نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


بغداد مدينة ذات وجهين، فهي لا تتسم فقط بالقنابل والإرهاب بل بالسكينة وحب الحياة




بغداد - يرجيت سفينسون - أصيب الكاتب نجم والي بالدهشة عندما زار العاصمة العراقية بغداد. لم يكن والي/58 عاما/ الذي عاش في المنفى 34 عاما يتصور بغداد بهذا الشكل، فقد أصبحت بغداد بالنسبة له بمثابة شبح للأهوال، كانت بغداد بالنسبة له مرادفا للإرهاب والاغتيالات والتفجيرات وعمليات الاختطاف والدمار.


لم يكن باستطاعة الألماني والي ذي الأصل العراقي أن يتصور أنه من الممكن أن يعيش حياة طبيعية في مدينة بغداد الواقعة على نهر دجلة والتي أصبحت وكأنها الجحيم في ظل الإحصائيات التي ما لبثت تتحدث عن آلاف القتلى والجرحى في العراق، وكذلك التفجيرات التي يقع أكثرها في بغداد ولا تريد التوقف.

وعندما قال والي لصديقته في برلين أنه يعتزم تقديم روايته الجديدة «بغداد مالبورو» في بغداد نفسها سارعت الصديقة لإبداء استغرابها ودهشتها جراء هذه الخطوة ورأت أن ذلك يشبه محاولة الانتحار.
تتحدث القصة عن جنديين أجبرا على قتل الآخرين، وتتحدث عن قصة صداقة و خيانة وذنب و تدمير، هذا هو أحد وجوه بغداد حسبما يرى الكاتب.

أما الوجه الآخر فيراه والي في شارع المتنبي وسط المدينة القديمة، وهو الشارع الذي سيقرأ فيه الكاتب مقتطفات من روايته وذلك بعد أن حصل مؤخرا على دعوة من معهد جوته الألماني الذي افتتح مكتبه مؤخرا في بغداد.
ويعود هذا الشارع الذي أطلق على أشهر شاعر عربي على الإطلاق، أبو الطيب المتنبي، إلى العصر العباسي في القرن التاسع عشر، عندما كانت بغداد مركز الثقافة والعلم وكانت تشع العلم والثقافة إلى بقية العالم.

نشأت أول جامعة في بغداد في هذا الحي وكذلك أسس فيه بيت الحكمة الذي كان يبحث فيه العلماء من جميع بلدان العالم ويتبادلون الآراء العلمية. يبدو هذا الحي القديم وكأنه بعث للحياة من جديد حيث سيزوره نحو 500 شخص ليروا نجم والي وينصتوا إلى هذا الكاتب الذي اشتهر نجمه في الخارج وترجمت أعماله للكثير من اللغات رغم أنه كان يخشى قبل سفره للعراق من أنه «لم يعد هناك من يريد عودته».

وكان والي يتوقع أنه سيشعر في العراق بالغربة وأنه سيعامل كغريب، وهو شعور ينتاب الكثير من العراقيين الذين يعيشون في المنفى ويعودون للعراق بعد سنوات من الغربة ولا يزالون ينظرون للعراق نفس نظرتهم له في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ولا يستطيعون التخلص من هذه الصورة.
غادر والي وطنه العراق عام 1980، أي بعد ستة أسابيع من اندلاع الحرب مع إيران، وهي الحرب التي رفض المشاركة فيها.

وبعد وصوله لبغداد تحدث والي بحماسة عنها قائلا: "لا أكاد أصدق أن بغداد هي نفس المدينة التي كانت موضوعا للعناوين السلبية للصحافة«. افتتح العراقي نجم والي مسرحا فريدا من نوعه بالقرب من مقهى شاهبندر الشهير، وهو مسرح لا يمكن له أن يكون إلا في هذا المكان.

