير للجيش الإسرائيلي وسياسات ومصالح إسرائيل في المنطقة والعالم، الأمر الذي دفع به إلى التراجع خطوات إلى الخلف والدفع ببعض الشخصيات للقيام بدورها اللازم في النزاع في سوريا، وعلى رأس تلك الشخصيات برنار كوشنير، الذي كان رأس الحربة في البدء في تنفيذ المشروع الجديد الذي سيحقق ما سعت إليه مصالح دولية متقاطعة، لتسهيل السوفت لاندينغ “الهبوط الآمن” لنظام الأسد بعد الانفجار الشعبي الذي واجهه خلال السنوات الأربع الماضية.

لكن ليس من السهل التكّهن بما يمكن أن يحدث في ظل التناقض الموازي للمصالح الدولية ذاتها، وفي دوائر القرار الحساسة والضيقة، التي يريد بعضها إنهاء الصراع في المنطقة، كل الصراع بما في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي، بينما يريد بعضها الآخر للصراع أن يستمر ويتصاعد.

------------

  العرب

 

 


ابراهيم الجبين
السبت 6 ديسمبر 2014