نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


تزايد أعداد المتسولين في اليمن في ظل غياب مركز إيواء خاص بهم




صنعاء - ما أن تضيء إشارة المرور الحمراء في إحدى التقاطعات في شوارع المحافظات اليمنية معلنة توقف سائقي المركبات، إلا ويتسابق المتسولون صغاراً وكباراً، نساء ورجالاً إلى سائقي تلك المركبات لاستجداء عطفهم والحصول على بعض النقود.


بجسمها الصغير والنحيل، تحاول الطفلة زينب علي، البالغة من العمر 6 سنوات، الوصول إلى إحدى نوافذ السيارات الواقفة في إحدى تقاطعات شارع حدة في العاصمة اليمنية صنعاء.

مستندة على أطراف أصابعها الصغيرة، تمد علي يدها إلى السائق قائلة "أعطيني عشرة ريال اشتري خبز". تنتقل علي من سيارة إلى أخرى طلباً للمال، وهي تحاول أن تصل إلى السائقين قبل غيرها من المتسولين من الأطفال والرجال والنساء وقبل أن تتحول إشارة المرور إلى اللون الأخضر.

انتشرت ظاهرة التسول مؤخراً في اليمن بشكل كبير وازداد عدد المتسولين، لاسيما بعد قدوم عدد من اللاجئين السوريين إلى اليمن خلال الأعوام الثلاثة الماضية هرباً من رحى الحرب الدائرة في بلدهم، حيث وصلت أعدادهم إلى أكثر من عشرة آلاف لاجئ حسبما أفادت منظمة الإغاثة السورية في اليمن.

تقول علي لوكالة الأنباء الالمانية (د.ب.أ) إن ظروفها المادية الصعبة جعلتها تتسول في الشارع هي وأخوتها الأربعة لتجمع ما يسد حاجتها هي وأسرتها. وتضيف بلهجتها البسيطة "مات أبي وأمي مريضة، ولا يوجد أحد يعطينا فلوس".

يختلف المبلغ الذي تجمعه علي من يوم إلى أخر حسب عدد الأشخاص الذين يعطونها المال خلال فترة تواجدها في إشارة المرور يومياً من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثامنة مساءً.

وينقسم المتسولون في اليمن إلى قسمين: القسم الأول يضم أشخاصا أجبرتهم الظروف الاقتصادية الصعبة على مد يدهم للغير والقسم الأخر اتخذوا التسول مهنة سهلة لكسب النقود.

وقد لجأ الكثير من الرجال والنساء إلى التسول من اجل كسب المال بسهولة مستخدمين مختلف الحيل، بما في ذلك الأطفال المعاقين والمصابين بأمراض مختلفة مثل الإختلالات العقلية، فيما يدعي البعض المرض لتحريك مشاعر الرحمة في الآخرين والحصول على المال.

فبعد آن كان التسول حكراً على اليمنيين وبعض اللاجئين الأفارقة، أصبح التسول منافسة بين اليمنيين والسوريين. وتقول غانيه عبد الغني، إحدى المتسولات اليمنيات من طبقة المهمشين (الطبقة ذات البشرة السوداء) إن الناس يتعاطفون أكثر مع السوريين باعتبار أن الحرب شردتهم من بلدهم وهذا يجعلهم يجودون عليهم بالمال.

وعادة ما تتنازع عبد الغني وصديقاتها مع سوريات حاولن أخذ المناطق التي يتسولن فيها بشكل مستمر. "تنازعت أنا ومتسولات سوريات عدة مرات بسبب محاولتهن التسول في المناطق التي اتسول فيها دائماً مع صديقاتي،" تضيف عبد الغني.

غياب الدور الحكومي

وبالرغم من توسع دائرة التسول وتوافد أشخاص من جنسيات أخرى للتسول في اليمن، لم تبد الحكومة اليمنية أي تحرك للحد من هذه الظاهرة والحيلولة دون انتشارها بشكل أكبر. حيث ما تزال اليمن تفتقر إلى وجود مركز خاص بإيواء المتسولين ومعالجة ظاهرة التسول، بعد أن تم تحويل مركز مكافحة التسول الواقع بالحتارش بصنعاء إلى مركز للمصابين بالأمراض النفسية في2012.

