نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


بلد يبدأ من جديد ...رحلة إلى تونس العميقة بعد الثورة




تونس -
طارق القيزاني
- يعتبر الصحفي النمساوي جيرالد درايسنر أن على تونس فعل المزيد لإعادة التعريف بنفسها كأول بلد منتج ومصدر لزيت الزيتون في العالم وتسويق هذه الصورة الجديدة للديمقراطية الناشئة.

وفي بلد يفتقد إلى موارد طبيعية فإن انتاج هذه النبتة الزراعية بكميات كبرى وبمواصفات جودة عالمية يشكل أكثر من مجرد تحدي اقتصادي.


جيرالد درايسنر ..يسار
جيرالد درايسنر ..يسار
 
وحققت تونس انتاجا قياسيا في 2015 بلغ نحو 300 ألف طن لتأتي في المرتبة الثانية لكنها الأولى عالميا من حيث التصدير. ويستقطب الاتحاد الأوروبي 70 بالمئة من الصادرات بينما يتوجه 17 بالمئة منه إلى الولايات المتحدة.

وفي خطوة لدعم الانتقال الديمقراطي لتونس التي تواجه صعوبات اقتصادية منح الاتحاد الأوروبي امتيازا للديمقراطية الناشئة بأن رفع حصتها من زيت الزيتون المصدر الى فضاء الاتحاد بمقدار 35 الف طن بدءا من 2016 وحتى نهاية 2017 لتضاف بذلك الى الحصة الأصلية المقدرة بـ7ر56 ألف طن سنويا.

وقال جيرالد الذي قام برحلة الى تونس ما بعد الثورة لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "تحتاج تونس اليوم إلى فعل المزيد من أجل توظيف جيد لزيت الزيتون. يمكن أن يمنح ذلك صورة أخرى لتونس في العالم".

لكن المفارقة أنه في بلد زيت الزيتون لا يتسنى للكثير من للمواطنين شراء هذا المنتوج الفلاحي المتميز وذو الشهر العالمية لبلادهم بسبب ارتفاع سعره.

وتعكس تلك المفارقة الصعوبات التي ما زالت ترزح تحتها تونس خاصة في المناطق الداخلية أين اندلعت شرارة الثورة قبل خمس سنوات ضد الفقر والتهميش والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية لتطيح في نهاية المطاف بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في كانون ثان/ يناير من عام 2011.

وعلى عكس السياح القادمين من ألمانيا ومن بلده النمسا اختار جيرالد درايسنر أن يبدأ رحلته في بلد الشمس الذهبية انطلاقا من المدن الداخلية بعيدا عن المنتجعات السياحية المطلة على البحر المتوسط.

وقد وثق جيرالد رحلته بين عامي 2014 و2015 في كتابه "في بلد يبدأ من جديد" المكون من 333 صفحة من الحجم المتوسط والصادر حديثا عن دار النشر "دومانت" بألمانيا، وهو من المؤلفات القليلة باللغة الألمانية التي تتحدث عن الجهات الداخلية بتونس.

يقول الصحفي النمساوي في حواره مع وكالة الأنباء الألمانية (د .ب. أ) بتونس حول سبب اختياره لوجهته "لا يوجد أي كتاب يتحدث عن العمق التونسي باللغة الألمانية. الألمان يعرفون الوجه المشرق لتونس لديهم دراية بسيطة عن المشاكل هنا لكن ليس بالشكل الواضح".

ويضيف درايسنر "المناطق الداخلية أكثر واقعية والحياة صعبة هناك. لا تزال المرحلة الانتقالية متعثرة في تونس اذ يمكن ملاحظة للفساد المالي المستشري والبيروقراطية".

ومع نجاحها في تحقيق انتقال سياسي مغاير لما حدث في باقي دول الربيع العربي، فإن تونس لم تتوفق حتى اليوم في تحقيق انتقال اقتصادي وسد الفجوات الاجتماعية والتنموية الهائلة بين الجهات، وهي من المطالب الرئيسية التي قامت من أجلها الثورة.

يقول درايسنر "في المدن الداخلية المشاكل كثيرة. الإحباط يخيم على تونس والناس غير قادرين على التحمل". ويضيف قائلا "لا توجد تطورات على الأرض ولا اصلاحات هيكلية. حصلت ثورة لكن حتى الآن فيما يبدو ذهب رأس النظام وبقي الجسم".

وتشهد المدن الداخلية في الجهات الغربية وفي الجنوب مثل سليانة والقصرين وقفصة وتوزر وقبلي قلائل متواترة بسبب البطالة المتفشية في صفوف الشباب وتأخر مشاريع التنمية وافتقاد الدولة إلى خطط عاجلة في تلك المناطق.

وفي المدينة الرمز سيدي بوزيد وسط تونس حيث انتفض بائع الخضار المتجول محمد البوعزيزي الذي انتحر حرقا احتجاجا على مصادرة الشرطة لعربته، لا تزال الأوضاع تراوح مكانها بعد خمس سنوات من الحادثة.

