نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


تاريخ الجزائر... جدل دائم وحقيقة مغيبة




الجزائر - أعادت تصريحات اطلقتها الفرنسية فريال بن تشيكو فورون، عبر التلفزيون الجزائري الحكومي، نجحت من خلالها في تمجيد جدها الباشاغا بوعزيز بن قانة المتهم بقطع اذان 900 جزائري، فضلا عن الجرائم والمظالم والشرور التي ارتكبتها هذه العائلة بحق المقاومين والبسطاء من الشعب في بدايات الاستعمار الفرنسي للجزائر، اثارة الجدل حول حقيقة تاريخ هذا البلد الذي يبقى جزءا كبيرا منه غير معروف لدى عامة الشعب، في وقت يرحل من صنعوا بعض هذا التاريخ إلى العالم الاخر تباعا.


وزير المجاهدين طيب زيتوني
وزير المجاهدين طيب زيتوني
 
عندما انتهى مصطفى الاشرف وهو وزير اسبق في سبعينيات القرن الماضي من تأليف كتاب " الجزائر... الامة والمجتمع"، لم يكن يدري انه بصدد تعريض نفسه لـ" الاذى"، حيث واجهته عاصفة من الانتقادات اللاذعة لأنه راح يذكر اسماء الباشغات من بينهم محمد صغير بن قانة، الذين وقفوا ضد انتفاضة الفلاحين عام 1871، واعلنوا موالاتهم لفرنسا في رسالة كتبوها للحاكم العام.

يذكر الدكتور حميد بوحبيب وهو استاذ في التاريخ لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) ، أن هناك الكثير من المثقفين من لام الاشرف، ورفض النبش في الذكريات الاليمة. كما عاتبوه على التشهير بالخونة في كتاب سيبقى للأجيال، بدعوى ضرورة دفن الاحقاد وطي صفحة الماضي.

الحقيقة التاريخية مغيبة

تقول الإعلامية خديجة كرجاني مؤلفة كتاب "التهمة... مجاهد" لـ(د.ب.أ) " للأسف، لن يطلع أي جيل من الأجيال المتوالية في الجزائر على الحقيقة التاريخية بحذافيرها، ذلك أن المتعارف عليه أن الحقيقة-أيا كانت- فيها دائما جانب قاس لا يتحمل البعض في أحيان كثيرة تسليط الضوء عليه، فما بالك بالحقيقة التاريخية التي -إن كشفت- قد تضرب مصداقية أطراف كثيرة تدعي الوطنية، والدفاع عن مصالح الوطن والشعب منذ الأزل، أو على الأقل تهز صورتها لدى الشعب الذي رغم أنه يحتج -مثلا- على "الامتيازات" الممنوحة للأسرة الثورية، إلا أنه لا يقبل أبدا أن يتولى أمره -في أي مستوى من المستويات-، من أدنى درجة إلى أعلاها خائن للثورة أو ابن خائن".

وتؤكد كرجاني، أن الحقيقة ستنغص على الكثيرين راحتهم التي ينعمون بها منذ الاستقلال طالما أن أفواه صانعي التاريخ "مكممة"، مشيرة إلى ان وزارة المجاهدين تتفاخر بعشرات الشهادات التي سجلتها من أفواه مجاهدين (قدماء المحاربين) في سعيها للحفاظ على تاريخ الثورة، لكن لا يسمح أبدا للمجاهدين بالحديث أثناء التسجيل سوى عن معارك شاركوا فيها وبطولات سجلوها، أما التجاوزات التي تكون قد حصلت من طرف "قادة" لهم هم حاليا في مراكز نفوذ "حرام" حتى مجرد التفكير في سردها، فما بالك تسجيلها وحفظها للتاريخ.

