نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


تأملات في الانبعاث الخجول للاستشراق الاسباني




يعترف الاسبان على لسان خوان غويتسولو الاكثر انصافا واعترافابالتاثير العربي واليهودي في الثقافة الأسبانيةانهم دخلوا حقل الدراسات العربية في القرن الثامن عشر بصورة خجولة ونفسيات مرتبكة ولم يكن اكثرهم يمتلكون الاستعداد النفسي ناهيك عن الادوات المعرفية لانصاف ذلك التراث الثقافي المرتبط بالتهجير ومحاكم التفتيش والعنصرية المستترة للثقافة الاوروبية وما يتبع تلك العقلية المتعالية من أحكام



لا شكّ أنّ من المبالغة إدراج الاستعراب الاسبانيّ، كما يقترح البروفسور ميكيل بارثلو(1) في الحقل الشامل للاستشراف قد قام بغربلته بصورة متأنية كتّاب عديدون من أمثال نورمان دانيال وساوثرن وفاردنبورغ أو هشام جعيط. لكنْ في اللحظة التي نسجّل فيها تحفظات ونُدخل،عبر بعض الاستثناءات،

الفروق على حكم ينطوي كجميع التعميمات، على عناصر من شأنها أن تنقضهن ينبغي ألاّ يضيع عن صوابنا أثر الأيديولوجية وسلّم القيَم اللذين يدعمان ضمناً، وكما أشار إليه بارثلو نفسه، أعمال الكثير من مستعربينا الأسبان، من الانبعاث الخجول للدراسات العربية في اسبانيا في القرن الثامن عشر حتى أيامنا.
لايدخل في غرض هذه المقالة التفجّع على كون الوحدة السياسية والدينية التي فُرضت على شعوب شبه الجزيرة الايبيرّية قد حرمتْنا من الموروثين الاسلامي واليهودي، ولا كذلك إدانة الإبادة المنظّمة التي تعرّض لها الموريسكيّون، والتي قدّم لوي كارداياك(2) c تحليلا لها مشوقاً منذ فترة. يكفي التذكير بأنه لم يتمّ في أواسط القرن الثامن عشر طر هؤلاء الموريكسيين من أسبانيا فحسب، وإنما تعرضت آثارهم الثقافية أيضاً الى محو متواصل ومدروس يذهب من إحراق المخطوطات العربية إلى إلغاء الكراسي الجامعية المختصة بدراسة العربية. كانت إسبانيا قد دخلت منذ تلك اللحظة في طور من فقدان الذاكرة التاريخية ما تزال نتائجه تتواصل حتى يومنا هذا، بالرغم من انبعاث الدراسات العربية ومن الأعمال المعزولة وغير المقدّرة حقّ قدرها لبعض الكتاب.

صحيح أن كلاًّ من استعراب كوندة واستعراب غاياته وتلامذته سابيدرا وفيرناديث وغونتاليث يندرجان في تراث ليبراليّ متعاطف نوعاً ما مع ماضينا الاسباني الموريسكيّ، كما أشار إليه خصوصاً جيمس ت.مونرو في كتاب غدا كلاسيكياً في مضماره:" الاسلام والعرب المدرسيّ في إسبان ، صحيح أيضاً أنه، خلافاً لاختصاصيي التراثين اللاتيني والجرماني الاسبان، الذين يتميّزون بالمحافظة والإصرار على ترسيخ التصوّر الخيالي لإسبانيا لم تتعرّض إلا لتأثير مؤقت وعابر للإسلام، يؤكد مستعربو القرن التاسع عشر على خصوصية الثقافة الاسبانية بالقياس إلى بقية الثقافات الأوروبية، وعلى التأثير الحاسم الذي مارسه عليها المسلمون العرب،واليهود. ومع هذان فعندما يحاول هؤلاء المستعربون تقييم هذا التأثير الحاسم الذي مارسه عليها المسلمون العرب،واليهود تراهم عاجزين عن التحرر من الأحكام المسبقة المتوارثة التي ترى في هذا التأثير سبب تأخرّنا وانحطاطنا الحاليّين. وتلاحظ الخطاب الذي يحمّل ماضينا الإسلامي مسؤولية تخلفنا عن ركب باقي البلدان الأوروبية، وهو يرتسم في كتاباتهم ضمناً ويتراءى بين السطور. فبدلَ العمل، كما فعل مفكّر كأميريكو كاسترو، على دراسة النتائج الفاجعة لسياق التوحيد الديني والثقافي القصري للإسبان،الذي بدأ منه منذ نهاية القرن الخامس عشر ولم يتوقف، لا يضع مستعربونا الشك أبداً المعتقدات التي تستند إليها الوحدة الأسبانية الخدّاعة. وكما أشار إليه بيير ريشار بحقّ، فـ " إننا نلاحظ في هذه المحاولات المختلفة الإحساس بالعار نفسه الذي يتملّك الكثير من الأسبان من قبول حقيقة فتح إسبانيا كما ترويها المصادر العربية بكل جرأة.


