نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


دولة الآلهة ودولة الشعب




لا يمكن لثورة أن تُختصر ببندقية أو بنصر سياسي أو عسكري ، فلابد من تأصيل فكري وفلسفي لمنهجها ونظامها الجديد القادر على تجاوز الماضي الذي ثارت عليه ، فالعمل الفكري هو جزء لا يتجزأ من الفعل الثوري ، قد يسبقه في الثورات النموذجية ، وقد يرافقه أو يتبعه في الثورات التي تندلع عفويا بفعل ضغوط لم تسمح بنضج وعيها وتحليل أسبابها وعوامل تكونها وطرق علاجها وتجاوزها ، أي لم تنتج فكرا ثوريا يسبقها وينظمها كفعل. فإذا أهمل الجهد الفكري والنظري الذي تسير عليه الثورة ، سرعان ما أعيد انتاج الظروف القديمة التي دفعت للثورة ، بسبب استمرار الثقافة السابقة ، وإن كانت بشخوص ومسميات جديدة ، فتنتصر الثورة عسكريا وسياسيا لكنها تسقط فعليا وجوهريا ، وتعجز عن أداء دورها التاريخي في نقل المجتمع لسوية حضارية جديدة . أما في حال توفر الفكر الثوري فلا يضيرها هزيمة عسكرية أو سياسية لأنها ستجدد محاولاتها وتستمر بطرق مختلفة حتي تنجح


  .

وفي هذا السياق وبسبب ضحالة الجهد الفكري في الثورة السورية نرى هذه الثورة تتعثر وتتخبط  منذ خمس سنوات ، ونلاحظ أيضا أن السوريين يعيشون الحدث التركي فكريا ونظريا وكأنه جزء لا يتجزأ من الحدث السوري الذي يتخذ طابعا عسكريا ، وكذلك دول عربية واسلامية أخرى دخلت شعوبها في حيرة مفهومية بين الشعارات المختلفة .

فما يحدث في تركيا لا يخرج عن السياق الفكري والمفهومي للثورات في المنطقة ،  وهو أيضا يوحي بقرب ولادة حالة اسلامية جديدة ، تتبلور هذه الولادة بطريقتين مختلفتين  لابد من تأصيلهما فكريا وفلسفيا :  واحدة تعتمد السلفية الجهادية التي تستمد مفاهيمها من الفكر الخارجي الذي يرفض الديمقراطية والدولة المدنية ، نموذجها الدول العربية ، وواحدة تنتقل تدريجيا من الدولة العلمانية المعادية للدين إلى الدولة المدنية الديمقراطية التي تحترم المقاصد والغايات الاسلامية التي تحدد مواصفات الحكم الرشيد،  نموذجها تركيا … فالربيع التركي تلا الربيع العربي لكنه اختزله بليلة واحدة ، وتجربة أردوغان التي كسبت الكثير جدا من الإعجاب والتأييد السياسي وصارت مفخرة لكل المسلمين . تختلف كثيرا عن تجارب الربيع العربي الذي تحول لثورات اسلامية سلفية جعلت الكثير من الشعوب المسلمة تتخوف من الثورات التي تبدو كتقهقر نحو الماضي البعيد ، فالفكر السياسي السلفي الجهادي جاهز ومنجز منذ قرون بل منذ نهاية العصر الراشدي ، وحيثما توفر فراغ في الفكري الثوري من المفاهيم الحديثة المقنعة للناس ، هيمنت مكانه السلفية الجهادية الخارجية الفكر ، وهي تسيطر اليوم على الساحة كنتيجة لتخلف وجمود العقل العربي وليس كتعبير عن الثورات والربيع .