يتحدث دراينسر عن زيارته لسيدي بوزيد قائلا "من الواضح أن الفقر في سيدي بوزيد يزداد اتساعا، لا يوجد استثمار ولا يوجد أمن. تنتشر القمامة في كل مكان بينما يشكو الناس من ارتفاع الأسعار".

ويضيف الصحفي "شهدت سيدي بوزيد أقل نسبة مشاركة في الانتخابات. ما حصل في هذه المدينة أن النخبة سرقت الثورة فيما انسحب الناس من السياسة".

ومثلما هو الحال قبل الثورة يستمر الكثير من شباب الجهة في مغادرة المدينة للبحث عن آفاق أرحب فيما يخير عدد من اليائسين الانطلاق عبر قوارب الموت للعبور إلى الضفة الشمالية للمتوسط.

وتبدو المفارقة الأكثر دلالة هو حديث أهالي الجهة عن رحيل عائلة البوعزيزي نفسها عن سيدي بوزيد للعيش في كندا.

يقول درايسنر معلقا على رحلته "الشباب هنا لا يزالون يخاطرون بحياتهم على قوارب الموت للوصول إلى أوروبا .. معنى ذلك أن البلد لا يوفر حياة مريحة. بخلاف المناطق المطلة على سواحل قرطاج وقمرت وباقي المناطق السياحية على الساحل".

ويعترف السياسيون في تونس بأن المرحلة الانتقالية لا تزال هشة وتحتاج إلى دعم دولي وخطة انقاذ اقتصادي لتفادي انفجار جديد.

ويوضح درايسنر "إن الثورة في تونس تحتاج إلى جيل وإلى متسع من الوقت لتحقيق انتقال صعب من زمن الديكتاتورية إلى زمن الديمقراطية".

ويتابع في حديثه "تونس تفتقر إلى طبقة جديدة من السياسيين وهذا ما يفسر تعطل الكثير من الملفات مثل المصالحة الوطنية والملفات المرتبطة بالانتهاكات والتعذيب في الماضي".

ومع أن تونس نجحت في تفادي حربا أهلية بين الاسلاميين والعلمانيين بفضل الحوار الوطني المتوج بجائزة نوبل للسلام هذا العام، إلا أن جزءا من أزمة الانتقال الديمقراطي بتونس بحسب درايسنر يكمن في غياب الاحترام بين الدولة والناس وضعف الحوار والتواصل بين الجانبين.

ويوضح الكاتب النمساوي "المشكل هنا أن الناس لا يؤمنون بالدولة. توضع مثلا القمامة في كل مكان ولا توجد سلطة للقوانين. والنتيجة أن الدولة أيضا لا تحترم الناس".

وتعتبر تونس أن مخاوفها من هشاشة الوضع الانتقالي في الداخل لا تزال قائمة لكنها في نفس الوقت تلقي باللوم على المجتمع الدولي والدول الصناعية الكبرى بسبب التباطؤ في دعم اقتصادها المنهار وتعزيز جهودها في مكافحة الارهاب وحماية حدودها من التنظيمات المتشددة بليبيا بالمال والسلاح.

وتعرضت تونس إلى هجمات دامية بشكل متتال عام 2015 في متحف باردو وفندق بمدينة سوسة أوقعا قرابة 60 قتيلا من السياح وآخرها التفجير الذي نفذه انتحاري بقلب العاصمة في 24 تشرين ثان/نوفمبر الماضي وخلف 12 قتيلا من الأمن الرئاسي كانوا على متن حافلة.

ومع التراجع الحاد للقطاع السياحي الحيوي في البلاد فإن الحكومة تعتبر أن إقرار الأمن هو الأولوية المطلقة خلال هذه المرحلة.

لكن جيرالد لا يتفق مع هذه المقاربة ويوضح في تعليقه أن "غياب الدولة هو أكثر ما يقلق السياح وليس الارهاب. يوجد إرهاب أيضا في تايلاند لكن السياحة لم تشهد انهيارا هناك".

وهبط عدد الوافدين من السياح الألمان على تونس إلى قرابة النصف في 2015 مقارنة بفترة ما قبل الثورة في 2010 بسبب الفلتان الأمني والاضطرابات الاجتماعية. وتحاول تونس الآن التسويق لصورة جديدة لاستعادة السياح في المانيا وفي العالم.

بالنسبة لجيرالد فهو يستعد لمغادرة تونس بعد اكثر من عام على الإقامة فيها وستكون وجهته القادمة إلى اليونان لكنه أكد أنه سيعود حتما لزيارة الديمقراطية الناشئة. ويضيف جيرالد "هناك دائما أشياء جميلة في تونس تدفعنا الى التعلق بها وزيارتها".

طارق القيزاني
الثلاثاء 29 ديسمبر 2015