نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


رمضان جانا وفرحنا بُه






تسرّ لي صديقتي هامسة في جلسة مسائية بعد صيام اليوم الأول في رمضان بأنها، وفي معرض استراحة تلفزيونية كسولة بعد يوم عمل طويل زينه حرمان شرايينها من لذة القهوة الصباحية، حضرت دون قصد منها سؤالاً من متّصل بقناة عربية معروفة يسأل الشيخ التلفزيوني الجليل المنظر عن فتوى قوله لنفسه إن عطس: "يرحمكم الله"، قد يظن البعض أن الطرفة انتهت هنا، إلا أنها ومن باب الكوميديا العربية السوداء هنا بالضبط بدأت، حيث استفاض الشيخ التلفزيوني الجليل المنظر بشرح ما يستحب وما يكره في أصول الفقه التلفزي في قول المتصل لنفسه: "يرحمكم الله" لمدة تجاوزت المعقول والمقبول والفكاهي بكثير.


  إن الصيام عبادة قديمة قدم الأديان السماوية وغير السماوية والتوحيدية وغير التوحيدية، وتذكر الأمم السابقة في كتبها عدداً من الفوائد التي يحققها الصيام بأشكاله المختلفة والذي يهدف بعامة إلى الترفع عن حاجات الجسد وتنقية الروح من الخطايا واكتساب المعرفة وفهم معاني التضحية. فالهندوس على سبيل المثال يرون في الصيام تعبيرًا عن رفض حاجات الجسد للوصول إلى قمة الارتقاء الروحاني ويفرض الصيام في يوم إكاداشى وهو اليوم الحادي عشر في الشهر القمري من التقويم الهندوسي، ويلتزم به كافة معتنقي الهندوسية من سن الثامنة وحتى الثامنة والثمانين؛ ويتحقق الصيام فيه بالإمساك الكامل عن الأكل و لا ينبغي لأحد أثناء الصيام تناول أي نوع من أنواع الحبوب.
أما اليهود فيصومون عشرة أيام للتوبة تبدأ من روش هاشاناه أي بداية السنة اليهودية الجديدة وتنتهي بيوم كيبور، وهو وقت للتفكير في خطايا العام الماضي والتوبة عنها، كما يؤمن اليهود أن جميع أقدارهم تختم في يوم كيبور.
هنالك أربعة أيام أخرى للصيام فرضتها التقاليد اليهودية احتفاء بذكرى أحداث كان لها أثر كبير على حياة اليهود، ويبدأ الصيام اليهودي عند شروق الشمس وينتهي بظهور أول نجم في المساء، ما عدا صيام يوم كيبور حيث يستمر من غروب شمس اليوم السابق وحتى غروب الشمس التالي.
لقد أوصى أيضاً المسيح عليه السلام الحواريين بالصيام بالإمساك عن الطعام والشراب ويتقيد أتباع الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذوكسية وغيرهما بالصوم الكبير مدة أربعين يوم يمتنعون خلالها عن أكل اللحوم والأسماك وكل المنتجات الحيوانية.
نعود إلى رمضان شهر الرحمة والذي يصوم فيه المسلمون عن الطعام والشراب والسب والقذف واللعن والغيبة والنميمة والسرقة والكذب ووووو، وذلك لمدة ثلاثين يوم من مطلع الشمس إلى مغربها طوال الشهر القمري. هذا ما أفادنا به القرآن الكريم . إلى هنا ويبدو صيام رمضان عبادة يشعر خلالها المسلم بأخيه المسلم وبالنقاء الروحي والتواصل مع الخالق، كغيره من معتنقي الديانات الأخرى أثناء أدائهم لهذه العبادة الروحية العميقة. غير أن القرن الحادي والعشرين جاء إلى هذه الأمة الإسلامية العظيمة بنظر أفرادها وجماعاتها وتحولت هذه العبادة السامية إلى طقس شعائري يزاود فيه معظم المسلمين على أقرانهم بالتشديد على أنفسهم والابتعاد عن الرخص التي يحب رب العالمين أن يؤتيها العباد والتمسك بالظاهر ونبذ المضمون واختصار الصيام بالامتناع عن الطعام والشراب والتشبث بسوء الخلق والعصبية. أما عن الحوادث المرورية التي تشير إليها الأرقام والإحصائيات على امتداد العالم العربي الإسلامي فحدّث ولا حرج، كما تخرج القنوات العربية في هذا الشهر العظيم عن السيطرة تماماً لتدخل المشاهد في حالة من هستيريا المسلسلات الخالية طبعاً من أي مغزى أو مضمون والمستقاة بمعظمها من أفكار رمى بها عتاة هوليود إلى أسفل درك في قمامة مكتبة الشرائط القديمة. كما يتحول المشاهد إلى صندوق فارغ وكائن استهلاكي يقتات على الإعلانات التلفزيونية التي تقوده في حالة تنويم مغنافيزيوني إلى المتاجر الكبرى ليجتاحها ويشتري ما يكفيه مؤونة حتى اندلاع حرب عالمية ثالثة.
جرّب عزيزي القارئ أن تسوّل لك نفسك قبل يوم واحد من الأول من رمضان سواء كنت في تونس أو دبي أو القاهرة أو الدار البيضاء أن تقود سيارتك وتحاول أن تجد موقفاً عند جمعية استهلاكية أو فرع من فروع كارفور لتجد جحافل من سيارات المتسوقين تقف لك بالمرصاد مركونة في كل الاتجاهات وأصحابها يحدقون بتحد إلى كل من يفكر مجرد تفكير أن يسبقهم إلى المواقف.
كيف تحول شهر الرحمة والصدقات والمحبة وصفاء الروح والتواصل مع الخالق وكتابه إلى طقس احتفالي تلوثه التخمة في كل شيء في الطعام والشراب واللباس والشراء وسوء السلوك؟
كيف نستعيد البراءة الأولى لهذه العبادة، وكيف نستذكر أن من بات شبعاناً وجاره جائع من أكبر الخطايا؟ كيف نتفكر في أن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه؟
كيف نستعيد قيم الدين الإسلامي الحقيقية وننهض بهذه الأمة التي تهبط كل يوم درجات إلى الأسفل في كل طقوسها ومبادئها وأخلاقياتها؟
ألم يأن الأوان لصحوة حقيقية وخطاب يتوجه إلى العقول ويتماشى مع متطلبات القرن الحادي والعشرين دون إفراط ولا تفريط؟
------------------------
فيسبوك - صفحة الكاتبة

سِمة عبدربه
الاربعاء 24 ماي 2017