يجب أن تدفعنا شعبية أردوغان التي تجاوزت تركيا للتفكير مليا بالأردوغانية السياسية التي يطبقها والتي تعتبر مدرسة للفكر السياسي الاسلامي الحديث المتنور الذي يحقق الغايات والمقاصد الدينية التي شرحناها في المقال السابق ، والذي يختلف كثيرا عن الفكر السياسي العربي الثائر المهيمن حاليا ، و يتنافى مع مفهوم الدولة الاسلامية الذي تطرحه وتطبقه التنظيمات الجهادية التي ترى في الديمقراطية والدولة المدنية بدعة ، بل كفرا وتهربا من استحقاق الدولة الاسلامية ، لكنها لا تجرؤ حتى الآن على تكفير نظام الحكم التركي الذي يحترم الحريات العقيدية والدينية والسياسية ويطبق النظام المدني الديمقراطي بالمواصفات الأوروبية ، ومع ذلك يرى أنه من صميم الهوية الاسلامية .

فما هو الفارق بين العلمانية ، وبين الدولة المدنية الديمقراطية ، ودولة الآلهة المقدسة ، وما دور الدين في كل منها :

فيما يخص العلمانية نرى أنه فلسفيا لا يمكن الفصل بين الدين والدولة ، ولا يمكن الحديث عن حضارة من دون دين ومقدس محترم من قبل الجماعة ، ولا عن دين منفصل عن السلوك الذي يُتَوّج بالحياة السياسية ، فالمدنية تدين للدين والمقدس في وجودها كمجتمع متكامل حي موحد له هوية ، وكل سلطة قانونية لا تنجح في فرض السلم الاجتماعي داخله من دون تعاون واحترام ذاتي وتقديس من قبل أغلبية السكان للقيم التي تشكل الأساس في حفظ البناء الاجتماعي و مقاصد النظام القانوني حتى لو كان وضعيا ، فالدين هو ما دان له الناس من قيم وعقائد وفلسفات ورموز وقدستها … أي أن فصل الدين عن الدولة يعني فصل الثقافة والهوية (التي يعتبر الدين مكونا أساسيا لها ) عن السياسة ، أي تقطيع  الديناميكية التفاعلية الداخلية للتشكيلة الاجتماعية وتخريبها ، وبالتالي فإن العلمانية بمفهومها هذا غير ممكنة عمليا ، بل تعارض الوجود المجتمعي الطبيعي الحي ، وتعارض الحرية التي تسمح لقناعات وضمير المواطن بالتعبير عن نفسها سياسيا ولو عبر خياره الحر في صندوق الانتخاب .

في حقيقة الأمر العلمانية بالأصل لا تعني ذلك، ومن طبقها بهذا المعنى كان يطبق الشيوعية والإلحاد بإسم مخفف ومموه ، العلمانية انجاز حضاري تعني استقلال سلطة الدولة عن سلطة رجال الدين وهيمنتهم المباشرة على الشؤون السياسية ( وليس فصل الدين عن الدولة وإلغاء دور الدين والمقدس في الحياة الاجتماعية وحتى السياسية ) فالحزب الديمقراطي المسيحي حزب حاكم في دول علمانية … وقد نشأت العلمانية في الغرب بعد تجربة مريرة مع الكنيسة والكهنوت الذي أقام محاكم التفتيش وباع صكوك الغفران ، وقيد إرادة الناس وحارب نزعة الحرية ، ووقف مع الاقطاع البطريركي في وجه تطور المجتمع المدني ، عندما حدث تغير تحتي جوهري بفعل هيمنة العلاقات الرأسمالية في بداية العصور الحديثة … فهي تفصل بين سلطة الضمير الدينية ، وبين سلطة الدولة القانونية ، حيث القانون مختص فقط بما يحفظ السلم الاجتماعي ومهام الدولة الإدارية والدفاعية .