تم إنشاء مركز مكافحة التسول في 1999 لوضع حد لهذه الظاهرة وجمع المتسولين من كافة إرجاء أمانة العاصمة صنعاء لتأهيلهم ورعايتهم.

يتوقع الزائر إلى مركز مكافحة التسول أن يجد العديد من المتسولين الذين تم تأهيلهم وتحويلهم من أشخاص عالة على المجتمع إلى أفراد منتجين، لاسيما عند رؤية اسم المركز المكتوب بالخط الأبيض العريض على السور الخارجي للمركز. إلا أن الواقع مخالف تماماً لهذا الشيء حيث يجد الزائر مجموعة من الذكور الذين يعانون من أمراض نفسية، يقبعون هناك دون رعاية صحية، وكل ما يقدم لهم هو المأكل، والمشرب، والسكن.

ويقول تركي محمد، مدير مشروع مكافحة التسول لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن إنشاء هذا المشروع جاء بقرار من أمين العاصمة سابقاً أنور الكحلاني منذ 1999 واستمر في استقبال المتسولين حتى 2012.

ويوضح محمد أن دور مركز مكافحة التسول في تلك الفترة كان مقتصراً فقط على جمع المتسولين وتصنيفهم ومن ثم تحويلهم إلى صندوق الرعاية الاجتماعية ليتم تسجيلهم في كشوف الرعاية الاجتماعية من اجل الحصول على مبالغ شهريه ولم تكن هناك حلول جذرية لمعالجة ظاهرة التسول.

"منذ عامين تحول مركز مكافحة التسول في أمانة العاصمة صنعاء إلى دار خاص بإيواء المختلين عقلياً والمصابين بحالات نفسية مما جعل أمين العاصمة الحالي عبد القادر هلال يأمر بإغلاقه إلى حين وضع خطة شاملة يتم عبرها تطوير مشروع مكافحة التسول" يضيف محمد.

وتحول مركز التسول إلى مركز إيواء المصابين بالأمراض النفسية، كونه لم يقدم حلولا ومعالجات لظاهرة التسول التي توسعت بالفترة الأخيرة بشكل واضح.

وإلى حين وضع خطة شاملة، صدر قرار من أمين العاصمة بجمع الذكور المصابين بحالات نفسية من شوارع العاصمة صنعاء، وإيوائهم هناك إلى أن يتم التعرف على أقاربهم ليقوموا باستلامهم، وفقاً لمحمد.

ويقول محمد "يضم المركز حالياً قرابة 80 شخصا يعانون من أمراض نفسية فيما تبلغ ميزانيته التشغيلية في الوقت الراهن 400 ألف ريال يمني (حوالي 1850 دولار) فقط، وهي ميزانية لا تكفي لتوفير احتياجات المركز".

هناك الكثير من الاحتياجات غير المتوفرة في المركز، فعلى سبيل المثال لا يوجد سوى حارس واحد بداخله ، ولا يوجد مشرفين على المرضى.

يسكن المرضى الذين تم جمعهم من مختلف حارات وشوارع العاصمة بداخل ثلاث غرف صغيرة في المركز كانت مخصصة في السابق لاستقبال الأطفال المستولين، وينامون على أسرة متهالكة، وبطانيات وفرش متآكلة.

ويشتكي إبراهيم الهبل، رئيس قسم المشتريات في المركز، من وضع المركز الذي أكد بأنه "أكثر من سيء"، مبيناً لـ (د.ب.أ) أن ذلك المركز قائم دون وجود أي رعاية طبية للمرضى الموجودين بداخله.

"قد يحصل في أي وقت أن يهاجم احدهم الآخر فهم مرضى نفسيون وقد يبدر منهم أي شيء ولا يوجد لدينا حتى عيادة خاصة بهم".

ويقول الهبل إنه في إحدى الأيام هجم أحد أولئك المرضى على مريض أخر وعضه في أذنه ما تسبب ببتر جزء منها، الأمر الذي اضطرهم إلى إسعافه إلى عيادة خارجية لم يدفعوا لها قيمة العلاج إلى أن يتم صرف الميزانية الخاصة بهم حسب قوله.

