نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


قسنطينه تضع مهرجانات الجزائر الثقافية في عين الإعصار




الجزائر - عندما افتتحت تظاهرة " قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015" في 16 نيسان/ ابريل الماضي، كان قطاع كبير من الجزائريين يعتقد أن المسؤولين حفظوا الدروس من التجارب الماضية وأن الأمر سيكون مخالفا للصورة القاتمة التي رسمتها المهرجانات السابقة، لكن بعد نحو خمسة أشهر، لم يتبدل واقع الحال، وكأن هذه المهرجانات باتت عنوانا للبهرجة وهدر المال العام، وليس لخلق تقاليد ثقافية تدفع بالبلد إلى الأمام مثلما يقول المتشائمون، فيما يرى المتفائلون أن التركيز دوما على الأشياء السلبية والسعي لإبرازها في العلن لا يخدم بالضرورة المصلحة العامة


 .

" المهرجان الثقافي الأفريقي" و" سنة الجزائر بفرنسا 2003" و" الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007" و" تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011" و" قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015" و" مهرجان وهران للفيلم العربي" و"مهرجان جميلة العربي" ومهرجان " تيمقاد الدولي" و" ليالي الكازيف"، هي ابرز العناوين لأضخم المهرجانات الثقافية والفنية والسينمائية التي قررت الجزائر استضافتها وتنظيمها منذ مطلع الألفية، متحفزة بأيام الرخاء عندما كان سعر برميل النفط يتجاوز 100 دولار، لكن تهاوي أسعار الذهب الأسود وتراجع إيرادات البلاد إلى النصف، جعل الجميع يضع علامات استفهام كبرى حول مستقبل هذه المهرجانات التي كلفت ولا زالت مئات ملايين الدولارات.

أحصت وزارة الثقافة في الجزائر البلد الذي يعتمد بنسبة كبيرة جدا على إيرادات النفط والغاز، 176 مهرجانا رسميا ينظم سنويا في مجالات المسرح والسينما والكتاب والغناء والرقص والشعر والخط والموضة والمديح والتراث وغيرها. رقم يضع الجزائر بلا شك على قائمة الدول الأكثر نشاطا وحتى إنفاقا في المجال الثقافي، وهو بالفعل رقم ضخم يفترض أن يحدث ثورة في الحراك الثقافي وحتى في ذهنيات الجزائريين.

يقول الإعلامي والكاتب عز الدين ميهوبي، الذي عين في مايو الماضي وزيرا للثقافة بعد تجربة أولى على رأس وزارة الاتصال (الإعلام)، انه حتى لو ارتفع سعر برميل النفط إلى 150 دولارا، فان منطق التسيير يفرض عليه ترشيد النفقات.

مشددا على انه يرفض مثلا إقامة ستة مهرجانات تحمل نفس الاسم وتعالج نفس الموضوع في عام واحد بمدن مختلفة. ويقترح ميهوبي، تقليص عدد أيام التظاهرات الثقافية، وتنظيم مهرجان واحد " ذو قيمة وثقل على الساحة الثقافية" كل عامين أو ثلاثة بدلا عن كل عام، وهو ما شانه أن يوفر للوزارة والحكومة معا أموالا هما بحاجة إليها.

وفعلا شكلت لجنة على مستوى وزارة الثقافة مكونة من مهنيين وإداريين وخبراء يعملون على رسم خارطة جديدة للمهرجانات الجزائرية، حيث ستتولى تقديم اقتراحاتها بخصوص تلك التي ستبقى وتحظى بدعم مادي حكومي وتلك التي ينبغي أن "تزول" ولو إلى حين.

لكن مختصين يرون أن المهرجانات الثقافية في الجزائر تحولت إلى مصدر للكسب غير المشروع معتبرين أنها لم تجلب أية قيمة مضافة للجزائر ولم تفد الجزائر في شيء.

ويذكر أحمد وهو متابع للشأن الثقافي، بالخروقات التي سجلها مجلس المحاسبة في تسيير وزارة الثقافة وخاصة تظاهرة " تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية" في عهد الوزيرة السابقة خليدة تومي. كما يشير إلى اتهامات " المحاباة" الخطيرة التي وجهتها، لويزة حنون، زعيمة حزب العمال اليساري، إلى نادية لعبيدي التي خلفت تومي، على رأس الوزارة، وهي معطيات تدل حسبه على أن هذا القطاع يلفه الكثير من الغموض بفعل تنوع المصادر التي يمكن أن تقود إلى الثراء الفاحش وبطرق سهلة.

ويرى أحمد رزاق وهو فنان ومخرج مسرحي، أن ما يهم في الحقيقة هي السياسة الثقافية المنتهجة ومدى احترام المعايير المطلوبة وتطبيق القوانين، معتبرا أن هذه السياسة مبنية حتى الآن على علاقات وصداقات وليس على استراتيجية واضحة هدفها خدمة القطاع والبلاد. كما يعتبر انه من الخطأ تحميل المسؤولية للحكومة عن طريق اتهام الوزير أو مسؤول أخر.

