ورغم أن القرار لم يكن من الصعب التنبؤ به، إلا أنه يمثل معلماً رئيسياً في تاريخ الدولة. كما أنه يحمل آثاراً بعيدة المدى على الشرق الأوسط المضطرب وباقي العالم.

وقد قاد الأمير محمد بن سلمان - الذي سيحتفظ بمنصبه وزيراً للدفاع ويصبح أيضاً نائب رئيس الوزراء الجديد - برنامجاً طموحاً وجريئاً للإصلاحات
ويسعى إلى تغيير دولته، داخلياً وخارجياً على حد سواء، ليستبدل تقليداً قديماً من التغيير الاجتماعي والاقتصادي البطيء والدبلوماسية الهادئة، بمجموعة من خطط الإصلاح والسياسة الخارجية الحازمة، التي أثارت مشاعر متضاربة في الداخل والخارج.
والآن بعد أن أصبح محمد بن سلمان رسمياً الرجل الذي سيصبح الملك القادم، ستكتسب خططه نشاطاً أكبر، كما أن تحركاته خارج حدود المملكة العربية السعودية، وخاصة فيما يتعلق بعدو السعودية التقليدي، إيران، من المرجح أن تزداد حزماً أيضاً.
إذا كانت هناك دولة في حاجة إلى التحديث، فهي المملكة العربية السعودية. إن الأمير ملتزم التزاماً عميقاً بتحقيق إصلاحات كبرى تؤتي ثمارها. فهو يجسد الديناميكية وجرأة الشباب والرؤى المستقبلية. لكن التغييرات بعيدة المدى التي يجلبها للمملكة المحافظة والمنطقة تحمل مخاطر دون ضمانات للنجاح.
وفي منطقة تسودها حالة من عدم الاستقرار، تضيف تلك التغييرات المحتملة عناصر أخرى من عدم اليقين.
ودفع الملك سلمان، البالغ من العمر 81 عاماً، نجله محمد بن سلمان إلى مناصب ذات سلطات كبيرة. إذ عيّنه وزيراً للدفاع عندما كان يبلغ من العمر 29 عاماً فقط، وجعله ولي ولي العهد، ووضعه مسؤولاً عن مجلس اقتصادي جديد مكلف بالمهمة الشاقة لإنقاذ الاقتصاد السعودي وسط انهيار أسعار النفط، المصدر الرئيسي للثروة في المملكة.
تولى محمد بن سلمان مهامه بحماس. واتخذ تدابير تقشفية لمعالجة النزيف المالي، وعندما استولى الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة اليمنية، قاد محمد بن سلمان العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، والتي أصبحت واحدة من العديد من الصراعات بالوكالة بين الرياض وطهران.
ثم كشف الأمير عن برنامج طموح للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي بعنوان "رؤية 2030" وتعهد بتنويع الاقتصاد عبر طرح جزء من شركة النفط المملوكة للدولة "أرامكو" للاكتتاب العام وتشجيع الشركات الجديدة للحد من الاعتماد على صادرات النفط. وتدعو الخطة أيضاً إلى تعزيز وجود المرأة في القوى العاملة وتخفيف القواعد الاجتماعية السعودية المتشددة. وقال عند الإعلان عن الرؤية: "رؤيتنا هي دولة متسامحة، الإسلام دستورها، والاعتدال منهجها."
حتى الآن، السعوديون الذين يعترضون على التحول عن قواعد الخلافة التقليدية وتغييرات محمد بن سلمان الاجتماعية والاقتصادية، لم يُفصحوا عن مخاوفهم بأصوات عالية. وقد رافق الإعلان الأخير أنباء مبايعة علماء الدين والأمراء لولي العهد الجديد، كما وأظهر التلفزيون الرسمي مقطع مبايعة ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف، لخليفته الحالي محمد بن سلمان.
عموما يجب على ولي العهد الجديد أن يراقب عن كثب منتقديه. التغيرات الاجتماعية تحدث بالفعل، وشباب الدولة، على وجه الخصوص، متحمس للمزيد من الاحتمالات. وتعترف رؤية 2030 بالاستياء الموجود حيال صرامة القواعد التي تمنع الوصول إلى أغلب أشكال الترفيه. إذ يُفيد نص الرؤية: "ندرك أن الفرص الثقافية والترفيهية المتوافرة حالياً لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين."
وقد دخلت بالفعل تغييرات كثيرة حيز التنفيذ، بعضها يتعلق بوضع المرأة. ولا تزال المرأة السعودية تواجه قيوداً أكثر من النساء في أي مكان على الأرض. والعقبة
 الرئيسية هي نظام الوصاية الذي يطلب منها الحصول على إذن ولي أمرها للأنشطة التي يمكن لأي شخص بالغ القيام بها في معظم البلدان. وقد خُففت هذه القيود مؤخراً، ولكن النظام لا يزال قائماً.
ولا تزال النساء السعوديات محرومات من القيادة. وقال محمد بن سلمان العام الماضي: "نعتقد أن للمرأة حقوقاً في الإسلام لم تحصل عليها بعد،" لكنه قال إنه "غير مقتنع" بأن الوقت مناسب لرفع القيود على قيادة المرأة بسبب المقاومة الاجتماعية.
وإذا كان يتحرك بحذر بشأن تحرير المرأة، فلا يبدو أنه يخشى المخاطر فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. إذ تستمر الحرب في اليمن دون نهاية محتملة في الأفق، رغم الانتقادات الشديدة من جماعات حقوق الإنسان.
وهناك دلائل على أن العلاقات مع إيران ستزداد سوءاً. إذ في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي، قال إن الحوار مع إيران لن يكون له معنى، موضحاً أن النظام الشيعي في إيران يسعى للسيطرة على العالم الإسلامي، ويرى السعودية "هدفاً رئيسياً" له. وأضاف: "لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة عندهم في إيران وليس في السعودية."
وهو يقود حالياً، مع حليفة السعودية الوثيقة الإمارات العربية المتحدة، هجوماً دبلوماسياً على قطر المجاورة - التي لها علاقات مع الرياض وطهران ومع الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين. ويبدو أن الأمير محمد بن سلمان يحاول تجاوز الاستراتيجية الدفاعية السعودية التقليدية المتمثلة في الاعتماد على الولايات المتحدة للحماية، انتهاج سياسة عسكرية ودبلوماسية قوية.
ومع ذلك، فهو يرى أن إدارة الولايات المتحدة ودونالد ترامب هما الحليف الأكثر أهمية. وزار محمد بن سلمان الرئيس الأميركي في واشنطن في مارس/ آذار الماضي، واضعاً حجر أساس اختيار ترامب للمملكة العربية السعودية لتكون أولى محطات جولته الخارجية الأولى. ورغم بعض الارتباك حول سياسة ترامب الخارجية، فإن العلاقات بين واشنطن والرياض تبدو قوية.
حصل الأمير محمد بن سلمان على انتصار شخصي كبير عبر الاقتراب خطوة إضافية من العرش. لكنه يواجه تحديات هائلة. ولا تزال أسعار النفط منخفضة، مما يضغط على الاقتصاد السعودي. وإذا نجحت خططه المتعددة الجوانب، سيصبح شخصية تاريخية وتحويلية. وإذا فشلت، فإن العواقب يمكن أن تهز الشرق الأوسط وباقي العالم.
------------
مقال رأي لفريدا غيتس، كاتبة في الشؤون العالمية  "ذا ميامي هيرالد ووورلد بوليتيكز "وصحفية سابقة  الآراء الواردة في المقال"تعبر عن رأي كاتبتها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة سي ان ان