وأجرت كبريات الصحف العالمية مثل "واشنطن بوست" ونيويورك تايمز، تحقيقات مصورة من موقع الأحداث تكشف مواقع المقابر الجماعية، وعمليات انتشال جثث الضحايا، وتفضح تفاصيل المذبحة التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص، جرى تصفيتهم على مدار ثلاثة ايام متصلة خلال عمليات عسكرية، تم تكذيبها تماما، من قبل حكومتي الولايات المتحدة والسلفادور، حينما تحالفا معا ضد متمردي جماعة "جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني"، والمعروفة اختصارا باسم (FMLN).
واحتفلت السلفادور هذا العام في السادس عشر من كانون ثان/ يناير بمرور 25 عاما على انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت خلال الفترة بين 1980 و 1992، إلا أن ضحايا الحرب مثل عائلات قرية الموزوتي، والقرى المجاورة لها، لا زالوا ينتظرون تحقيق العدالة، وأن يتم مداواة جروحهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، بحسب ما يؤكده الناشط الحقوقي بنجامين كوييار.
كما تعبر عن هذه المأساة العبارات البسيطة التي سجلتها عائلات ما يقرب من ألف من الفلاحين بالقرية الواقعة أقصى شمال شرق السلفادور، حيث ارتكبت أكبر عمليات قتل جماعي في دول أمريكا اللاتينية كلها، لدرجة أن الصحافة الأمريكية قارنتها بمذابح ماي لاي في فيتنام التي وقعت أحداثها في آذار/ مارس 1968، والتي لم تبقي على كائن حي سواء بشر أو ماشية، ولم تترك في البلدة حجرا قائما على حجر، تحول كل شئ إلى رماد، تذروه الرياح.
في وقت لاحق، شهدت الموزوتي عمليات تنقيب عن مقابر جماعية وانتشال رفات جثث، من أجل تقديمها لأهاليها. يشار أيضا إلى أن حكومتي آخر رئيسين منتخبين، ماورثيو فونيس (2009-2014) و سلفادور سانشيز سيرين - الموجودة في الحكم حاليا -، تقدمتا باعتذار رسمي للأمة عن العنف الذي ارتكب أثناء الحرب، كما تم تصميم خرائط للسياحة التاريخية، تضم مسارات لوقائع العنف التي ارتكبت خلال تلك الفترة المأسوية. بالرغم من ذلك لا يزال العسكريون المسؤولون عن ارتكاب تلك الفظائع يتمتعون بحريتهم وبإفلاتهم من العقاب.
"قتلوا جميع أفراد أسرتي، لم يراعوا حرمة طفل أو امرأة أو شيخ مسن. قتلوا أحد أعمامي وكان عجوزا في الثالثة والثمانين من عمره، وزوجة إبني وكانت لا تزال ترضع طفلها حديث الميلاد ... ذبحها الجنود هي وطفلها"، يروي تلك الأهوال لـوكالة الأنباء الألمانية(د .ب. أ ) خوسيه ميخييا، وهو يشير إلى عبارة مكتوبة على أحد جدران المنزل التي لم يطلها معول الهدم، تقول "قتل طفل، يعني قتل محارب متمرد".
وعلى الصعيد الدولي، تندرج تفاصيل مذبحة الموزوتي، ضمن فصول الحرب الباردة، حيث تعد واحدة من العمليات التي نفذت في إطار تكتيكات التصدي للجماعات المتمردة مثل "المطرقة والسندان" و"الأرض المحروقة"، وهي نفس التكتيكات التي كانت الولايات المتحدة تستخدمها في حربها ضد فيتنام، ودربت عليها وحدات "أتلكتال" الرهيبة "للتدخل السريع"، والمسؤولة أيضا عن اغتيال ستة من الرهبان اليسوعيين عام 1989، واثنين من معاونيهم المحليين.