فالعلمانية ليست مطروحة في الاسلام السني كونه لا يعترف بكهنوت ديني أصلا ، ولم تكن في تاريخه هيمنة لرجال الدين بل بالعكس ، كان رجال الدين يتعرضون لضغوط من قبل الحكام لتطويعهم ، في الاسلام ليس هناك رجل دين بل فقيه وعالم بالدين ولا سلطة (غير أدبية) له على أحد … في نصوص الإسلام الأمارة والسلطة هي شيء تعاقدي ( بيعة ) يتم بالشورى ( عقد اجتماعي )  وتقوم على العدل ، فهي من حيث التطبيق حكم بشري تعاقدي رشيد ليس فيه تقديس للأفراد ولا حكم باسم الله ، بل باسم الناس وبإرادتهم وبحسب قناعاتهم وإيمانهم وبما يتعاقدون عليه ، والدولة الاسلامية غير مكلفة بفرض العقيدة والتدين على الناس ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) … كما أن الدين لا يطبق  في السياسة بواسطة رجال الدين كمرجعية للسلطة ، بل بجعل الشعب المتدين طوعا مرجعية لهذه السلطة ( أهل الحل والعقد ) ، دور العلماء ليس في ممارسة سلطة تنفيذية رقابية على الحاكم  أو المحكوم فهذا غير متواتر في التاريخ الإسلامي السني ، بل في الشيعي فقط ، دور رجال الدين العلماء  نشر الدعوة وتثقيف المحكوم بالحكمة والموعظة الحسنة ، والذي يشارك في إنتاج الحاكم ويقومه ويعزله ، فهم ليسوا بديلا عن الشعب وارادته ، ولا عن الله ورقابته وحسابه ، بل إن سلطتهم وقوتهم من خلال اتساع تأثيرهم بالرأي العام ، وهنا تكون العلمانية بمفهومها المحدد هذا شرطا للديمقراطية ذاتها ، ولا تتناقض مع الاسلام ولا مع التاريخ الاسلامي الذي طبقها فعلا وقبل الغرب بقرون عديدة .

المسألة إذن تختلف في الشرق المسلم عن الغرب المسيحي ، أو إيران الملالي ، فنظام الحكم في الاسلام  علماني من حيث الأساس ، ومتروك للاجتهاد والاستحسان والتعاقد الدستوري الاجتماعي ، ذلك لعدم وجود شكل سياسي محدد لنظام الحكم الإسلامي في النصوص والسيرة . بحيث بقي هذا الشكل مرنا مطواعا يتناسب مع مراحل تطور التشكيلات الاجتماعية اقتصاديا وتكنولوجيا واجتماعيا … فمسألة العلمانية ليست من المهام المطروحة على قوى الثورة والتقدم في العالم الاسلامي ، المسألة الملحة هي ازاحة سلطات الاستبداد والفساد التي لا دين لها وتدعي هذه العلمانية عندما تقاوم الالتزام بأي منظومة قيم دينية أو خلقية أو وطنية . المشكلة ليست في تدين السلطات أو تسلط رجال الدين لكي تطرح العلمانية ، بل في الحاد الدولة وسلطتها وتنكرها لواجباتها ولقيم الدين والمجتمع .

أما مشكلتنا الفكرية الأساسية فمع الايديولوجيات الاسلامية الحديثة ، التي لها جذر فلسفي يرضع من فكر الخوارج ويتبنى مفاهيمه عن الحاكمية كلياً  أو جزئيا، والتي عارضت حكم المتغلب الكافر بحكم متغلب آخر لكن فقيه وعارف بالدين . أي ألغت الوسيلة الضرورية بالقفز للغاية المرجوة ، فأقامت بيعة الفقيه المتدين قائدا سياسيا ، وليس تكليفه كجهة وصائية على نظام الحكم الدنيوي ، فهو فقيه في الدين وإمام يتبع ، وقائد في السياسة والحرب وبسبب فقهه ورياسته فأمره لا ينازع … وكلفت الحاكم ليس فقط في إدارة شؤون المعاملات والأمن والدفاع ، بل مددت صلاحياته للمحاسبة على العبادات والتقوى والإيمان ، فهي لا تكتفي بسلطة رجال الدين وهيمنتهم المباشرة على الدولة ، بل تمدد عمل الدولة ذاتها وصلاحياتها لتشمل تطبيق الدين والعبادات .. وتقيم سلطة إلهية في الأرض تقوم بما يقوم به الله في السماء .. وهذا ينطبق على الشيعة والنظام الإسلامي الإيراني وعلى السنة أيضا الذين يتبعون منهج حاكمية الله في الأرض ( الخارجي الأصل ) من أمثال طالبان والدولة الاسلامية وبقية الإمارات الاسلامية المعلنة هنا وهناك .

