نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


سوريا: دولة قانون وفصل سلطات






الحرب تستهدف الأذهان أيضاً. إنّها تشيع الخوف والكراهية، وتُبعِد وتستبعد المنطق السليم. وواضحٌ أنّ تحوّل الصراع في سوريا في صيف 2012 من نضالٍ ضدّ استبداد ومن أجل كرامة إلى حربٍ وقودها السوريّون وذخيرتها الإقصاء والتطرّف قد شوّش الأفكار.


 

عملت «المعارضة» السوريّة، قبيل ذلك التحوّل، على إرساء أسسٍ للانتقال السياسيّ، انتصاراً كان أم تفاوضاً. وبصورة تختلف عن معظم ما يصدر عنها اليوم، مباشرةً أو عبر «مراكز أبحاث» تستند إليها. وأظهرت، مثلاً في وثائق مؤتمرها في تموز 2012، حرصها على بعض المبادئ الجوهريّة خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها، ينساها أو يتناساها الكثيرون اليوم.

المبدأ الأوّل هو أنّ الدولة السوريّة يجب أن تكون دولة قانون حتّى خلال المرحلة الانتقالية. وبما أنّه لا يُمكن الأخذ بدستور 2012 كما هو ولا إسقاط دستورٍ قديم في ظلّ تطوّر القوانين، ولا حتّى اعتماد دستورٍ جديد من دون نقاش اجتماعيّ حقيقيّ ومن دون جهدٍ تشريعيّ قانونيّ في مجلس تأسيسيّ شامل، كان الحلّ هو أنّ يكون الناظم الأساس خلال المرحلة الانتقاليّة إعلاناً دستورياً يتمّ التوافق عليه ويحوي النقاط الأكثر جوهريّة كي يتجاوز مرجعياً الدستور الحاليّ. ولذا كان الهاجس الأساسيّ هو إنتاج وثيقة «عهد وطنيّ» كمشروعٍ قابل للتطوير لهذا الإعلان الدستوريّ.

لم يكن التفاوض حول «عهد» كهذا سهلاً. جرت صراعات حقيقيّة حول مفاهيم أساسيّة مثل المساواة التامّة في المواطنة ولا طائفيّة الدولة والمساواة بين الرجال والنساء والقوميّة الكرديّة وإبعاد المال السياسي الداخليّ والإقليميّ عن العمليّة الديموقراطيّة في سوريا وصون المال العام. وكان متوقّعاً حينها ألاّ تقبل السلطة السوريّة بميثاقٍ يحرّم «الاستئثار بالسلطة وتوريثها». إلاّ أنّ المعارضة تراجعت عن هذا المنطق، أو سكتت عن نقاطه الجوهريّة، حتّى حسم قرار مجلس الأمن 2254 لا طائفيّة الدولة والمساواة بين الرجال والنساء ووحدة التراب الوطنيّ بالنسبة للقضيّة الكرديّة. ولم يعُد مبدأ وجود دولة قانون وضرورة إعلان دستوريّ يأخذ حيّزاً حقيقيّاً في آليّة التفاوض الحاليّة في جنيف وفي إجابات الأطراف عن أسئلة الوسيط الأمميّ حول مفهوم «الحكم» أو «جسم الحكم الانتقاليّ»، برغم أنّ بعضها يقترح هيئات قضائيّة وهيئات مصالحة من دون الاكتراث بمرجعيّة قانونيّة دستوريّة واضحة لها.

المبدأ الثاني هو فصل السلطات، حتّى خلال المرحلة الانتقالية. وهنا يبرُز تناقض بين مبادئ وثيقة «أسس المرحلة الانتقالية» للمعارضة السوريّة حينها ووثيقة «جنيف 1» الأمميّة التي صدرت قبلها بأيّامٍ ثلاثة. فقد حرصت الوثيقة السوريّة على فصل ما هو تشريعيّ عمّا هو تنفيذيّ وقضائيّ، بحيث تبقى السلطة التنفيذيّة في أيّ وقت تحت رقابة جسمٍ تشريعيّ، وإنّ كان نتيجة خيارٍ توافقيّ. هذا فيما خلقت الوثيقة الدوليّة التباساً عبر تعبير «هيئة الحكم الانتقاليّة» الذي يفترض أن «تُمارِس كامل السلطات التنفيذيّة»، من دون أيّ إشارة إلى فصلٍ بين السلطات.