تتضمن التكتيكات القائمة على التنظير للموت وتنفيذه "حرمان السمك من الماء، لكي لا يتمكن من البقاء على قيد الحياة"، كان هذا هو التلقين الأساسي الذي درب عليه الخبراء الأمريكان ومعاونيهم، تلاميذهم المتفوقين من السلفادوريين. كان الماء بالنسبة لهم هو سكان الريف، أما السمك فكانت العناصر المتمردة ذاتها. ومن هذا المنطلق ارتكبت العديد من المذابح في أماكن أخرى متفرقة من البلاد، منها على سبيل المثال: مذبحة نهر سومبول بقرية شالاتينانجو، ومذبحة لاس أوخاس والمخفر ببلدة سان بيثنتي.
"قبل ارتكاب تلك المذابح، كانت تلك المنطقة تنعم بالهدوء، كنا نزرع البقول والذرة وقصب السكر، وصبار الماجي الذي يستخرج منه مشروب التكيلا المحلية. حلت علينا المذابح، وقضت على كل شئ. نجوت بأعجوبة، حيث هربت إلى هندوراس عبر الجبال"، يحكي المواطن الريفي خوسيه دياز، وقد تطوع هو وميخييا بتقديم معلومات أفادت السلطات في العثور على أماكن المقابر الجماعية وانتشال بعض الجثث منها.
من جانبه توضح دوريلا ماركيز، مديرة جمعية حقوق الانسان في الموزوتي أن "على مدار أكثر من عقدين، أفادت شهادات الناجين الباقين على قيد الحياة في عمليات التنقيب عن مقابر جماعية، والتي تهدف في المقام الأول تخفيف آلام أهالي الضحايا، حينما يتمكنوا في النهاية من إجراء مراسم جنائزية لائقة ودفن موتاهم بصورة كريمة".
كما تفيد علميات التفتيش عن القبور في تسليط الضوء على تلك الفظائع التي ارتكبت، حيث يعتبر العثور على الجثث دليل إثبات على الجرائم التي ارتكبها الجنود بناء على أوامر من قياداتهم العسكرية العليا، وللتأكيد على أنها لم تكن أحداثا عشوائيا أو حوادث فردية، بل تمت بناء على تطبيق سياسة إبادة جماعية.
يعتبر المقدم دومينجو مونتيروسا، هوأحد ابرز القيادات العسكرية التي خططت ونفذت المذبحة، وقد لقى مصرعه عام 1984 إثر هجوم شنته العناصر المتمردة بالقرب من موقع ارتكاب المذبحة، وهناك قادة عسكريون آخرون أنهوا الحرب، وحصلوا على ترقيات ورتب عسكرية أعلى، دون أن يتعرضوا لأية محاكمات عن الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبوها.
وقد أبرزت نتائج تقرير لجنة الحقيقة الذي أعدته الأمم المتحدة عام 1993، حول مذبحة الموزوتي أن وزير الدفاع ورئيس الأركان في ذلك الوقت، الجنرال جييرمو جارسيا والجنرال رفائيل فلوريس ليما، على الترتيب، أنكرا ارتكاب أية جرائم، كما لم يجرويا أية تحقيقات على الإطلاق تفيد في إثبات الحقيقة.
"أشعر بالحزن في تلك الأوقات، وفي نفس الوقت بالارتياح، لمضي هذه العملية قدما، حتى لو كان بصورة بطيئة"، تقول روساريو رودريجيز لوبيز، واحدة من أقارب ضحايا مذبحة الموزوتي، عند تسلمها رفات أحد الضحايا من محكمة العدل العليا، تنفيذا لحكم إدانة اقرته محكمة الدول الأمريكية لحقوق الانسان على حكومة السلفادور، كما تطالب من خلاله بفتح تحقيقات حول الأحداث، محاكمة المسؤولين المتورطين، ورد اعتبار الضحايا، وتعويض أهاليهم.
تؤكد دوريلا لوبيز "يعقد الأهالي الكثير من الآمال على مثل هذه الأحكام، حيث ستمكنهم في النهاية من دفن ضحاياهم بصورة لائقة، ومعرفة مصيرهم في النهاية، وكذلك تحقيق العدالة، وهو المطلب الأهم لدينا".
