أنتفض الشعب السوري ليتنفس وطناً بنسائم الحُرية ويتجاوز الاستبداد ومافيا احتكار السلطة والثروة, ثار ملايين السوريين وكلهم أمل في التحرر والاتجاه نحو مستقبلٍ أفضل، لكن ثمة مشكلة مازالت متجذرة ومتعمقة في وجدان بعض رجال الفكر المعارض ومطابقة لما هو موجود عند النظام المقت وهي أنه لا مشروع واضح لهم لماهية ذلك الوطن ... ؟ كيف نريده ؟، وكيف يكون ؟، وما الذي يتطلب عمله للوصول الى وطنٍ حقيقي ؟!, أن انعدام الرؤيا والخطة الاستراتيجية وغياب الأولويات وعدم وجود الاختصاصات الفاعلة –شخصيات تكنوقراط مختصة- إضافة لبعض من أعطوا الاهتمام بالنفوذ والمكانة في اللحظات الحالية، وقد شط فكرهم وأنحسر على كيفية اكتساب السلطة فيما بعد انتهاء الثورة وهذه هي السمة الواضحة للشخصيات التي تسعى جاهدةً لأحتكار حكم وطننا اليوم، من خلال فكر الإقصاء والإلغاء وتشويه إي طرف من أطراف الحركة الوطنية سواء شخصيات أو تيارات أو تكتلات، نعم كيف لنا ان نبني وطن ونحن غير مؤمنين بالتعددية وقبول الأخر، كيف نبني الوطن والفكر الشمولي الواحد ما زال ساكن فينا.
كيف لنا أن نصبغ وطناً عادلاً ومعافى ونحن اليوم أمام ميراثٍ ثقيل من الانقسام والتشظي وانحسار وتراجع الفضاء العمومي للوطنية السورية من نافلة القول أن مساراً نحو هذا المستقبل يحتاج ومنذ اللحظة بل منذ البارحة تأسيساً جديداً مغايراً وتخليق فضاء عمومي جامعٍ يقطع مع قوى الاستبداد بكل تعبيراتها وقوى الحرب أسيرة الماضي وأسيرة العنف الدموي.
وضمن هذا السياق نتحدث عن الديمقراطية الغائبة والتي لم تخرج إلى الآن من حيز الشعارات ولم تتشكل في مظهر يدلل عليها، بينما يتناسى دُعاتها بأنها تبتدئ في جملة من آليات الإدارة وليست ضمن فكرِ أو عقيدة ما تُحتم علينا شيء هنا او هناك، بل هي تصون لنا الحرية المادية وتضمن إدارة منسجمة للمؤسسات والأحزاب ومختلف الفعاليات المجتمعية المدنية وتصون التداول السلمي للسلطة لاحقاً، , بقدر ما هي منظومة عوامل مترابطة ومشتركة تعزز بناء الدولة المؤسساتية ,
ومازالت التجربة الديمقراطية التي نسعى نحوها ونحتاجها في كُل عملٍ وطني آني ومستقبلي. ما زالت وليدة وعمرها من عمر بديهيات ثورة السوريين في لحظتها الأولى ونحن الان في مرحلة التحول الخطيرة ولما نصل بعد للحدود الدنية من سيرورة هذا الانتقال التاريخي.
ما نشعر به من خطر اليوم هو غياب المؤسسات الثورية ووجود الأسماء والعناوين الفارغة الغير مجدية, مما يجعلنا نقول هل بناء الوطن في خلق الأزمات والاقتتال الطائفي والعزف على الوتر المذهبي. حقاً هناك من استحوذ على السلطة وراقت له إغرائها وأموالها ويعيش النرجسية ولم يفكر بالشعب والوطن يوماً بل فكر كيف يتشبث بالمواقع والمناصب ويستمر في القتل الممنهج والمتعمد لأبناء سوريا بدون حسيبٍ أو رقيب، ووسط تأييد ودعم دولي معلن وغير معلن. وهذه حقيقة نعيشها وقد أصبح وجهه مكشوف بجميع الاشكال والأقنعة. وما يزال لدينا الأمل بالإطاحة به ولكن اليوم أيضاً نريد أن نفكر في كيان الدولة التي نريدها وهي الآن في مرحلة الخطر أكثر من اي وقت لان هناك من يريد تفتيت وطننا باسم الطائفية والمذهبية وهذا أساساً يخرق كل القواعد والشرائع الدولية والتي تكفل حق الحياة الكريم والآمن وتحميه, مشكلتنا اليوم تتركز في أن أكثر ساسة المعارضة يقولون ما لا يفعلون .
أيها الأصدقاء الوطن لم يبنى ولن يكون وطننا دون بناء الإنسان الفرد المواطن. ولا مكان للحديث هنا عن مبررات واهية بأننا نخوض حرباً مستعرة لأنه يوجد لدينا استطاعة بتأسيس مراكز إعلامية توجيهية وثقافية وتنويرية للمواطن السوري في الداخل والخارج ودمجه مع تطورات المرحلة الراهنة وتجهيزه لمرحلتين مفصليتين في تاريخ سوريا القادمة لحظة رحيل تلك الطغمة المقتة ومرحلة إعادة بناء الوطن فليست المعركة فقط عسكرية وسياسية بل هي إعلامية وثقافية ومجتمعية أيضاً. فهناك من يريد طمس هوية المواطنة السورية, وما نراه اليوم لا بناء للمواطن كإنسان في ظل الثورة بل هناك من يحوله لأداة يريد تحريكها كيفما يُراد لذا لا نرى بناء لتلك المؤسسات الثورية الفاعلة .
أصدقائي كل العقول والطاقات والموارد متوفرة, لكن هناك من لا يروق له بناء ذلك الوطن العريق والكبير, قد تستمر معاناتنا ونبقى دون وطنٍ حقيقي وذلك سيكون قاسياً علينا يوم بعد يوم لكن ثمة أمل ان يتغير الحال ونستفيق جميعنا على هموم الوطن والمواطن وتطلعاته، فنحن الآن قد دخلنا في سبات غير معلوم إلى متى نصحو منه , ويجب بنا أن نعرف زيف المتسترين الذين يختبئون وراء الشعارات والعناوين الفارغة, وأن يحاسب كل من أهدر المال العام وشارك وتوغل بدماء الأبرياء.
الوطن ليس ملك لمجلس أو طائفة أو مذهب. الوطن ملك للجميع. ومن يفكر ببناء وطن لمجلسه أو لطائفتهُ أو قوميته فهو خاسر وسيُخسر الوطن الكثير. رُبما نحتاج لرؤية جديدة أن بقيت تلك التعبيرات السياسية المهترأة مجرد أداة تعمل وفق توجهاتٍ خفية. وغائبة عن الفعل باتجاه ثورة السوريين ومعاناتهم المتزايدة. فمشكلتنا الآن لم تعد فقط مع النظام, بل مع الفاسدين والمفسدين ورافعيِ الشعارات والمُتلاعبين بمشاعر الفقراء والمُهمشين.
ومع التجربة المتكررة وقفات فالظالم والكاذب والمُخادع والسارق والفاسد مهما تلون وتجمل سيُحاكم يوماً, وأما ملايين السوريين الذين يسعون لاستعادة وبناء وطنيتهم المهدورة هم من سيحقق مشروع بناء وطنِ معافى وكريم وعادل تسوسه دولة المؤسسات والقانون.