نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة

تأملات في الثورة الفاشلة

16/03/2024 - ماهر مسعود


بريجنسكي وسد الثقب الأسود






في كتابٍ من الضروري أن يقرأه كل مهتم عربي بالسياسات الدولية، وضعه قبل قرابة عقد مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي، الأستاذ البولوني الأصل، زبغنيو بريجنسكي، "لعبة الشطرنج الكبرى"، يوجد شرح وافر لخلفيات الأحداث التي تعيشها المنطقة العربية، كانقلاب أميركا على الحكم في العراق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وما تلاه من حربٍ أولى، فحصار، فحرب ثانية، فاحتلال، وهو انقلابٌ لم يكن مفهوما في حينه، ويبدو غامضا اليوم أيضا. لذلك، أثار تقديرات وتخمينات كثيرة حول سياسة أميركا في المنطقة العربية، جعلت كثيرين يصدّقون أن احتلال العراق سيكون قصيرا لا يتخطى الفترة اللازمة لإشاعة الديموقراطية فيه.


 
ماذا يقول الاستراتيجي الأميركي في كتابه الذي يدور حول ما يسميه الصراع على المجال الأوراسي (الأوروبي/ الآسيوي) الممتد: مركز وموضوع السياسات الدولية على مر التاريخ، الذي يخضع للمرة الأولى لقوة من خارجه، هي الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن تصارعت عليه وفيه خلال ثلاثة آلاف عام قوى من داخله، بعضها قاري، وبعضها الآخر بحري؟

يكتب المؤلف باختصار: ثمّة في الجزء الجنوبي من هذا المجال الذي يضم البلدان العربية منطقة غير هادئة، منطقة "ثقب أسود" مثيرة للقلق، يضعها موقعها الاستراتيجي في القلب من العالم، وتجعل ثرواتها الإمساك بها إمساكا بتوازنات الوضع الدولي، بيد أنها لم تخضع بعد للمعايير والنواظم والأوضاع التي تسيطر أميركا من خلالها على مفاصل العالم ومفاتيحه، على الرغم من خطورة أي حدثٍ يجري فيها، وما يتشكّل داخلها من تهديداتٍ تمس بنية النظام الدولي التالي لسقوط السوفييت، الأميركي المركز والقطب، فلا يمكن لواشنطن إبقاؤها خارج سيطرتها المباشرة عليها، ولا تستطيع أن تتجاهل طريقة حكامها في إدارتها التي أنجبت ظواهر شحنت منطقة هذا "الثقب الأسود" بمشكلاتٍ متفجرة، لا حل لها من دون قيام الولايات المتحدة بوضع يدها عليه بواسطة جيوشها، وإلا كانت سيطرتها العالمية قصيرة العمر، وتحولت من أعظم إمبراطورية عرفها التاريخ إلى آخر إمبراطورياته. أما احتلال المنطقة، فيحتّمه وضع أميركا يدها على البلقان خلال العقد الأخير، وإخراج السوفييت من وسط أوروبا وشرقها، وأخيرا القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان، مناطق يتيح وجود أميركا ونفوذها فيها التحكّم بقوى أوراسيا الكبرى والوسيطة التي لطالما لعبت أدوارا مفصلية في السياسات الدولية، وسقطت بسقوط الاتحاد السوفييتي، إلى مراتب تمكّن أميركا من ضبط حركتها، والتحكّم بتطورها وعلاقاتها، وتعزيز خططها الاستراتيجية لمنع قيام قوة بديلة لها داخل هذا المجال، سواء كانت الصين أم روسيا أم الهند أم اليابان، فضلا عن منع إقامة أي تحالفٍ قد يفضي إلى بديلٍ كهذا، أكان روسيا/ صينيا، أم روسيا/ يابانيا، أم صينيا/ يابانيا، أم تحالفا يضم هذه القوى مجتمعة، بما أن إقامة تحالفٍ كهذا سيحوّل أميركا تدرجيا إلى دولةٍ طرفية، وسيخرجها من المجال الأوراسي بصفته مركز السياسة الدولية، وسينزلها عن عرشها قوة أولى، لا بد أن تتفرد بقيادة العالم. إلى هذا، يكتسب وجود أميركا العسكري المباشر في القسم العربي من الثقب الأوراسي الأسود الذي سيكون مجاورا لإيران وتركيا، يكتسب أهمية خاصة بالنسبة إلى تقرير مصيرهما الذي لم يحسم بعد. وإذن: لن يستقر إمساك أميركا بالمجال الأوراسي وضبط توازناته، واحتلال موقع حاسم فيه، من دون "سد الثقب الأسود" العربي عبر تموضع القوة الأميركية المباشر فيه، وخصوصا منه العراق، قلبه الاستراتيجي الذي يتميز باتساعه الجغرافي، وتضاريسه المتنوعة، وقربه من دول إقليمية تمر بحالٍ من التحول كتركيا وإيران، ومن آسيا الوسطى والبحر الأبيض المتوسط، ويشرف عن قرب على الخليج والمحيط الهندي، فهو قاعدةٌ لا غني عنها لأية سيطرة كونية أميركية، ولا يجوز السماح بسقوطه بين أيدٍ معادية. وكذلك بقاؤه مستقلا أو قويا، لكونه يقوم، فضلا عن كل ما تقدّم، بدور جسر فصل ووصل لمنطقتي حوض النفط والغاز العربي/ الآسيوي الوسيط، ويمكنه فصل الوجود الأميركي أو وصله في أقصى غرب المجال الأوراسي وأقصى شرقه، وخصوصا في أفغانستان: الإسفين المغروس الذي يفصل الصين عن روسيا، ويضع احتلاله أقدار المنطقة العربية في يد أميركا أمداً طويلاً، ويساعد على كسر طرفي الحاجز السياسي المتموضع داخل الثقب الأسود، الذي تجسّده إيران في الشرق وسورية في الغرب، ويبدل كسره دور إسرائيل، ويجعلها قادرةً على تخطي مكانيتها الجغرافية والدخول إلى آفاق المجال الأوراسي الرحبة، سواء في شرقه وشماله، أم تجاه أوروبا في غربه وجنوبه.