ويوضح مدير مشروع مكافحة التسول أنهم يقومون في الوقت الحالي بهيكلة جديدة للمركز، حيث سيتم ترميم الجزء الآخر منه والمكون من قسم خاص للنساء وآخر للرجال كان بداخله أولئك المرضى منذ سنتين، ويعتبر الترميم حسب قوله جزء من الهيكلة الجديدة التي ستعيد عمل مكافحة التسول لمجراه الطبيعي.

"و حتى الوقت الحالي تم بناء هنجر كبير وعدتنا أمانة العاصمة أنه سيتم توفير الأجهزة بداخله مثل مكائن الخياطة وبعض الحرف اليدوية للنساء، إلى جانب توفير ورشة للنجارة والألمنيوم للرجال". يقول محمد موضحاً أنها ستكون خاصة بالمتسولين الذين سيتم استقبالهم ليتم تأهيلهم ورعايتهم.

وبعد أن يتم توفير كل ذلك سيتم تغيير اسم الدار من مكافحة التسول إلى مركز الرعاية الاجتماعية حسب قوله، موضحاً أن الظروف الاقتصادية والأوضاع العصيبة التي تمر بها اليمن من اضطرابات أمنية وغيرها لم تساعدهم على إنجاز ذلك بشكل سريع.

نريد البدء من جديد كون العاصمة تعاني من التسول بشكل كبير يقول محمد، خاصة وأن هناك متسولين أجانب دخلوا البلد من بعد الأزمة السورية.

من جهة أخرى أوضح عبد الرحمن المجلي ( أحد المواطنين) لوكالة الأنباء الالمانية، إن اليمنيين أصبحوا أكثر وعياً حيال المتسولين سواء السوريين أو اليمنيين، حيث كشفت العديد من المواقف ألاعيب المتسولين في ادعاء المرض والفقر في الوقت الذي لا يعانون فيه من شيء.

تأثير رفع الدعم عن المشقات النفطية ويتوقع خبراء اقتصاديون ارتفاع عدد المتسولين بعد قرار الحكومة اليمنية رفع الدعم عن المشتقات النفطية نهاية شهر تموز /يوليو الماضي.

الخبير الاقتصادي أحمد سعيد شماخ ذكر إن رفع الدعم عن المشتقات النفطية سيؤثر مستقبلاً بشكل كبير في رفع معدل البطالة، التي بدورها ستزيد من نسبة المتسولين في اليمن.

ويقول شماخ ان "رفع أسعار المشتقات النفطية بما يعادل الضعف، اهلك كاهل الكثير من اليمنيين كالمواطنين، والمزارعين، والصيادين والسائقين، إضافة إلى استغلال عدد من التجار ذلك من خلال رفع أسعار المنتجات الغذائية وغيرها".

وأكد شماخ لـ (د.ب.أ) أنه في حال أرادت الحكومة الحد من نسبة التسول في اليمن، يجب عليها حل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها اليمن واليمنيون في الوقت الراهن.

وبحسب دراسات تناولت موضوع التسول فإنه مما يسهم في استمرار وتزايد عدد المتسولين هو عدم وجود تصور علمي لكيفية مكافحة التسول وأيضا القصور في إيجاد الضمانات لعدم عودة الفرد المتسول إلي التسول في الشوارع، بالإضافة إلى شح الإمكانيات المادية والمالية لدى الجهات الحكومية المختصة في وزارة الشؤون الاجتماعية.

ولا توجد جهة حكومية تبنت دراسة حقيقية للظاهرة يتم على ضوئها معرفة المعالجات والحلول لتنفيذها على الواقع للحد من التسول.

وتنص المادة 203 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، في الباب السابع على "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر من اعتاد ممارسة التسول، في أي مكان إذا كان لديه أو في إمكانه الحصول على وسائل مشروعة للتعيش، وتكون العقوبة الحبس تزيد على سنة إذا رافق الفعل التهديد" ولكن هذه العقوبة لا تطبق.

وينتشر المتسولون في شوارع اليمن، لاسيما في المدن والمناطق الرئيسية التي تزخر بالمارة والمركبات، حيث أصبحت ظاهرة التسول منتشرة حتى في الأسواق والمساجد وقاعات الأفراح والأماكن السياحية.

د ب ا
السبت 25 أكتوبر 2014