نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


شخصيات خالدة جسدت المرأة في الروايات العالمية




مرت 200 سنة على ميلاد الكاتبة شارلوت برونتي التي أوجدت في روايتها "جين إير" أكثر البطلات تميزا في عالم الأدب القصصي. سامانثا إليس تشرح سر خلود بعض البطلات اللاتي ظهرن في الأدب العالمي.


شارلوت برونتي
شارلوت برونتي
قبل 100 عام، جلست الأديبة الإنجليزية فرجينيا وولف لإعادة قراءة رواية "جين إير"، وذلك بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لميلاد مؤلفتها شارلوت برونتي. حينئذ، كان قد ساور وولف قلق من أن تبدو الرواية قديمة، لكن بدلا من ذلك، انغمست في قراءتها وفرحت للغاية لأنها لم تتمكن من وضعها جانبا. وعندما أكملت قراءتها، تساءلت عن كيفية إنجاز برونتي لهذا العمل.

كيف كتبت رواية لا تزال تبدو حديثة جدا بعد مرور سنوات عديدة على إصدارها؟ وحسمت وولف الأمر بأن السر في ذلك كان البطلة التي تخللت كل سطر، وكل صورة في تلك الرواية.

وكتبت وولف تقول: "إذا فكرنا في روتشستر، علينا أن نفكر في جين إير. إذا فكرنا في المروج، فهناك جين إير. إذا فكرنا أيضا في غرفة الرسم وحتى تلك السجاجيد البيضاء التي بدت وكأن أكاليل رائعة من الزهور وضعت عليها، ورف الموقد الباروسي مع زجاجه البوهيمي بلونه الأحمر القاني، والمزج العام للثلج والنار- ما كل ذلك سوى جين إير؟"

ها قد مضت مئة سنة أخرى، ولا نزال نشعر بأن جين إير لا تزال موجودة. فمطالبها من أجل تحقيق العدالة والسعادة تبدو حقيقية وهامة وملحة تماما كما كانت تبدو لوولف وربما لشارلوت نفسها.

لقد أحبت وولف رواية "مرتفعات وذرينغ" أيضا- وكانت تعتقد أن إيميلي برونتي (شقيقة شارلوت) هي الشاعرة الأفضل بين شقيقاتها- ووجدت أن البطلتين "كاثرين" اللتين حملتا الاسم ذاته في رواية "مرتفعات وذرينغ" يمكن اعتبارهما "أكثر امرأتين محبوبتين في الأدب القصصي الإنجليزي".

وهذا وصف مذهل قد يفاجئ الكثيرين، وقد يعتبرونه مفارقة لأن بطلتي "مرتفعات وذرينغ" لا يمكن اعتبارهما جديرتين بالمحبة. فكاثي الجامحة العنيدة ليست محبوبة تقليديا.

لذلك فهي تعتبر بطلة بالنسبة للفتيات المهذبات اللواتي يرغبن في تخيل أنهن سيئات؛ ويرغبن في تخيل أنفسهن يجرين في المروج في الرياح المتقلبة، ويقعن في غرام شرير بقلب حجري، ويبادلهن الغرام بجنون بحيث أنه يصر أسنانه غضبا ويضرب رأسه بشجرة حتى ينزف.

وبالنسبة لجماهير "مرتفعات وذرينغ" الرافضة للتغيير فإن حكاية جين إير التي تتمحور حول العمل الجاد والصبر والزواج من رئيسها لا يمكن مقارنتها بحكاية مرتفعات وذرينغ.

فمن النادر إيجاد قارئ يحب البطلتين. ويشير قراء جين إير إلى أن كاثي متعجرفة وأنانية وعنيفة (وهم محقون في ذلك). كما أنها بائسة في معظم أجزاء الكتاب ومجنونة في بعضها ولا تصل في حياتها إلى نهاية سعيدة.

Image caption لوحة فنية رسمت للأخوات شارلوت، وإيميلي، وآن برونتي

أما جين فهي جريئة جدا! ذكية ولا تخشى من إظهار ذلك. تتمسك بمعتقداتها وحقوقها وتحصل على ما تريد. ومن الصعب ألا نعجب بها عندما تسأل روتشستر، "أتعتقد، لأنني فقيرة وغامضة وبسيطة وصغيرة، أنني بلا روح وبلا قلب؟ اعتقادك خاطئ!"