ويدعو الناشط المسرحي فتح النور بن إبراهيم، إلى ضرورة البحث عن أشخاص أكفاء بإمكانهم تقييم العمل الثقافي ويعود لهم حق تحديد الكم والكيف.

غير أن الوزير ميهوبي، يطمئن ويؤكد أن صلاحيات تسيير المهرجانات ستمنح للمهنيين والمحترفين، فيما يتكفل الإداريون بالشؤون الإدارية ومراقبة الشأن المالي والتنظيمي. مشددا على أن المرحلة القادمة ستقتضي انتهاج أسلوب آخر في التعامل مع تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية دون أن يعني ذلك إطلاقا إلغاء مهرجانات وإنما إعادة نظر في التوقيت والكلفة.

ويعتقد عدد كبير من الفاعلين في العمل الثقافي في الجزائر، أن أهم أسباب فشل المهرجانات والتظاهرات وسقوطها في الارتجال والركود، هو إصرار القائمين عليها على جعلها نخبوية بدلا من التركيز على الطابع الشعبي الضامن الرئيس لأي نجاح.

وكمثال على هذه الفوضى، يؤكد المخرج عقباوي الشيخ، أن الجنوب مثلا يشارك وكأنه ضيف شرف في مختلف المهرجانات في وقت كان يفترض أن يكون رقما فاعلا فيها على اعتبار أن الجزائر بلد واحد لا يتجزأ إلى شمال وجنوب، في إشارة إلى "الإقصاء الإرادي" الذي يتعرض له مثقفو هذه المنطقة، دون ان يتحرك احد فيما يبدو لتصحيح هذا " الظلم".

ويحاول الأستاذ الجامعي والباحث، عبد السلام يخلف، تفسير العثرات التي وقعت فيها فعالية " قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، فيقول، أن المدينة لم تتهيأ كما يجب لهذا الحدث، والدليل على ذلك هو الشوارع التي تحولت إلى ورشات ومازالت، فضلا عن غياب أناس محترفون لهم سوابق محترمة في مجال تخصصهم كان يمكن بفضلهم تفادي الهواة والارتجال، إلى جانب عدم إشراك شخصيات وطنية وقلة التحضير على المستوى البشري وغياب مرشدين يحاكون تاريخ مدينة قسنطينة.

والظاهر كأن الجزائر لم تتعظ ولم تستفد من آية تجربة خلال تنظيمها لكل المهرجانات السابقة، رغم أنها كلفت خزينة الدولة أموالا طائلة، وهو ما يذهب إليه علي، عندما يتساءل عن الفائدة التي جنتها بلاده من استضافتها لنشاطات ذات بعد جهوي وإقليمي، ما دام أن نفس الأخطاء تتكرر ونفس النقائص تسجل.

ويفسر وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، ضعف الترويج للمهرجانات التي تقام ببلاده مقارنة بمهرجانات غربية أخرى، بمحدودية الإعلام الجزائري في التأثير خارجيا، حيث برر ذلك بتمركز وسائل الإعلام الثقيلة في العاصمة الجزائر. وفي نفس الاتجاه يذهب سامي بن الشيخ، محافظ تظاهرة " قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، عندما يشدد على النقص الملحوظ في المحور المتعلق بالاتصال مشيرا إلى رغبة قوية في تصحيح الأمور وتدارك الخلل فيما تبقى من عمر المناسبة.

بينما يخلص الباحث عبد السلام يخلف، إلى أن الطامة الكبرى هي غياب الإعلام، مشيرا إلى أن القائمين على النشاطات يرون أنه بمجرد طبع آلاف المطويات واللافتات والأوراق الملونة تنتهي مسؤوليتهم، إلا أن الحقيقة أنها تبدأ من هنا.

ورغم كل النقائص التي سجلت والانتقادات العنيفة التي صاحبت تنظيمها، إلا أن هناك أشياء ايجابية حققتها الجزائر من خلال استضافتها لهذه المهرجانات، إذا ما تم النظر إلى المرافق والصروح الثقافية من قاعات للسينما ومسارح وهياكل أخرى، التي أنجزت بعديد المدن ستعود بالفائدة على الناس لأعوام طويلة، وإنتاج الأفلام وطبع الكتب وتحرير الإبداع والمبادرات رغم أن البعض يصفها بالقليلة، كل ذلك يقول بفضل الاستثمارات التي قامت بها الدولة، فضلا عن عودة الحياة لنشاطات عديدة أصيبت بالشلل التام لفترة طويلة جراء موجة العنف التي عرفتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي.

وبلغة المتفائل يرى ميهوبي، أن الحياة الثقافية في الجزائر تسير إلى حيوية اكبر مستدلا بنشاط المسارح التي تقوم بإنتاج مسرحيتين أو ثلاث كل عام لافتا أن إحصاء صالات العرض وتنظيم عملها مع إمكانية الاستنجاد بالخبرة الأجنبية في تسييرها واعتماد الشفافية وترشيد النفقات سيقود بالتأكيد الثقافة الجزائرية مستقبلا إلى ما هو أفضل.

د ب ا
الخميس 27 غشت 2015