ينبغي ألا نندهش من العداء وجملة الأحكام المسبقة التي يبديها

من الإسلام ومن "المورو". فليس من المدهش أبداً أن يكتب

، معقباً على طرد الموريسكيين:" إنني لا أتردّد عن اعتباره قانون تاريخي حتمي، بل إنني لشديد السف لكونه تأخّر إلى هذا الحدّ(...) من الجنون أن يتصوّر المرء أن مجابهات لا رحمة فيها وصراعات دامية وطويلة بين عرقين مختلفين يمكن أن تنتهي بغير الابادة والطرد. دائما ينتهي العرق الأضعف الى الاندحار، فتنتصر الأمة الأقوى، والأصلب".



كذلك، فحين يكتب مفكر تقليدي كدونوس أنّ " حضارة المسلمين الزائفة" لم تكن أكثر من " بربرية"، أو حين يحكم كاتب ليبرالي مزوّد بفكر نافذ وثقافة واسعة كأورتيغا إي غاسيت على الحياة الثقافية الاسلامية بكونها " جافة وعقيمة لفرط ما هي خاضعة لهيمنة القرآن والصحراء"، وبأنّ " العرب لم يشكلوا أبداً عنصراً أساسياً في هويتنا القومية"، فهذا كلّه طبيعي إذا ما نحن نظرنا إلى صلابة مسلّماتهما المركزية- العرقية.



وعندما يكتب غارثيا مورنته أنّ استعادة اسبانيا إنما كانت " نضالاًُ ضد ديانة غريبة ومعادية، غرائبية ومستحيلة"، فما هذا إلاّ مثل على ما لا نزال نقابل أو نقرأ يومياً. وتعلّمنا التجربة ألا نندهش أكثر من اللزوم إذْ نقرأ في كتاب تربوي موجّه لتلامذة في سنّ السادسة عشرة أن " محمداً لم يأت بأي جديد، فليس مذهبه أكثر من مزيج ممسوخ من الوثنية واليهودية والمسيحية" أو عندما نقرأ في كتاب " تاريخ الفنّ" ما يزال يشكل مرجعاً اساسياً في بعض كلّيات الآداب والفنون الاسبانية، نقرأ بخصوص المعمار الاسلامي في قرطبة أنه " نظراً للمستوى الثقافي المتدني للغزاة المسلمين، فإن أعمالهم الأولى إنما تعكس المعيار المحليّ (الاسباني) أكثر مما تعكس التأثير الشرقي"! وأخيراً فالأحكام المسبقة المناوئة للاسلام، التي التفت اليها بيدال نفسه، لا تشكل حضارة اسبانية بل تشمل،