أو عندما تصر على أنها تتحدث إليه "وكأن روحينا مرتا بالقبر ووقفنا عند قدمي الإله سواسية- كما نحن!". وفي هذا تناقض صارخ مع تصريح كاثي عندما قالت: "أنا هيثكليف!" أي أنها وهيثكليف شخص واحد.

وهذا يجعل الحب يبدو وكأنه دمج مروع وفقدان للذات. ومع ذلك فالحب أحيانا يبدو كذلك (وبالنسبة لي شخصيا فإن كاثي هي البطلة الوحيدة، وقد اعترفت بذلك منذ وقت طويل).

أحد أسباب خلود بطلات برونتي هو أن الجدل حولهن يشكل متعة كبيرة. فلا يمكن الوصول إلى إجماع في الرأي حول شخصياتهن لأنهن معقدات بشكل رائع. فهن فوضويات، وصعبات المراس، وكل ذلك يجعل الجدل حولهن أكثر متعة.

عندما حاولت شارلوت تبسيط كل الأمور في رواية "شيرلي"- وهي روايتها الثانية بعد جين إير- مانحة كل العاطفة لبطلة واحدة وكل الإنكار لأخرى، فقد استنزفت الحياة من كل منهما. فلا شخصية شيرلي ولا شخصية كارولاين تثير اهتمام القراء وتفانيهم كشخصية جين أو كاثي.

في رواية "فيليت"، عادت شارلوت لأفضل ما فعلته وهو خلق البطلة لوسي سنو التي كانت شهوتها وغضبها في حالة حرب دائمة مع محاولاتها الجادة لأن تكون رائعة وهادئة.

وتقول:" أنا، لوسي سنو، كنت هادئة"، ونحن نعرف أنها كاذبة، وذلك الصراع في شخصية لوسي هو ما يجعلنا نستمر في القراءة.

وكانت هذه الرواية هي التي جعلت الشاعر الإنجليزي ماثيو آرنولد يقول إن عقل شارلوت خال من كل شيء سوى "الجوع والتمرد والغضب".

لم تحظ لوسي بشعبية كشعبية جين، ربما لأنها كانت شخصية صعبة المراس وذات طبع معاد يخلو من المرونة؛ راوية لا يعتد بشهادتها، وبطلة ترفض أن تكون بطلة. لكنني أتساءل إن كان سيأتي وقت تتغير فيه النظرة لهذه الرواية.

في عصرنا الحالي، يرفض معظم القراء البطلات المحبوبات. إذ دأب الروائيون على نصرة الفتيات الشقيات والشريرات والمعاديات للبطلات من الفنانة البغيضة في رواية المرأة في الطابق العلوي لكلير مسعود إلى إيمي المضطربة عقليا في رواية فتاة غائبة لغيليان فلين، إلى سارق جن في رواية بيارة الليمون لهيلين وولش.

وربما تتفوق لوسي على جين في يوم من الأيام. أو ربما تحظى بطلات آن برونتي بالاهتمام. إذ كانت آن، التي لم تحظ أبدا بالاهتمام الذي حظيت به شقيقتها شارلوت، في الواقع أول من كتب عن تحقيق المربية للرضا في روايتها "أغنيس غري". وفي روايتها الثانية العدائية "نزيل قاعة وايلدفيل"، تهرب بطلتها هيلين غراهام من زواج مهين لصياغة حياة مستقلة.

وقد كرهت شارلوت ذلك الكتاب وبذلت قصارى جهدها لإخفائه بعد وفاة آن، إلا أن المناصرات لقضايا المرأة اكتشفنه ثانية، وعملت سام بيكر مؤخرا على إعادة صياغته بطريقة ذكية في روايتها المثيرة المرأة التي ركضت، وهي عن مصورة حرب مختبئة في يوركشاير.

وهذا سبب آخر في أن قصص البطلات في روايات برونتي لا تزال تقرأ بحماس شديد؛ وتعاد كتابتها باستمرار. فلا يمكننا أن نحدد شعورنا إزاءهن لذا نستمر في العودة إلى القصص وننسجها بطرق مختلفة. والروايات قوية بما فيه الكفاية لتحمل القدرة على إعادة الإنتاج والصياغة.

فقد وجدت الروائية جين ريس في رواية جين إير إشكالية كبيرة بحيث قلبت المشهد في بحر سارغاسو الواسع وحولت المرأة المجنونة فيه إلى بطلة. وفي العام الماضي، ذهلت لدى اكتشاف رواية "نيلي دين" لأليسون كيس التي تضع شخصية مدبرة المنزل في رواية مرتفعات وذرينغ في مركز الصدارة.