تجدر الإشارة إلى أن الحرب الأهلية في السلفادور أسفرت عن مصرع أكثر من سبعين ألف شخص واختفاء ثمانية آلاف، بالإضافة إلى تهجير مليون آخرين أصبحوا لاجئين في الولايات المتحدة، خاصة في مدن مثل دالاس، ولوس أنجليس وواشنطن بالولايات المتحدة".
واحتفلت السلفادور هذا العام في السادس عشر من كانون ثان/ يناير بمرور 25 عاما على انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت خلال الفترة بين 1980 و 1992، إلا أن ضحايا الحرب مثل عائلات قرية الموزوتي، والقرى المجاورة لها، لا زالوا ينتظرون تحقيق العدالة، وأن يتم مداواة جروحهم وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، بحسب ما يؤكده الناشط الحقوقي بنجامين كوييار.
كما تعبر عن هذه المأساة العبارات البسيطة التي سجلتها عائلات ما يقرب من ألف من الفلاحين بالقرية الواقعة أقصى شمال شرق السلفادور، حيث ارتكبت أكبر عمليات قتل جماعي في دول أمريكا اللاتينية كلها، لدرجة أن الصحافة الأمريكية قارنتها بمذابح ماي لاي في فيتنام التي وقعت أحداثها في آذار/ مارس 1968، والتي لم تبقي على كائن حي سواء بشر أو ماشية، ولم تترك في البلدة حجرا قائما على حجر، تحول كل شئ إلى رماد، تذروه الرياح.
في وقت لاحق، شهدت الموزوتي عمليات تنقيب عن مقابر جماعية وانتشال رفات جثث، من أجل تقديمها لأهاليها. يشار أيضا إلى أن حكومتي آخر رئيسين منتخبين، ماورثيو فونيس (2009-2014) و سلفادور سانشيز سيرين - الموجودة في الحكم حاليا -، تقدمتا باعتذار رسمي للأمة عن العنف الذي ارتكب أثناء الحرب، كما تم تصميم خرائط للسياحة التاريخية، تضم مسارات لوقائع العنف التي ارتكبت خلال تلك الفترة المأسوية. بالرغم من ذلك لا يزال العسكريون المسؤولون عن ارتكاب تلك الفظائع يتمتعون بحريتهم وبإفلاتهم من العقاب.
"قتلوا جميع أفراد أسرتي، لم يراعوا حرمة طفل أو امرأة أو شيخ مسن. قتلوا أحد أعمامي وكان عجوزا في الثالثة والثمانين من عمره، وزوجة إبني وكانت لا تزال ترضع طفلها حديث الميلاد ... ذبحها الجنود هي وطفلها"، يروي تلك الأهوال لـوكالة الأنباء الألمانية(د .ب. أ ) خوسيه ميخييا، وهو يشير إلى عبارة مكتوبة على أحد جدران المنزل التي لم يطلها معول الهدم، تقول "قتل طفل، يعني قتل محارب متمرد".
وعلى الصعيد الدولي، تندرج تفاصيل مذبحة الموزوتي، ضمن فصول الحرب الباردة، حيث تعد واحدة من العمليات التي نفذت في إطار تكتيكات التصدي للجماعات المتمردة مثل "المطرقة والسندان" و"الأرض المحروقة"، وهي نفس التكتيكات التي كانت الولايات المتحدة تستخدمها في حربها ضد فيتنام، ودربت عليها وحدات "أتلكتال" الرهيبة "للتدخل السريع"، والمسؤولة أيضا عن اغتيال ستة من الرهبان اليسوعيين عام 1989، واثنين من معاونيهم المحليين.
تتضمن التكتيكات القائمة على التنظير للموت وتنفيذه "حرمان السمك من الماء، لكي لا يتمكن من البقاء على قيد الحياة"، كان هذا هو التلقين الأساسي الذي درب عليه الخبراء الأمريكان ومعاونيهم، تلاميذهم المتفوقين من السلفادوريين. كان الماء بالنسبة لهم هو سكان الريف، أما السمك فكانت العناصر المتمردة ذاتها. ومن هذا المنطلق ارتكبت العديد من المذابح في أماكن أخرى متفرقة من البلاد، منها على سبيل المثال: مذبحة نهر سومبول بقرية شالاتينانجو، ومذبحة لاس أوخاس والمخفر ببلدة سان بيثنتي.