ومن الاستنتاجات هنا: أولا، تضمر استراتيجية السيطرة الأميركية على المجال الأوراسي تبدلا نوعيا في وضع الوطن العربي ودوله، والعلاقات الدولية، وموقع إسرائيل ودورها، تبدّل سيساعدها في تقليص صراعها الفلسطيني المباشر أو التخلص منه، بكسر مقاومة الشعب الفلسطيني وترتيب أوضاعها على أسس صهيونية: الخطوتان الضروريتان لدمج إسرائيل في سياق كوني، يحول جيشها إلى جزء تكويني وعضوي من قوة أميركا العسكرية في المجال الأوراسي الواسع، وخصوصا منه منطقة الثقب الأسود العربي، ويحولها إلى شريك حقيقي في سيطرة عالمية من نمط جديد، وبشروط جديدة. في ظرف تحوّلي كهذا، لا حاجة إلى حل سياسيٍّ أو سلميٍّ يعترف بحقوق شعب فلسطين الوطنية، أو يؤدى إلى انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من دولة فلسطين.

ثانيا، لا ينضوي احتلال العراق تحت أي هدف جزئي أو محدود، سواء تعلق بالديموقراطية أم بالإرهاب أم بالنفط، ولن يكون قضية عابرة أو مؤقتة. إنه هدفٌ قد تطول فترة تحقيقه، لكن واشنطن ستحققه مهما تكبدت من خسائر، فالصراع مع العراق لم يكن خلال العقد الأخير قضيةً محلية أو ثنائية، وإنما ارتبط بجوهر الصراع الدولي بين القطب الأوحد وخصومه ومنافسيه الحقيقيين والمحتملين داخل المجال الأوراسي وخارجه. لن تترك أميركا العراق بحاله، لمجرّد أن جنودها يسقطون هناك، بل ستقاتل من أجله، وستدفع الثمن مهما كان فادحا، وإذا قدّر لها أن تترك بغداد والبصرة ذات يوم، فهي لن تترك مناطقه الصحراوية وجباله المرتفعة وأقسامه الموالية لها.

ليست المسألة العراقية عابرةً أو عارضةً أو جزئية، وسيكون العراق مشكلةً عربيةً وإقليمية ودولية بامتياز، إلى إشعار آخر، بسبب أهميته الاستراتيجية وثرواته وموقعه. علما أن احتلاله أميركياً سيكون بداية تاريخ عربي لا يشبه كثيرا ما عرفه آباؤنا وأجدادنا في ظل الاستعمار الأوروبي التقليدي أو بعده، كما أن امتداد آثار الاحتلال أو وجوده المادي إلى إيران وسورية حتمي، فلا يغلطنّ أحد في فهم ما يحصل، ولا يعتقدنّ أن غفلته تحميه، وأن مقاومة العراقيين تكفي وحدها لرد الخطر عنه، وأن استراتيجية أميركية على هذا القدر من الأهمية يمكن أن تجابه بأغاليط إعلامية، أو بتدابير تكتيكية تخلو من أي سياق بنيوي.

ثالثا، باحتلال العراق، تبدأ صفحة جديدة من تاريخ عربي مأساوي، يريد الأميركيون له أن يخلو من حامل وطني أو قومي. لذلك، يبادرون إلى سد ما يسمونه الثقب الأسود العربي الذي كان سيستنزف جزءا كبيرا من قوتهم العالمية، لو أن المواطن العربي كان حرا، وكانت دوله متماسكةً ومتضامنة. فوّت نظام العراق على نفسه بناء مقومات صموده، فانكشف، وغدت إطاحته بيد أميركا مسألة وقت.

هل نقول: على نفسها جنت براقش، أو إلى... وبئس المصير، مع أننا نحن أيضا، في سورية، مستهدفون، وفي حال يرثى لها؟
-------------------
العربي الجديد
____________________________________________
كتب المقال عشية الغزو الأميركي للعراق في فبراير/ شباط 2003

ميشيل كيلو
الاربعاء 31 ماي 2017