التعارض الفكري مع الدولة الاسلامية المقدسة بمفهومها السلفي الجهادي الشمولي الذي يستند للفلسفة الخارجية ، بالمقارنة مع  الدولة المدنية الديمقراطية المقيدة التعاقدية التي تحقق معايير الحكم وفقا لما ورد في النصوص الاسلامية .  أي بين نموذج تركيا وماليزيا وغيرها ، وبين نموذج ايران وطالبان  وداعش وما يتبعها … والذي انتشر للثورات العربية وبدأ تطبيقه في المناطق المحررة من النظم البائدة ، والذي يتسبب في تعميق الخلاف داخل المجتمع واستعداء الكثيرين في الداخل والخارج ، الذين صاروا يتآمرون على هذه الثورات ويفضلون بقاء أو عودة نظم الغلبة والقهر ، على انتصار ثورات الحرية التي أنتجت دولة الآلهة المقدسة ،

هذا المشهد يصوره الإسلاميون السلفيون (بنسختهم الواقعية التي تقاتل وتتحكم بالأرض أي داعش والنصرة وجيش الاسلام والأحرار … ) على أنه عداء وحقد على الإسلام والمسلمين وعدوان يستوجب الرد عليه ، والذي يتخذ طابع العداء والتزمت وأحيانا يتفجر بعمليات ارهابية في عقر داره … ويتسبب في عرقلة طموحات شعوب عربية واسلامية أخرى تحلم في التخلص من حكم المتغلب لتنتقل للحكم الرشيد ، فالثورات العربية لم تنتج الدولة المدنية الديمقراطية التي تحترم قيم ومعايير الاسلام في المعاملات والحكم ، بل أنتجت دولة التشدد والترهيب التي لن تكون مطلبا شعبيا في أية حال … وهذا يفسر دعم الكثير من الأنظمة (التي تخشى رياح الديمقراطية أن تهب صوبها ) لهذه المجموعات الإسلامية كي تتحكم بالثورات العربية  وتمتطيها ، لأن من شأن ذلك تقديم درس محبط لشعوبها فيما لو حاولت التفكير باللحاق بربيع الحرية والكرامة الذي فشل في انتاج الحكم الرشيد في كل تجاربه وبكل أسف ، وهيمنت عليه الحركات المتشددة ، والسبب هو غياب الفكر والعقل والمعرفة بسبب القمع والتخلف السابق للثورات ، وبسبب الانشغال عنه في الحرب والقتال فقط ، وتهييج العواطف والأحقاد ، وتنفيس رغبات العنف والتسلط المتراكمة نتيجة المعاناة الطويلة …  

فالقوة القتالية للتنظيمات المتشددة ، أو حتى انتصاراتها العسكرية ، لا تعني أنه يجب علينا اتباع منهجها الفكري والخضوع لسلطتها ، فهذا يعني من جديد العودة لحكم المتغلب ، الذي عاجلا أم آجلا سنثور عليه ، فالدين والحاجات الانسانية والاجتماعية يتطلبون نظاما سياسيا آخر ، تعاقدي تشاوري يقوم على الحرية والمسؤولية والعدل ينتج هيئات التشريع والحل والعقد بطريقة سليمة ، ويصوغ العقود والدساتير المتوافق عليها ، ويشرف على تولية السلطات وعزلها تبعا لأدائها ، وكل هذا هو من صفات النظام المدني الديمقراطي الحديث الغير معروف في التاريخ ، والذي نرى أنه الأقرب لما ورد في النصوص الدينية من قيم ومواصفات ، والشكل الأكثر تجسيدا لها في هذا العصر … فعندما نعارض الأهداف السياسية للتنظيمات الجهادية التي تقاتل معنا في الثورة ، نحن عندها هل نخون الثورة و نتنكر للدين ؟  أم  العكس هو الصحيح !!!… والرسول الأمين قد قال : ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب ، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها اتبعها …  هل يوجد جيش في العالم مهما كانت قوته ووطنيته يصلح لإدارة الشأن السياسي المدني . وهل تدار شؤون السياسة بعلوم الدين والروح أم بلغة المصالح والتوافقات ، وكم هي المسافة بينهما كمرجعيات .

