نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة

تأملات في الثورة الفاشلة

16/03/2024 - ماهر مسعود


شبابيك إدلب الكحليّة في حزيران






ليلٌ كحليٌّ في إدلب؛ حتى الأضواء الشاحبة في الشوارع والحارات مُطفأة؛ الشوارع خالية تماماً بعد صلاة المغرب؛ زجاجُ النوافذ قاتمٌ.. مَدهُونٌ باللون “النيلي” الكحلي؛ وفي الصباح.. يُتابعون حفرَ الخنادقِ حولَ إدلب برغم بُعدِها عن الجبهة مع إسرائيل 400 كم فقط!.
أولُ ما أدركته وأنا ابنُ ثماني سنوات.. أنِّي شاركتُ في دهانِ شبابيكِ بيتنا باللون الأزرق في نكسة حزيران / يونيو 1967؛ حتى لا ترى الطائرات الاسرائيلية لَمبَتَنَا الصفراء الشاحبة فتقصِفُها.. وتقصِفَنا؛ولمّا فُقِدَ الدهان الكحلي من السوق؛ استخدم الناس سجاجِيدَهُم الحائطيّة؛ أو البطَّانيات.. ليُعلِّقوها من الداخل على خشب النوافذ.. سألتُ والدي


 

– ماذا سيقصفون في إدلب.. بطيّاراتِهِم؟!
ردَّ مُتجهِّماَ: – عشرة مليون شجرة زيتون!.
وأردف: – لا شيء يستحق القصف.. سوى مَحلَج بيت الغَزَّال ومُوَلِّدَة الكهرباء الذي أنشاها الفرنسيّون.
نظرتُ الى اللمبة الشاحبة؛ كانت لا تُضيء بكامل طاقتها 110 فولت إلا بعد الحادية عشر ليلاً؛ حيث ينام أكثرُ سكان إدلب باكراً؛ وبخاصةٍ.. بعدَ العاشرة حين ينتهي بثُّ التلفزيون.
مضى والدي نحو راديو “الفيليبس″؛ ونحوَ إذاعة صوت العرب.. تحديداً؛ فسمعتُ “أحمد سعيد” يقول آنذاك:
– معارك حامية تدور داخل إسرائيل!.

أدار أبي مُؤشرَ المذياع نحو إذاعة لندن.. فسمعتُ”الياس قريطم” الفلسطينيّ المقدسيّ يقول بصوتٍ مخنوق:
– القوات الاسرائيلية في منتصف سيناء!
سألتُ والدي: – أيهما تكذب علينا؟!
قال: – الإذاعتان.. تكذبان؛ كلّ واحدةٍ.. بطريقتها.
ثم أخفى عنِّي دمعتينِ في زاوية عينيه.
مضت سبعة أيام مذ بدأت حرب حزيران وأبي يُحاول أن يُخفِي دموعه؛ سمعتهُ.. يَهمِسُ لأمي بينما نحن نيام:
– خسرناها؛ زعماؤنا يكذبون.
ثم جاء ابنُ عَمَّتي فاقداً نِصفَ وزنه؛ مُذ جاء أمرُ وزير الدفاع حافظ الاسد بالانسحاب الكيفيّ.. بلا أسلحة؛ تاركاً كلّ المدافع في كتيبته على أرض الجولان بما في ذلك سلاحه الفرديَ؛ وفي الأمر الأسدي.. أيضاً: أن يستبدلَ ثيابَهُ العسكرية بغيرها في أسرعِ وقت؛ حتى لا يقع أسيراً عسكرياً في يد الأعداء الصهاينة!.
تاهَ ابنُ عمتي طويلاً في شِعَاب الجولان؛ حتى أعارَهُ راعي أغنام كلابِيَّةً؛ ودَلَّه على الطريق.
خلال التيه.. أكلَ ابن عمتي “هشام مكانسي” من أعشاب الأرض حتى أُصِيب بإسهالٍ شديد؛ ثمّ قَسَمَ الراعي زَوَّادته ناصحاً إيّاه ألا يمشي في أرض مكشوفةٍ أو عالية.
ثمَّ دَقَّ بابَنَا في إدلب.. بعد أسبوعٍ؛فتحتُ دَرفَةَالباب.. فإذا هو بجلابيّة الراعي وبذقنٍ خشنة.. فلم أعرفه؛ قلتُ:
– مين بدّك يا عمّو؟!.
فأُجهِشَ بالبكاء كطفلٍ صغير؛ وخرجَ والدي فعرَفَهُ وأدخَلَه.

لُمتُ نفسي لأنّي لم أعرفه؛فاعتذرت له حين خرج من الحمّام وقد ارتدىإحدى بيجامات والدي؛ وضحك اخي عامر لأن بنطال البيجاما كان قصيراً عليه؛ حتى لكأنّه شورت فوج الكشّافة القريب من بيتنا؛ قال ابنُ عمّتي:
– تركنا المدافع مع طلقاتها؛ لم نُطلِق قذيفة واحدة؛ هزمونا بسِربِ طائراتٍ وبستِ ساعاتٍ فقط؛ ثمَّ هزمنا وزير دفاعنا حين قال للجيش: – انسحبوا؛ بقيتُ أحومُ حولَ الكتيبة 3 أيام بعد أن غادرها كلُّ الضباط وصفّ الضباط والجنود في انسحابٍ كَمِّيٍ وكَيفِيٍّ معاً؛ كانت “جَبَّاتا الزيت” أقربَ قريةٍ لكتيبتنا على مسافة ساعةٍ بسيارة الزيل العسكرية؛ لقّمتُ أحدَ المدافع وحدي؛ قلت لنفسي.. لو أنّ جندياً اسرائيلياً واحداً جاء من ناحية جَبَّاتا الزيت.. فسأقصفه؛ طوال ثلاثة أيام وأناأُحدِّقُ في خط الأفق ولا أحد يأتي؛ نمتُ واستيقظتُ وبكيت.. كيف انهزمنا هكذا.. كيفياً؟!؛ لو أننا قاتلنا ثم انهزمنا.. لكان في ذلك بعضُالعَزَاء!!.
قالها ابنً عمّتي وهو يجهش بالبكاء من جديد؛ وأنا كنتُ في الثامنة من عمري وقتها؛ ولم أكُ قد رأيتُ رجلاً يبكي؛ فخرجتُ الى باحة الدار وأنا أشعرُ بالاختناق.. وبالعارِ ذاتِه الذي كان يُبكي ابن عمتي؛ وفي عَتمةِأرضِ الدار رحتُأبكي مِثلَهُ.. بصمتٍ ذليل
------------
الفيحاء نت
 


نجم الدين سمان
الثلاثاء 6 يونيو 2017