مسؤولية من؟

يجزم سفيان لوصيف استاذ التاريخ لـ(د.ب.أ) ، ان تصور الجزائريين للتاريخ منذ سنوات الاستقلال، هو الذي أوصلهم إلى الحال الذي هم عليه، لافتا إلى تغييب تاريخ من وقف ضد مقاومة الأمير عبد القادر، واحمد باي، وكان سببا رئيسيا في فشل أهم المقاومات الشعبية، وعدم ذكر الكتب الرسمية لأعوان الادارة الفرنسية الاستعمارية والقياد الذين هيمنوا على املاك الجزائريين وتحولوا إلى اقطاعيين.

يعترف الدكتور بوحبيب، أن هناك من يحاول اليوم تبييض صفحة من صفحات الماضي الأسود، وإعادة الاعتبار لمن نكل بالأحرار وصادر أراضيهم وأملاكهم، وراح يلوم الخطاب الرسمي الذي يتعامل مع التاريخ وكأن الشعب الجزائري كله كان ابطالا ملحميين. ويستطرد بالقول " في الجزائر يمكن لأي احد الطعن في ماضي قادة الثورة التحريرية ويتهمهم بالخيانة العظمى دون أن تتدخل المؤسسة لمقاضاته، يمكن لأي أحد أن يخوض في ملفات تاريخية شائكة ويشوه سمعة الثورة أو المقاومات الشعبية دون أن يقدم دليلا واحدا".

وتذهب الاعلامية كرجاني، إلى التركيز على أن كثيرا من المجاهدين أعضاء جيش التحرير الوطني بقوا في الجيش وواكبوا تحوله إلى الجيش الوطني الشعبي غداة الاستقلال، بصدورهم شهادات كثيرة وحقائق مثيرة، لكن الهيئة التشريعية "سنّت" العام الماضي قانونا يمنع كل عسكري من أدنى رتبة إلى أعلاها من الحديث تحت طائلة المتابعة القضائية . ولفتت ان المجاهدين صانعوا تاريخ الثورة التحريرية المجيدة أصغرهم جاوز السبعين من العمر، ويتوالى انتقالهم إلى الرفيق الأعلى حاملين معهم شهاداتهم والحقيقة التي لا زالت -بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال- تزعج، وستظل تزعج إلى الأبد لذا لن يعرفها أحد.

والظاهر ان تاريخ الجزائر في زمن فرنسا الاستعمارية بالنسبة لمسؤولين في الحكومة لا ينحصر إلا في فترة ثورة التحرير(1954-1962)، وهو ما يفهم من كلام وزير المجاهدين، الطيب زيتوني، الذي دعا إلى ضرورة إبداء المزيد من الاهتمام بتاريخ الثورة التحريرية وكتابته بالاعتماد على شهادات حية للمجاهدين الذين مازالوا على قيد الحياة لنقله بموضوعية وأمانة للأجيال لكي تستلهم منه أسمى دروس التضحية من أجل الوطن.

وقال إن تدريس ونقل تاريخ الثورة التحريرية للأجيال بأمانة وموضوعية من شأنه أن يمنحها القدرة على التصدي للصعاب ورفع كل التحديات. لكن الوزير زيتوني، أغفل التنويه عن الفترات الاخرى التي سبقت ثورة التحرير، رغم أنها مثلت للكثير من الجزائريين ماسي وذكريات مؤلمة جدا، متى لو استحضرت بعد نحو 200 عام.

حرب ذاكرة وجهل للتاريخ

يعترف استاذ التاريخ الدكتور بشير فايد، أن تاريخ الجزائر اصبح ضحية للجهل به والاخطاء الفادحة التي تميزه مما يدل على إهمال واضح وقلة مهنية، لأنه جرى التركيز بانتقائية على بعض الفترات التاريخية دون غيرها، وتم ابراز بعض البطولات والابطال، في حين تم تجاهل الزعماء والقوى المحلية المعادية التي خانت القضية الوطنية وباعت ضمائرها للشيطان المحتل وكانت السبب في إطالة عمر الاحتلال. ويرى الدكتور فايد أن هذا الواقع انتج أجيالا تجهل تاريخها وإن علمت ببعضه، متسائلا عن عدد المثقفين الذين يعرفون ولو القليل عن أبطال الخيانة والعمالة في جزائر الاحتلال، مشددا على أن خيانة الوطن لم تبدأ عام 1830 وهو تاريخ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر.