وإن بدرجات، العالم الأوروبي كلّه.
وما يظلّ أكثر إدهاشاً بالمقابل هو الشعور، بل القناعة المنحدرة من المستشرق أو المستعرب بتفوّق ثقافته الأصلية، هذه القناعة التي قام بتحليلها على وجه الخصوص كلّ من أنور عبد الملك وأدوارد سعيد والتي تدفع الكثير من المستعربين الى النظر الى الثقافة التي يدرسونها بتعالٍ، بل باحتقار.i هذا الموقف، الذي يذهب أحياناً الى حدّ العداء السافر، كما في كتاب " العقل العربي" لرفائيل باتاي (*) الذي يوزّع على نحو واسع في الأوساط الجامعية في امريكا الشمالية، يُبطّن، كما سنرى، أعمال مؤلفين ذوي مكانة محترمة في مجالات دراستهم. وبصورة مفارقة يتقدّم الاستشراق في الغالب باعتباره حامل لواء الغرب وقيمه، كما لو كان الاحتكاك المهني بالثقافة الاسلامية يمنح المستشرق وعياً حاداً بالفوارق القائمة بينها وبين ثقافته الاسلامية يمنح المستشرق وعياً حاداً بالفوارق القائمة بينها وبين ثقافته الأصلية، وكما لو كان خوفه من فقدان ثقافته بفعل انعداء ممكن بالثقافة الأخرى يلزمه بالدفاع عن ثقافته بحماسة ملأى بالضغينة. فبوعي أو بدون وعي، يكتب سيمونيت وريبيرا وسانجيث ألبورنوث ويتصرّفون كناطقينباسم المسيحية في مواجهة حضارة أخرى يعتبرونها متدّنية.



وفي أفضل الأحوال، فإن استحضار الماضي المجيد الذي عرفه العالم الاسلامي يدفعهم الى التفجّع بشيء من الحذلقة على انحطاطه الخالي (انحطاط كان في رأيهم محتّماً ولا مناص منه)، وعلى عجزه الطبيعي عن هضم التقدم الأوروبي، وأخيراً على عقمه المدمّر والنهائي. بل ثمة ظاهرة أخرى أفظع. كان مستشرقو القرن التاسع عشر يقلّدون دارسي اللاتينية والإغريقية القديمة، ويدرسون اللغات الشرقية، كالعربية والعبرية والتركية والفارسية، الخ.، كما لو كانت لغات ميتة، لغات حضارات منقرضة، مقطوعة عن اللغات الحالية التي هي وريثها الشرعي، حاكمين عليها بذلك بأن تشكل عدماً أو ما هو أقلّ من العدم وكما أشار اليه أنور عبد الملك، فإن دراسة لغات حيّة كالعربية قد قادة إلى إساءات فهم والتباسات عديدة، كما يحدث عندما نشرح الفرنسية التي يكتب بها مارتان دوغار أو سارتر أو أراغون انطلاقاً من " أغاني المآثر" الفرنسية القديمة.



وخلا الحالة الاستثنائية لبيدرو مارتينيت مونتابيث(5)، فإن عدم الاهتمام الذي يبديه أغلب المستعربين الاسبان بالنهضة الثقافية والاجتماعية والسياسية المعاصرة للعرب لهو كبير الدلالة. إن الانتاج الأدبي المتنوع والجدير غالباً بالتثمين، الذي يزدهر اليوم في سائر البلاد العربية، ونضال أقطار المغرب قريب العهد للتحرر من الاستعمار، والمأساة الحالية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، هذا كله يبدو وهو يدعهم على ما هم عليه من عدم مبالاة. وبحق أعرب أميريكو كاسترو عن اندهاشه من أنّ مستعرباً كسيمونيت استطاع أن يكتب، كاشفاً عن كره عميق للثقافة التي هي موضوع درسه، أنْ " ليس العرب هم من أدخلوا الحضارة الى بلادنا، بل، بالعكس تماماً، كان الشعاع الذي انبثق من اسبانيا العربية طوال قرون نابعاً بصورة أساسية من العنصر الاسباني – اللاتيني الذي نفخ في العرب المواهب المميزة للعرق المحلي (الاسباني)." بل إن سيمونيت نفسه، الذي بقي متمترساً طوال سنيّه الأخيرة وراء اعتبارات تمييزية عنصرية وقومانية متطرفة مكشوفة، ما كان ليتردّد عن الكلام على " البربرية الاسلامية" وعلى " حضارة العرب الزائفة"،
----------------------
خوان غويتيسولو - ترجمة كاظم جهاد

خوان غويتيسولو
الاربعاء 21 يناير 2015