لم تتوقف عمليات التخريب والنهب التي رافقت استيلاء القوات الأمريكية على بغداد في التاسع من نيسان/أبريل عام 2003 حتى أمام المبنى السابق للمحكمة على ضفاف نهر دجلة في المدينة القديمة مما أدى إلى إضرام النيران في أجزاء كبيرة من مجمع المحاكم الواقع نهاية شارع المتنبي.

وعندما تم إعلان بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013 قامت بلدية المدينة بترميم مبنى المحكمة جزئيا وحولته إلى ملتقى للثقافة أصبح في هذه الأثناء قلب المشهد الثقافي المتجدد وروحها.
يلتقي هنا في اليوم الجمعة على وجه الخصوص كل أصحاب الشهرة والمكانة أو من يريد أن يصبح ذا شهرة ومكانة.

هناك إلى جانب غرف البروفة للموسيقيين والمسرحيين قراءات شعرية وعروض للنحت واللوحات الفنية، بالإضافة إلى أجنحة في الحديقة خاصة بمشجعي الفنانين حيث يسود مناخ من الاسترخاء والارتياح والسعادة.

وكانت آخر ظاهرة جديدة في شارع المتنبي زاوية في الحديقة يسمح فيها لأي شخص أن يقول رأيه بكل حرية وكأنها »زاوية الخطباء« على غرار ما يحدث في منتزه هايد بارك في لندن، حيث تتباين الآراء، خاصة عندما تختلف الآراء عن السياسة. وبعد نقاش طويل وحاد أمسك رجل بمكبر الصوت و ألقى قصيدة جعلت المشاهدين يتنفسون الصعداء امتنانا له.

ولكن لشارع المتنبي أيضا نفس الوجهين اللذين يسودان جميع أنحاء المدينة ولا ينفصلان عن بعضهما البعض حيث انفجرت في الخامس من آذار/مارس عام 2007 سيارتان مفخختان.

وكانت العبوتان الناسفتان مخبأتين تحت أوراق وكتب. وأثر الانفجاران على الشارع بأكمله حيث تسببا في مقتل 26 شخصا وإصابة نحو 100 آخرين بالإضافة إلى تدمير العديد من محلات الكتب في الشارع، وانهار مقهى شاهبندر ولم يعد منه سوى جدرانه الأساسية.
كان هذان التفجيران بمثابة رسالة واضحة ضد المثقفين والليبراليين القائمين على ثقافة الشعب وأحرار الفكر الذين وجدوا في شارع المتنبي وطنهم التاريخي ولا ينسجمون مع الوسط الإسلامي المحافظ.

أدى الانفجاران إلى تجنب الناس منطقة الكتب بداية الأمر، ولم تعد الحياة لطبيعتها في هذا المركز الثقافي إلا بعد انتهاء أعمال الترميم وإعادة افتتاح الشارع في الثامن عشر من كانون أول/ديسمبر عام 2008.
ولكن لا تزال هناك اليوم دبابات عند مدخل الشارع ولا تزال عمليات تفتيش الحقائب مستمرة وهناك قوات أمن تقوم بدوريات في المنطقة.

جلس الكاتب نجم والي الذي ولد في البصرة ودرس في بغداد على الأنقاض وبدأ يقرأ مقاطع من روايته يجاوره موسيقيون يعزفون موسيقى تقليدية خاصة بالعراق تشبه الحوار الموسيقي مع الجمهور.
ولم يعد من المبنى المحترق سوى واجهته المتفحمة، وتم إقامة مسرح من الأسمنت خصيصا للفقرة الخاصة بالكاتب العراقي.



ويذكر المشهد بشكل ملح ببرلين التي أصبحت أنقاضا قبل نحو 69 عاما عندما أوشكت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء وبدأت أولى الفعاليات الفنية تتم وسط الأنقاض. يبدو أن التعطش للثقافة أقوى من الخوف من القنابل، لقد تصالح نجم والي

يرجيت سفينسون
الجمعة 25 يوليوز 2014