"قبل ارتكاب تلك المذابح، كانت تلك المنطقة تنعم بالهدوء، كنا نزرع البقول والذرة وقصب السكر، وصبار الماجي الذي يستخرج منه مشروب التكيلا المحلية. حلت علينا المذابح، وقضت على كل شئ. نجوت بأعجوبة، حيث هربت إلى هندوراس عبر الجبال"، يحكي المواطن الريفي خوسيه دياز، وقد تطوع هو وميخييا بتقديم معلومات أفادت السلطات في العثور على أماكن المقابر الجماعية وانتشال بعض الجثث منها.
من جانبه توضح دوريلا ماركيز، مديرة جمعية حقوق الانسان في الموزوتي أن "على مدار أكثر من عقدين، أفادت شهادات الناجين الباقين على قيد الحياة في عمليات التنقيب عن مقابر جماعية، والتي تهدف في المقام الأول تخفيف آلام أهالي الضحايا، حينما يتمكنوا في النهاية من إجراء مراسم جنائزية لائقة ودفن موتاهم بصورة كريمة".
كما تفيد علميات التفتيش عن القبور في تسليط الضوء على تلك الفظائع التي ارتكبت، حيث يعتبر العثور على الجثث دليل إثبات على الجرائم التي ارتكبها الجنود بناء على أوامر من قياداتهم العسكرية العليا، وللتأكيد على أنها لم تكن أحداثا عشوائيا أو حوادث فردية، بل تمت بناء على تطبيق سياسة إبادة جماعية.
يعتبر المقدم دومينجو مونتيروسا، هوأحد ابرز القيادات العسكرية التي خططت ونفذت المذبحة، وقد لقى مصرعه عام 1984 إثر هجوم شنته العناصر المتمردة بالقرب من موقع ارتكاب المذبحة، وهناك قادة عسكريون آخرون أنهوا الحرب، وحصلوا على ترقيات ورتب عسكرية أعلى، دون أن يتعرضوا لأية محاكمات عن الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبوها.
وقد أبرزت نتائج تقرير لجنة الحقيقة الذي أعدته الأمم المتحدة عام 1993، حول مذبحة الموزوتي أن وزير الدفاع ورئيس الأركان في ذلك الوقت، الجنرال جييرمو جارسيا والجنرال رفائيل فلوريس ليما، على الترتيب، أنكرا ارتكاب أية جرائم، كما لم يجرويا أية تحقيقات على الإطلاق تفيد في إثبات الحقيقة.
"أشعر بالحزن في تلك الأوقات، وفي نفس الوقت بالارتياح، لمضي هذه العملية قدما، حتى لو كان بصورة بطيئة"، تقول روساريو رودريجيز لوبيز، واحدة من أقارب ضحايا مذبحة الموزوتي، عند تسلمها رفات أحد الضحايا من محكمة العدل العليا، تنفيذا لحكم إدانة اقرته محكمة الدول الأمريكية لحقوق الانسان على حكومة السلفادور، كما تطالب من خلاله بفتح تحقيقات حول الأحداث، محاكمة المسؤولين المتورطين، ورد اعتبار الضحايا، وتعويض أهاليهم.
تؤكد دوريلا لوبيز "يعقد الأهالي الكثير من الآمال على مثل هذه الأحكام، حيث ستمكنهم في النهاية من دفن ضحاياهم بصورة لائقة، ومعرفة مصيرهم في النهاية، وكذلك تحقيق العدالة، وهو المطلب الأهم لدينا".
تجدر الإشارة إلى أن الحرب الأهلية في السلفادور أسفرت عن مصرع أكثر من سبعين ألف شخص واختفاء ثمانية آلاف، بالإضافة إلى تهجير مليون آخرين أصبحوا لاجئين في الولايات المتحدة، خاصة في مدن مثل دالاس، ولوس أنجليس وواشنطن بالولايات المتحدة".