نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


في الداعشية




عندما تكون الصورة بألف كلمة لا يمكن لمتابع الإعلام الاجتماعي بفيسبوكه وتويتره ويوتوبه بغثه وسمينه أن يغفل الصور المتلاحقة التي حملت معها برد روسياً ورجال الكنسية الأرثوذوكسية الروسية يباركون الطائرات الروسية المقاتلة والتي تحمل الموت لبني سورياستان في الحرب المقدسة على الإرهاب.


  إنما عن أي إرهاب يتحدثون؟ يأتيني هنا كعادته بابتسامته الساخرة وشعره الأشعث العم أينشتاين ونظريته في النسبية. فالإرهاب كما يراه الروس هو أي فصيل معارض لوجود ربيبه الأسد وأي مدني يقع ضمن المناطق التي فقد أسده السيطرة عليها منذ زمن بغض النظر إن كان الهدف مشفى أو مدرسة أو بيوتاً لمدنيين. هذا الإرهاب بطبيعة الحال يختلف عن إرهاب الأنظمة التي تطلق طائراتها محماة بالبراميل المتفجرة لتطيح برؤوس مدنييها، هذا بالنسبة للروس هو تماماً تعريف مكافحة الإرهاب.
أما الداعشية والتي أصبحت على حد زعمي مذهباً ينطبق على كل متعصب يؤمن بتكفير تفكير الغير وقتل مخالفه وتصوير العملية كحدث سينمائي عالي الجودة ليصبح الغول الذي يخيف به كل من لا يحب له وجوداً على الأرض.
أما فكر التكفير فهو قديم قدم التاريخ، وقد واجهته كل شعوب الأرض، فالإنسان عدو ما يجهل من حيث المبدأ فماذا لو أن بيد الجاهل سلطة يرى أنها ممنوحة من الرب فينعم على من يرضيه رأيه بالجنة ويلقي بالمخالف لسلطة ورأي الجماعة في النار؟
يستنكر كثير من المسلمون ممارسات الكنيسة في قرونها الوسطى بما كان يعرف بعصور الظلمات حيث عانى العلماء والمفكرون على اختلاف اختصاصاتهم من ملاحقة الكنيسة لهم حيث كال لهم سدنتها شتى صنوف التعذيب تحت ذريعة تعاطي السحر فقد لاحقت كوبرنيكوس الذي هز قناعات الكنيسة وخالف الاعتقاد السائد والذي كان راسخاً حينذاك بتسطح الأرض وحين أتم أبحاثه برونو حرقه رجال الكنيسة على الملأ بتهمة الكفر. أوقن رجال الدين المسيحي في تلك الحقبة أن الأمراض كلها رجس من عمل الشيطان، أما الأطباء، فقد أمر البابا بيوس الخامس بتسميتهم أطباء الروح لأن الأمراض تأتي من شرور الشياطين والأرواح الشريرة والعياذ بالله. أما التقصير في دفع العشور للكنيسة، فكان السبب المباشر الحتمي للصواعق والبرق والزلال.
غير أن ما يجهله كثير من المسلمين، الذين تعج ساحات بلادهم وأزقتها وشوارعها بأسماء علماء يفتخرون بتاريخهم العظيم وإنجازاتهم الجليلة، أن هؤلاء العلماء والشعراء والمبدعين قد كُفروا وعُذبوا وحُرّقوا باسم السلطات التي نصبت نفسها سلطة الرب على الأرض. ابن تيمية الذي يمجّده شباب اليوم من أشد المسلمين ورعاً على امتداد العالم العربي على سبيل المثال قد كفّر العالم جابر بن حيان وهو النجم الساطع في عالم الكيمياء، ولم يكتفِ بذلك بل أفتى بتحريم الكيمياء أيضاً جملة وتفصيلاً. أما ابن سينا الطبيب الأكبر، فقد نعته ابن القيّم بإمام الملحدين الكافرين بالله. وما قيل في الرازي على لسان ابن القيّم فأقله أنه ضال مضلل، وكذلك الفارابي والكندي وغيره كثر.
نعود إلى الداعشية في ثوبها الجديد القديم المتجدد، أما بعد والحديث يطول فإن الداعشية مذهب المتعصبين من كل بني آدم وليست حكراً على دين بعينه، وكل إنسان لا محالة يضم بين جنباته داعشياً صغيراً يظهر للعلن عند وجود رأي مخالف لما اعتاده وتربى عليه سواء كانت في علوم الدنيا أو الدين.
لكن كيف ولد هذا الداعشي وكيف تربى في دواخلنا دون أن نشعر؟ إنه ببساطة يولد من الاستحقاق الذاتي المبني على الميزة القومية أو الدينية أو العلمية أو العائلية أو القبلية أو العشائرية التي يجد بها الفرد نفسه عندما يولد ويترعرع في كنف الانتماء غير العائد لدولة القانون. الدولة التي يسود بها الفساد وتزدهر فيها المحسوبية ولا تساوي بين أفرادها في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين أو العائلة، هنا يكبر الداعشي وينتظر الفرصة الملائمة للظهور والطعن بكل مخالف مستدلاً على ذلك بأدلة من كتابه سواء كان قرآناً أو إنجيلاً أو زبوراً أو غيره، حامداً ربه أنه ولد مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً.
إذاً كيف نغتال هذا الداعشي الصغير؟
لا يمكن أن نتمكّن منه فعلاً وممارسة إلا بوصفة سحرية بسيطة ملخصها تقييم الغير على أساس القيم الأخلاقية المشتركة والتعامل معه على هذا الأساس، وإدراك أن المجموعات البشرية التي تقطن بقعة جغرافية متقاربة إما تعيش معاً أو تموت متخالفة، والتسلح بالعلوم والمعارف التي تصفع الداعشي الصغير كلما حاول أن يبرز رأسه، وإيقان أن الدين الذي ولد عليه ولم يختره يأمره مهما اختلف على احترام الغير وأن الرحمة التي وضعها الله في صدره هي أساس التعامل مع الآخر مهما كان دينه، بالإضافة إلى الأهم وهو العمل على إحقاق دولة القانون. الدولة التي لا تسمح لأحد مهما كان التطاول على الآخر وأن الجميع متساوون تحت مظلتها بالحقوق والواجبات، وأن هذا الداعشي سينال منه قبل غيره إن سمح له بالتطاول ولم يقمعه بكل ما أوتي من صبر وحكمة.
ربما سيظل هناك دواعش في كل زمان ومكان، وسيحمل المستقبل مزيداً من الدواعش، إلا أن الأمل معقود على عقلاء كل زمان ومكان للعمل على نشر الفكر المتوازن وإيجاد الحلول التي لا تسمح بانتشار هذه النماذج والانتماء إلى قيم الإنسان والإنسانية والبناء عليها.
---------- 25/10/2015
 صفحة كاتبة المقال فيسبوك
 
 
 
 

سمة عبد ربه
الثلاثاء 14 مارس 2017