وهناك وفرة في إعادة الكتابة في مجموعة القصص القصيرة الجديدة لتريسي شافاليير بعنوان "أيها القارىء، لقد تزوجته" - (في إشارة إلى روتشسترالذي كانت تحبه جين)، والتي يستجيب فيها 21 كاتبا لجملة جين الأكثر شهرة.

ولو كتبت الشقيقات الثلاث برونتي قصص بطلات أكثر وضوحا، لما ألهمن مثل هذا الأدب القصصي الممتاز للكتاب المعجبين. فلأنهن يذهلننا ويأسرننا لا يدعننا نتركهن.
"ثلاث شقيقات عجيبات"

ويعود ذلك أيضا إلى أن الشقيقات برونتي أنفسهن أصبحن بطلات. فإذا عرفتم شخصيات جين، وكاثي، وهيلين، فإنكم أيضا تعرفون الشقيقات شارلوت، وإيميلي، وآن برونتي. ومنذ أن كتبت إليزابيث غاسكل روايتها حياة شارلوت برونتي عام 1855، بدت شارلوت وشقيقتاها مفعمات بالحيوية مثل أي شخصية وضعنها في رواياتهن.

وحتى شارلوت التي قالت ذات مرة إنها تريد "أن تكون معروفة إلى الأبد"، لم تكن لتتصور أن 70,000 شخص سنويا يدفعون أموالا ليتجولوا حول منزلها، يحدقون ويذهلون لرؤية جواربها التي وضعت في دولاب زجاجي للعرض.

في الوقت الراهن، يبني طاقم تصوير نسخة طبق الأصل من منزل القسيس حيث كبرت شارلوت في المروج، وأنا لست الوحيدة من معجبي برونتي التي تتابع بلهفة تقدمها على موقع أخبار كيغلي. ولا تزال "الشقيقات الثلاث العجيبات" كما دعاهن الشاعر تيد هيوز، وبطلاتهن ساحرات.

فأي من البطلات الحديثات سنظل نقرأ عنهن بعد مائتي عام؟ لا أعتقد أننا نهتم كثيرا ببيلا سوان صاحبة رواية شفق ستيفاني ماير. وعلما بأن رواية بيلا المفضلة هي مرتفعات وذرينغ إلا أن صديقها مصاص الدماء يكرهها.

وبالنسبة له فإن "الشخصيات أناس مروعون يدمرون حياة بعضهم البعض". (وهو نفسه شخص من نوع سيء). والحب الثلاثي في الشفق يدين بالكثير لقصة كاثي من حيث تمزق قلبها بين رجلين، ولكن على عكس كاثي، فإن بيلا تبدو كغبية خرقاء.

هنالك انعكاسات أكثر لمرتفعات وذرينغ في ثلاثية ألعاب الجوع لسوزان كولنز. كاتنيس إفردين تعيش مستقبلا بائسا بحيث يتعين على الأطفال القتال حتى الموت على شاشة التلفزيون. وعليها أن تختار بين رجلين، خباز طيب يدعى بيتا (وهو بالأساس إدغار) وصياد متمرد يدعى غيل (وهو يدين بالكثير لهيثكليف).

ويزيد من تعقيد الخيار كفاح كاتنيس للبقاء على قيد الحياة وصحوتها السياسية. ويمكنكم الجدل بأن النهاية تقليدية جدا أوالجدل حول ما إن كانت كاتنيس اختارت الخيار الصحيح أو حول السياسة- ولكن مجرد حقيقة أن هنالك الكثير مما يثير الجدل يجعلني أعتقد أن كاتنيس بطلة سوف تدوم.

اعتقدت فرجينيا وولف أن شارلوت برونتي كانت واحدة من أولئك الكتاب المدعومين بـ "القوة الجامحة" التي دائما ما تكون في حرب مع التقاليد والمسلمات، وهو ما يجعلهم يرغبون في في الإبداع.

وفي رواياتها، تخلق وولف بطلات مثل بطلة رواية "إلى المنارة" للكاتبة ليلي بريسكو (وهي مدبرة منزل أخرى)، والتي تعثر أخيرا على قوة صوتها، وتدرك حماسها، والتي لا يمكن احتواء عواطفها، ولا حتى في صفحات الكتاب.

وربما لهذا السبب حقا تستمر تلك البطلات، لأنهن يجعلن مشاعرنا الدفينة منذ زمن بعيد تعود إلى الحياة.

بي بي سي
السبت 30 أبريل 2016