نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة

تأملات في الثورة الفاشلة

16/03/2024 - ماهر مسعود


«تحرير» الرقة: لقاء السبهان الوهابي مع أوجلان اللينيني!






لكي لا يكون مشهد «تحرير» مدينة الرقة، من توحش «داعش» وإرهاب «الخلافة» الزائفة، خالياً من عناصر التشويش والتشويق، ثمّ السوريالية أيضاً؛ سارع ثامر السبهان، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، إلى زيارة الرقة، فلم يجتمع مع الضباط الأمريكيين المشاركين في قيادة وتوجيه ومساندة «قوات سوريا الديمقراطية»، «قسد»، فقط (فلا شيء في اجتماع كهذا يحيل إلى السوريالية، بالطبع)؛ بل اجتمع، حسب تقارير صحافية متقاطعة، مع ضباط كرد، يدينون بالولاء العقائدي إلى الماركسي ـ اللينيني عبد الله أوجلان!


  جاء الرجل ليتسلّم مواطنيه السعوديين الذين كانوا يقاتلون في صفوف «داعش»، يقول دفاع أوّل عن مجيء السبهان إلى الرقة، في استغفال فاضح للعقول؛ أو، يسير دفاع آخر هكذا، أكثر ميلاً إلى زعم العقلانية: الوزير يستكمل، هنا في الرقة مع ضباط الـPKK، ما اتفق عليه مليكه، هناك في موسكو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكأنّ الكرملين صار معقّب معاملات الخيارات الأمريكية في سوريا! وليس بعيداً عن السوريالية، أيضاً، مسارعة «قسد» إلى رفع صور أوجلان، وبعضها يذكّر فعلاً ــ من حيث الحجم والطابع الطوطمي، على الأقلّ ــ بصور حافظ وبشار الأسد، ثمّ أبي بكر البغدادي بعدهما، في الأمكنة والساحات ذاتها تقريباً. وكأنّ قيادات الكرد تناست حقيقة مريرة ساطعة، هي سقوط كركوك بيد الجنرال الإيراني قاسم سليماني وقوّات «الحشد الشعبي»، في غمرة صمت أمريكي مطبق؛ وحقيقة أخرى مفادها أنّ «قسد» قد لا تكون أكثر من أداة عسكرية محلية، ترميها أمريكا بعد استخدام أوّل، ليس له استخدام ثانٍ. وكان منتظَراً من «قسد»، لو أنّ قياداتها حكّمت المنطق الوطني السوري، الكردي والعربي معاً، وليس إملاءات جبل قنديل؛ أن تشدد على البُعد المختلط لوحداتها العسكرية (مجلس منبج العسكري، المجلس العسكري السرياني، شمس الشمال، جيش الثوار، جبهة الأكراد…)، بين عرب وكرد، مسلمين ومسيحيين، معارضين إجمالاً لنظام آل الأسد، من منطلق طموح مشترك إلى سوريا ديمقراطية مدنية يتعايش مواطنوها ضمن مساواة مطلقة في الحقوق والواجبات.
في عبارة أخرى، كان يمكن للأيقونات الأوجلانية أن تنتظر، وأن تؤجل قليلاً، حتى يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وحتى يكتسب «التحرير» مضامينه الإنسانية والسياسية والأمنية الأعرض. كأنْ نعرف، مثلاً، مصائر عشرات الناشطين الرقاويين؛ الذين احتجزتهم «داعش» لأنهم كانوا نقائض فكرها الجاهلي الإرهابي التوحشي؛ أو تتكشف صورة المحاصصات السياسية في طور ما بعد «التحرير»، بين القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تتنازع أو تتوافق يومياً على الأرض السورية؛ أو تظهر إلى العلن ــ أخيراً، بعد لأيٍ! ــ أسرار الأوامر التي كانت تصدر من الرقة لتنفيذ عمليات إرهابية في باريس وبروكسيل ولندن، وتنكشف هوية الآمرين بها. وليست الأهلّة، التي حصرت مفردة التحرير في السطور السالفة، إلا وجهة طباعية لمساءلة طراز في إعلان هزيمة «داعش»، دون إلحاق الفعل العسكري المحض بمآلات ملموسة تثبت اندحار التنظيم، وذلك بمنأى عن الأنساق السرية المرذولة من المحاصصات والتسويات والصفقات. على رأس هذه السلّة ثمة، بالطبع، ذوبان عناصر «الخلافة» في الهواء الطلق، كأنّ الأرض انشقت وابتلعتهم؛ أو التأتأة حول ترحيلهم إلى جهات أخرى، قتالية بالضرورة؛ أو الغمغمة حول وجود أمثال السبهان، واحتشاد المدينة بضباط أمن أجانب آتين من أربع رياح الأرض…