واذا كان الأمين العام للمنظمة الجزائرية للمجاهدين، سعيد عبادو، أكد على التزام الأسرة الثورية بالدفاع عن الذاكرة والإرث الثمين الذي تركه شهداء ثورة نوفمبر 1954، منوها أن ذاكرة الشهداء هي إرث ثمين يتوجب على الأمة المحافظة عليه وحمايته، فان استاذ التاريخ رابح لونيس، يرى أنه آن الأوان للحديث عن التاريخ الاسود للمتعاونين مع الاستعمار كتاريخ مجهول، وأن الجزائريين الذين دخلوا منذ مدة في حرب ذاكرة فيما بينهم من الافضل لهم اليوم معرفة من خان بلاده وتعامل مع الاستعمار. كما اعتبر ان الحديث عن هؤلاء (الخونة) سيصحح النقاش التاريخي بين الجزائريين، بدل تخوين أبطال ومجاهدين ربما اخطأوا في تقديراتهم أو اختلفوا مع الذين خونوهم رغم أن اختلافهم لم يكن حول الجزائر وتحريرها وإنما حول طريقة تحقيق ذلك.

تاريخ جديد

يعتقد الكاتب محمد بالحي الضالع بتاريخ المقاومات الشعبية في الجزائر، أن أفضل رد على تزييف وتحريف التاريخ الذي بدا ينتشر كالنار في الهشيم، يكمن في استحضار من خلال الكتب والافلام مساحات شاسعة من الذاكرة الجماعية للجزائريين. لافتا أنه من حق الجزائريين أن يغضبوا وأن يقطعوا الطريق بذكاء على هذا " اللوبي الاستعماري الجديد" الذي يتكون مما ما يسمى بـ "العقول الحرة" التي تدعي أن الحديث عن الماضي والاستعمار هو امر مبتذل وشيء قديم.

بينما تأسف حسين زهوان محامي ومجاهد ذاق عذاب السجون الفرنسية وأحد مؤسسي الرابطة الجزائرية لحقوق الانسان، لعدم تدريس الجزائريين، تاريخ من كانوا فى الصف الأول لعملاء فرنسا. كما قال انه من المشين ان ورثة واحفاد العملاء والخونة يأتون اليوم مدعومين " بقوة في اليد" لتحسين صورة ابائهم داعيا اياهم الى التزام الصمت.

في حين لم يتأخر الاستاذ لحسن زغيدي مؤلف كتاب " نشأة جيش التحرير الوطني"، في دعوة السلطات العليا، إلى التحرك لوقف الاعتداء على الذاكرة الوطنية، وطالب بالتحري مع الجهة التي سمحت لحفيدة بن قانة بالتعرف على أدوات الدولة وزرع أفكارها المزيفة للتاريخ عبر التلفزيون الحكومي، موضحا أن التصالح مع التاريخ وتجاوز الاختلافات لا يعني أبدا المساس بالمقدسات الوطنية والثوابت التي تعتبر خطا أحمر. كما اعتبر أن السكوت عن تخوين الأمير عبد القادر سيمر تدريجيا نحو المساس بمقدسات أخرى، في اشارة إلى شهداء الثورة التحريرية.

لكن عتيقة بوطالب حفيدة الامير عبد القادر، راحت تتهم بعض ممن لهم ماض اسود يتواجدون بمراكز القرار العليا في البلد، وبعض من رجال الأعمال الذين يسيطرون اليوم على المشهد السياسي والثقافي في الجزائر، بالمساهمة في اختراع تاريخ جديد، هدفه الاسمى تخوين الابطال والتلاعب بالذاكرة الوطنية وتشريف وتمجيد من خان وطنه واختار الاصطفاف مع عدوه.

د ب ا
الاربعاء 15 مارس 2017