يلح علينا في الثورة السورية واجب التأصيل لفكرة الدولة المدنية الرشيدة في مواجهة الدولة الحاكمية السلفية الخارجية ، وهذا يجعلنا نقف موقف نقدي من مشروع النصرة السياسي الهادف لجر التنظيمات الاسلامية وراءها وفق مشرعها لإقامة دولة الآلهة ، ونرى ذلك في صالح المسلمين والثورة … فما يحدث في تركيا وماليزيا واندونيسيا والباكستان وإلى حد ما المغرب وتونس والأردن ومصر ما قبل السيسي هو النموذج الأقرب والأصح للوصول للحكم المدني الديمقراطي ذي الهوية الاسلامية . مع التنويه لحاجة دول الخليج لمجموعة من الإصلاحات المتدرجة باتجاه الدولة المدنية التي تحقق المعايير الاسلامية لتجنب حدوث هزات فيها ، كالتي حدثت في الجمهوريات العربية التي أفرطت في حكم المتغلب المتنكر لقيم الدين …

هذا المنطق السياسي كما ترون يستند لفقه وعقل ديني مختلف عن منطق التكفير والهجرة والحرابة المتخذ مع كل النظم التي تقوم على حكم المتغلب أو التي نصبها الأجنبي المستعمر .  وهذا يتطلب ألا يغلق الحاكم الأبواب بينه وبين الناس ، حيث تصبح الثورة عليه ضرورة .  نحن نفضل الفكر الإصلاحي التدريجي ، فالثورة ليست دائما مضمونة النتائج ، وثمنها باهظ  عادة ، أما الإصلاح التدريجي فهو طريق أسلم كثيرا خاصة في ظل غياب ثقافة الديمقراطية وضعف بنية المجتمع المدني واستمرار الانتماءات ماقبل المدنية … وفي ظل عدم  توفر التأصيل الفكري الثوري المقنع لسواد الناس . فالثورة قوة تحطيم ، لا تنقل البشر تلقائيا من الجهل للحضارة ، من دون ثورة في الفكر والثقافة والمعرفة والخبرات ، الحضارة أيضا لا تسير بالقفزات ، ولا تكون حضارة من دون أن تشمل كل مناحي الحياة معا وبشكل خاص الثقافة .

لهذا السبب ندأب في هذا الوقت المليء بالأحداث الجسام ، على طرح النقاشات الدينية السياسية والعقيدية … ليس للتشويش والتشكيك كما يتوهم البعض الذين يظنون أنهم امتلكوا الحقيقة كاملة ، وامتلكوا الشرعية أيضا بمجرد رفعهم لراية  الرسول عليه الصلاة والسلام … فتطبيق الاسلام هو أيضا يحتاج لجهد فكري وابداع حضاري كبير ونوعي لكي يستمر هذا الدين متناسبا مع تطور الظروف وتغيرها .. وهذا يتطلب فتح الفكر وتحريض العقل نحو تغير ثقافي أصبح ضروري جدا للنجاح ، بل للخروج من المصائب التي وقعنا فيها بسبب جهلنا وتعطيل عقلنا لقرون مضت حتى تراكم أمام وعينا الاسلامي عددا هائلا من المسائل  التي لم يفكر فيها ، أو من الصعب التفكير فيها لعدم وجود الأدوات المعرفية والمناهج ، أو الممنوع التفكير فيها بسبب سيف التخوين والتكفير ، الذي هو بذاته يستوجب الثورة عليه كجزء من الثورة على المتغلب بجهله وسكينه … فهل وضحت ؟؟؟ اللهم اشهد .
-----------
كلنا شركاء


د. كمال اللبواني
الخميس 11 غشت 2016