وليس للأهلّة التي حصرت مفردة التحرير أن تطمس، بأيّ حال، ابتهاج هذه السطور بانعتاق مدينة الرقة من الأسر الداعشي، أسوة بأية بقعة خضعت لاحتلال «خلافة» البغدادي، في أية جهة على هذه البسيطة. هذا أمر، يُفترض أنه مفروغ منه (إلا عند الحمقى، أصالة أو عن سابق قصد)؛ وإخضاع مفهوم التحرير لمحكّ موضوعي، مستمدّ مما جرى ويجري على الأرض، أمر آخر مختلف وجدير بالمناقشة. هنالك، في جانب أوّل، الثمن الإنساني الباهظ التي دفعه المدنيون الرقاويون جرّاء عمليات القصف، الوحشية والعشوائية، التي اعتمدها طيران التحالف الدولي، وأمريكا بصفة خاصة؛ بذريعة تدمير «البنى التحتية» لتنظيم «داعش»؛ وتلك حرب شهدت تدمير واحد من أنفاق التنظيم، مقابل عشرات البيوت ومئات القتلى والجرحى من المدنيين الأبرياء. وثمة، كذلك، روحية الاجتياح الأعمى، التي تحلّت بها بعض وحدات «قسد» في عمليات القتال الميدانية، حيث كان يكفي تمترس مقاتل داعشي واحد في هذا المكمن أو ذاك، لكي يُدمّر الشارع عن بكرة أبيه، نسائه وأطفاله وشيوخه.
وهذه الحقيقة، المأساوية الدامية، زادت في تظهيرها حقيقة أخرى دامغة، أفادت بأنّ مقاتلي «داعش» أظهروا من المعنويات الهابطة، ورغبة القتال والمقاومة؛ ما يتناسب تماماً مع جبن، وخسّة ونذالة، ممارساتهم الإرهابية، وجرائم القتل وهتك الأعراض والترويع والسلب والنهب، حين تكون أيديهم مطلقة آمنة. والمرء هنا يتذكر جعجعة أبو محمد العدناني الشامي، حين كان ناطقاً إعلامياً باسم «داعش»، حين كان يعتزم رفع المعنويات: «لا يطمعنّ مسلم أن تقام دولة الإسلام إلا على الجماجم والأشلاء»؛ أو: «إعلموا أنّ لنا جيوشاً في العراق وجيشاً في الشام من الأُسود الجياع، شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاء، ولم يجدوا فيما شربوا أشهى من دماء الصحوات»؛ أو: «دعونا نبتدرْ ورد الحِمامِ/ ليطفئ برده حرّ الأوامِ/ لقيناهم بآسادٍ جياعٍ/ ترى لحم العدا أشهى طعامِ»…. ولقد تبيّن أنّ أسود العدناني الجياع شربت الدماء، بالفعل، فقتلت الأسرى حين اضطرت إلى الانسحاب، في مناطق حلب وإدلب والرقة ودير الزور؛ ولم تفرّق بين أسير طاعن في السنّ، أو يافع لم يخطّ شاربه بعد، واستأسدت استئساداً مضاعفاً على الأطباء والإعلاميين، بل فعلت ذلك على نحو أغلظ وأعنف بصدد المنتمين إلى تيارات إسلامية جهادية كانت إلى حين «شقيقة في الدين»!
حقائق مثل هذه لا تطمس، بدورها، حقيقة ساطعة، ومضيئة مشرّفة، تخصّ دور المرأة المقاتلة في دحر «داعش»؛ سواء انتمت، أصلاً، إلى التيارات التاريخية للـPKK، أو وفدت إلى جبهة الرقة من مواطن كردستانية أخرى في تركيا والعراق وإيران، أو انساقت طواعية إلى أنموذج نسوي تحرري جديد كانت مناخات القتال في الرقة قد رسخته وحرّكته ونشّطته. وبصرف النظر عن الطابع الدعاوي الديماغوجي الذي تعمدت بعض الأوساط إلصاقه بشخصية المرأة الكردية المقاتلة في صفوف «قسد»، وفي جبهات منبج وكوباني قبلئذ؛ فإنّ المهامّ الصعبة التي مارستها وحدات نسائية مقاتلة، في إنقاذ المدنيين على نحو خاصّ، تصحح ذلك الطابع المفتعَل، وتستبدله بواقع مادي على الأرض، اقترن بوظائف قتالية وإسعافية وإغاثية بالغة الحيوية والقيمة.
وإذْ تتكدس المصالح على أرض مدينة الرقة، ثمّ تتقاطع استطراداً، بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والقوى الكردية المختلفة (ويغيب النظام السوري تماماً، إلى حين لاحق على الأقلّ)؛ فإنّ المراقب الحصيف، الذي يثمّن جيداً هذه الهزيمة الداعشية هنا، لا يملك إلا التفكير في كابوس 2007، وتجربة هزيمة «الدولة الإسلامية في العراق». آنذاك، تردد أنّ التنظيم دُحر نهائياً، ولن تقوم له قائمة، لكي يتضح بعد سنوات قليلة لاحقة أنّ تلك «الدولة» لم تُعدْ إنتاج ذاتها، فقط؛ بل قسّمت نفسها في جسوم جديدة، فصارت «دولة الإسلام في العراق والشام»، وبات لها خليفة، وخلافته تتجاوز بلاد العرب إلى هند وسند وفليبين ونيجيريا!
وليس بغير اتكاء، عقلاني ما أمكن، على سيناريوهات كوابيس مماثلة، أنّ المرء يستعين ببعض السوريالية لقراءة اجتماع السبهان الوهابي، مع أوجلان اللينيني، على أرض الرقة «المحررة»!
---------------
القدس العربي

صبحي حديدي
الجمعة 20 أكتوبر 2017