نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


سوريا والحلول التفاوضية




قد تكون الحرب تفاوضاً بالسلاح. والعدوان الحالي على غزّة جولة تفاوض بين إسرائيل وفصائل المقاومة، يعرف فيها الطرفان جيّداً أنّ أحدهما لن يحقّق نصراً كاملاً على الآخر، ولكن ليس انطلاقاً من أنّ الطرفين وصلا إلى حالة


 
استعصاء موجع لهما سويّة، وأنّه يجب اغتنام فرصة لإيجاد مخرج دائم من هذا الاستعصاء، بل لأنّ أيّ مخرج قد يكون أكثر ألماً سياسياً من الاستعصاء الحالي. وفي ظلّ غياب طرف ثالث يمكن أن يأخذ الطرفين حقّاً إلى حلّ دائم، خصوصاً عبر الضغط على الطرف الإسرائيليّ وتهديده بأنّ عدم الذهاب إلى حلّ سيكون موجعاً له أكثر من الحرب التي عوّد نفسه فكريّاً على آلامها. نحن إذاً أمام جولات تفاوضيّة تؤدّي إلى هدنات بشروط جديدة لإدارة صراع أمده بعيد، بل بعيد جدّاً.
الأمر مختلف في سوريا، حيث لم يكن هناك يوما تفاوض. إذ تتبنّى السلطة باستمرار منطق أنّها ستنصر كليّاً في النهاية. أخذت الصراع إلى الأرضيّة المناسبة لها، أي العنف والطائفيّة والتدخّلات الخارجيّة، ونجحت في جرّ الأطراف الأخرى إلى هذه الأرضيّة. لكنّ آلة القمع لم تدفع المدّ الشعبي إلى الاستسلام، وبدا أنّ هناك حالة استعصاء حقيقيّ. لذلك، سعت الأمم المتحدة العام 2012 للتوصّل عبر جنيف 1 ومؤتمر توحيد المعارضة إلى أرضيّة سياسيّة للتفاوض. إلاّ انّ إطلاق معركة حلب في الوقت ذاته ألغى أصلاً إمكانيّة التفاوض السياسيّ، ووضع الحلّ في الواقع على أرضيّة انتصار عسكريّ للمعارضة أو تقسيم البلاد.
في المقابل، لم تقبل أطياف المعارضة التي تمّ تجميعها في المجلس الوطني ومن ثمّ في الائتلاف يوماً بالتفاوض السياسيّ. ودلالة ذلك التمسّك بشعار «إسقاط النظام بكلّ رموزه وأركانه». في حين بقيت أطراف معارضة أخرى تتحدّث عن حلّ سياسيّ، أي تفاوضيّ، حتّى حين لم يكن هناك فرصة له. الفارق بين طرفي هذه المعارضة أنّ الأوّل ذهب إلى الأرضيّة التي أخذت إليها السلطة وأنّ الثاني نأى بنفسه عنها.
في بداية 2014، كانت القوى الدوليّة التي دفعت إلى جولات ما سمي بجنيف 2 تعي جيّداً أنّ فرصة إيجاد حلّ سياسيّ عبر التفاوض كانت شبه معدومة. إذ برغم كلّ الخسائر التي منيت بها السلطة، وفقدانها السيطرة على جزء كبير من البلاد، وضحايا العسكريّين بالأرواح التي فاقت خسائر الطرف الآخر العسكريّة، كانت قد خرجت لتوّها من معركة القصير التي شكّلت منعطفاً للصراع لمصلحتها. وكانت المعارضة التي ذهبت إلى جنيف 2 تعي جيّداً أنّ مجرّد وجودها الى طاولة مفاوضات هو الورقة الرابحة الوحيدة بيدها. فالسلطة تعترف بذلك أنّ المعارضة ليست فقط إرهاباً واختراقاً للسيادة. لكنّها توهّمت أنّ تمسّكها بعدم التفاوض سيجلب لها دعماً أكبر في المرحلة اللاحقة كي تنتصر عسكريّاً.
لكنّ أسس الصراع تغيّرت جذريّاً في ما بعد. فكما انخرطت قوى إقليميّة حليفة للسلطة في حربها، نخر دود التطرّف جسم المعارضة المسلّحة، وخرجت «داعش» بمشروعها لتربط مصير سورية بمصير العراق، فيما لم تستطع المعارضة المسلّحة فكّ ارتباطها «بجبهة النصرة». كلّ ذلك في مناخ دوليّ لم يعد يبحث عن حلّ للصراع في سوريا بل إدارته عن بعد والحماية من مخاطره.