بالطبع، فسّرت السلطة القائمة تعبير «جنيف 1» الملتبِس على أنّه حكومة وحدة وطنيّة من دون المساس بصلاحيّات رئيس الجمهوريّة وبمدّة رئاسته. فيما فسّرت «المعارضة» على أنّ الأمر يشمل تغيير الرئيس ونقل صلاحيّاته إلى سلطة تنفيذيّة. وبالطبع تأخذ قضيّة بقاء رئيس الجمهوريّة الحالي أو رحيله أهميّة قصوى، لكن التركيز عليها وحدها يغيّب آليّات «الحكم» الانتقاليّة وفصل السلطات.

وكان تنصيب «المجلس الوطنيّ» ومن ثمّ «الائتلاف الوطنيّ» ممثّلاً وحيداً للشعب السوريّ. ثمّ تمّ تحفيز هذا وبعده ذاك على تشكيل «حكومة مؤقتة». لكنّ مسألة فصل السلطات لم تجد حسماً ناجعاً، إذ احتفظ «الائتلاف» ورئاسته وهيئته السياسيّة بصلاحيّات تنفيذيّة رئيسة، ولم يبقَ فقط كسلطة تشريعيّة ورقابيّة، ما عطّل في الواقع عمل «الحكومة المؤقتة».

وعندما ذهبت الأمور للتفاوض في «جنيف 2» لم يتمّ بناء موقف من قبل «المعارضة» لإيضاح مفهوم «هيئة الحكم الانتقالي» وفصل السلطات ضمنها. وبعدها بسنتين، لم تفلح أسئلة الوسيط الدولي لجرّ النقاش والتفاوض إلى مبدأ فصل السلطات. بل إنّ بعض مراكز أبحاث «المعارضة» ذهب مؤخّراً إلى مزيدٍ من الالتباس في قول «أنّ «الحكم» الجديد يجب أن يمارس السلطات كافّة، أي السلطات التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة، بحكم الطبيعة المعقّدة والاستثنائيّة للمرحلة الانتقاليّة»، مُضيفةً من دون تدقيقٍ في نصّ «جنيف 1» أنّه يقتسم «هيئة الحكم الانتقالي» مثالثةً بين «المعارضة» و «النظام» والمجتمع المدنيّ.

إنّ الخروج من هذا المأزق في التفاوض السياسيّ يستدعي بالقطع نقاشاً أكثر جديّة حول ماهيّة الرئاسة الانتقالية وصلاحيّاتها، وحول كيفيّة تشكيل «مجلسٍ انتقاليّ» ذي صلاحيّات تشريعيّة، وحول طرق تعيين حكومة انتقالية، وسبل تشكيل مجلس قضائيّ أعلى، إلخ. وكلّ مسألة من تلك المسائل على حدة. والنقاش أيضاً على ضرورة فصل السلطات بين هذه الأجسام، وما يتطلّب ذلك تضمينه في الإعلان الدستوريّ، خاصّة أنّ هناك مبدأً ثالثاً جوهرياً، هو فصل الشأن العام عن المصالح الخاصّة، أي عزل التطوّرات السياسيّة للنهوض بالمرحلة الانتقالية عن المال السياسيّ. فالأمر الجوهريّ هو ضرورة «صون الحريّات من هيمنة عالم المال أو السلطة السياسيّة»، وأن «تُضبَط بدقة الموارد المالية وإنفاق الأحزاب والجماعات السياسيّة». وهذا ليس بالأمر الهيّن، ليس فقط لأنّ أمراء حرب ازدهروا على الطرفين، ولأنّ السلطة الحالية كما بعض أطياف «المعارضة» تتقاضى أموالاً من قوى خارجيّة، بل لأنّ إدارة الإغاثة وإعادة الإعمار يمكن أن تذهب، كما في تجارب دولٍ أخرى، لمصلحة تقاسم نفوذٍ عقيم يزيد من معاناة السوريين حتّى بعد الخروج المأمول من كارثة الحرب.
----------
السفير


سمير العيطة
الاربعاء 22 يونيو 2016