كانت السلطة تعي أنّ الصراع أضحى متعدّد الأطراف حتّى على الأرض السوريّة، وركّزت جهدها عل كسب سياسي معنويّ في إجراء الانتخابات الرئاسيّة. هادنت «داعش»، لأنّها لم تعد قادرة على خوض حرب ضدّ جميع الأطراف سويّة، ولأنّ «جبهة النصرة» (أخت «داعش» اللدودة) كانت الأكثر إيذاءً لها. أمّا معارضة «الائتلاف»، فبقي خطابها وكأنّنا في اليوم الأوّل للثورة، صراعٌ بين الاستبداد ومظاهرات الحريّة، مع أنّ الصراع أصبح حرباً منذ صيف 2012. ولم تخرج من المنطق ثنائي الأطراف، معتبرة أنّ «داعش» صنيعة السلطة، وأنّ «النصرة» حليفة المعارضة حتّى لو تصادمت عسكريّاً معها. وغرقت في واقع الأمور في آليّة خلق دويلة بديلة على الأرض مثل بقيّة الأطراف المتصارعة: السلطة، و«داعش»، و«النصرة»، إلخ.
السؤال اليوم هو هل يفتح التغيّر الجذريّ للصراع في سوريا مع صعود داعش القويّ إمكانيّة حلّ سياسيّ، أي إمكانيّة تفاوض؟ وبين من ومن؟
على الصعيد الشعبيّ، الإنسان والبلد يدمّران. ومن هنا مناداة بعض الوجوه والقيادات السياسيّة بحلّ سياسيّ وبوقفة جريئة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والخروج من الاستعصاء القائم. إلاّ أنّ التفاوض اليوم هو بين أطراف الصراع التي تحمل السلاح، ومن ورائهم من القوى الخارجيّة، وليس على المستوى الشعبيّ أو بين السياسيين.
الطرف الوحيد القادر على إدارة معركة مع كافّة الأطراف الأخرى هو «الدولة الإسلاميّة» المزعومة. إنّها تحارب النظام السوريّ، ليس فقط في حقل الشاعر بل حتّى في محيط عاصمته، وتحارب المعارضة السوريّة المسلّحة في أرياف دمشق وحلب وجبل الزاوية، وتحارب «النصرة» في كلّ مكان حتّى تعلن ولاءها، وتحارب القوّات الكرديّة في رأس العين والحسكة، وتقاتل حكومة المالكي وإيران في العراق. سيطرت على موارد نفطيّة مهمّة وعلى معابر حدوديّة مع تركيا وعلى سلاح نوعيّ أميركيّ. وتدير مناطق هيمنتها بمنتهى الدقّة والوحشيّة. مع ذلك، بقي النظام يرمي براميله على السكّان، وما زالت هناك أطياف معارضة سوريّة لا تعي أنّ «داعش» هي الخطر الأكبر اليوم، وبقيت على مقولة أنّها صنيعة السلطة برغم كلّ القتل الذي حدث في حقل الشاعر والفرقة 17 والحسكة.
ما عدا «داعش»، جميع الأطراف الباقية، ومن بينها السلطة، تعي جيّداً أنّها غير قادرة على مواجهة كلّ الأطراف الأخرى معا. وتعيش حالة الاستعصاء والألم واستحالة الانتصار.
الحلّ السياسيّ، بمعنى التوصّل إلى صيغة حكم انتقاليّة توافقيّة على كامل أرض سوريا الموحّدة، بعيد المنال اليوم. ولا تبدو في الأفق القريب ملامح مخرج مستديم من الاستعصاء الحالي، وليس هناك طرف ثالث قادر يضغط على الطرفين للقبول به. بالتالي، ليست المناداة بالحلّ السياسيّ اليوم سوى صيغة خطابيّة. وليست السلطة كما بعض أطياف المعارضة في وارد التفاوض على خروج مشترك من الاستعصاء المؤلم الحاليّ. ما هو ممكن اليوم هو هدنة بين السلطة والمعارضة المسلّحة لمواجهة مشتركة لخطر «داعش» و«النصرة» والتنظيمات المتطرّفة التي غيّرت أسس الصراع في سوريا وعليها. وربّما هذه هي الفرصة التي يحاول أن يبرزها المنادون بالحلّ السياسيّ اليوم من منطلق الحفاظ على الوطن وأهله. إلاّ أنّ هذه الهدنة يجب أن يكون لها أسس سياسيّة ينبغي العمل عليها، حتّى تتحقّق الفرصة فعليّاً.
أمّا حول هذه الفرصة، فإلى أيّ درجة يجب أن يصل الألم لدى السلطة ومناصريها حتّى يبادروا للقبول بمهادنة بقيّة الأطراف ضدّ «داعش»؟ وإلى أيّ درجة يجب أن يصل الألم لدى المعارضة المسلّحة لقبول الأمر نفسه؟ وهل ما زالت القوى الإقليميّة والدوليّة تؤمن بأنّها قادرة على إدارة صراعاتها في سوريا من دون حلّها، ولو جزئيّاً، عبر هدنة مؤقتة؟
 
ربّما ما زال على الشعب السوري أن يدفع ثمناً باهظاً.
------------
السفير
 

سمير العيطة
الاحد 10 غشت 2014