نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


كولِن باول ورؤية ٢٠٣٠ !؟






الفيلم الوثائقي "أكبر مِن أن تَفشَلْ: خفايا قصة كفاح وول ستريت وواشنطن لإنقاذ النظام المالي وأنفسهم Too Big to Fail: The Inside Story of How Wall Street and Washington Fought to Save the Financial System—and Themselves"، يَصِف كيفية تَكوُّن وانفجار فقاعة الرَّهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية (والعالم) في عام 2008م، وتداعياتها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.


 

من شَاهَدَ هذا الفيلم، سَيُدرِك كيف كَفَرَ الرئيس الجمهوري جورج بوش الإبن ووزير ماليته هانك بولسون Hank Paulson بجميع أركان وأُسُس النظرية الرأسمالية والسوق الحر الذي يقوم عليه ويُنافِح عنه الحزب الجمهوري الأمريكي، والتي تَتَلَخَّص في جُملة واحدة: من لا يستطيع المنافسة في السوق الحر، فليُفلِس ويَخرُج من السوق، مهما كانت أخطار وتداعيات خروجه.

وحتى لا يَسقُط الاقتصاد الأمريكي في هاوية الكساد الاقتصادي جَرَّاء كارثة الرَّهن العقاري، إلتزمت الحكومة الأمريكية في نهاية رئاسة جورج بوش الإبن (2008م) بتنفيذ توصيات وزير المالية هانك بولسون بضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي. حيث أقرَضَت الحكومة شركة جي إم للسيارات GMC حوالي 56 مليار دولار لتحميها من الإفلاس، وسمحت لشركة فيات الإيطالية شراء شركة كرايسلر الأمريكية. كذلك سمحت الحكومة ودعمت إندماج البنوك في مخالفة صارخة لأنظمة المنافسة، حيث نَتَجَ عن هذه الاندماجات ظهور ثلاثة بنوك عملاقة (ويلز فارجو، بنك أمريكا، وجي بي مورجان تشيس)، موجودات كُلً منها تجاوزت تريليوني دولار. ليس هذا فحسب، بل سَطَرَ الاقتصادي الشهير بول كروجمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008م، المقال تلو المقال يَحُثّ فيها حكومة الرئيس الديمقراطي الجديد باراك أوباما على استمرار الحكومة في ضخ الأموال في الاقتصاد الأمريكي لمنعه من الإنزلاق في هاوية الكساد الاقتصادي Economic Depression.

وهكذا، فعلى الرغم من ضخامة الدَّينْ الحكومي الأمريكي آنذاك الذي تجاوز تسعة ترليونات دولار، إلا أنَّ سياسة التَّوَسُّع في الإنفاق الحكومي إبَّان أزمة الرَّهن العقاري، نَجَحت في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي وخروجه من هذه الكارثة الاقتصادية الخطيرة في أقل من خمس سنوات، في حين لا تزال دول غربية عديدة تعاني منها.

 

التاريخ يُعيد نَفسُـه !؟

يا تُرى، ما مُناسَبَة إجترار أحداث الكارثة الاقتصادية العالمية للرَّهن العقاري !؟

المناسبة تَتَمَثَّل في الوضع الراهن للاقتصاد السعودي. فانهيار أسعار البترول من مستوى 140 دولار للبرميل في صيف 2008م إلى 32 دولار خلال ستة أشهر (ديسمبر2008م) وصولاً إلى مستويات العشرين دولار قبل عِدَّة أشهر، ثُمَّ إرتفاعها لتُراوِح بين 30-50 دولار، يُشبِه تماماً كارثة الرَّهن العقاري العالمية.

فبعد أنْ كانت الإيرادات الحكومية منذ عام 2000م تُسجِّل فائضاً مالياً تزايد سنوياً حتى قَارَبَ إجمالي الميزانية الحكومية، أصبحت الميزانية الحكومية حالياً تُعاني عجزاً مالياً يُقارِب نصف الميزانية الحكومية. بالطبع، الحكومة السعودية ليست مُهَدَّدَة بالإفلاس خلال السنوات القليلة القادمة، لا من قريب أو بعيد. والسَّبب هو ضخامة الاحتياطي النقدي الذي جَمَعَته الدولة خلال السنوات العشر الماضية إبَّان ارتفاع أسعار النفط الخام، والذي يُقارِب 500 مليار دولار أمريكي.

ولكن يا تُرى، ماذا كانت رَدَّة فِعل مسؤولي الـماليـة والاقتصاد والتخطيط في الحكومة السعودية تجـاه كـارثة انهيار أسعار النفط الخام منذ صيف 2008م، وتسبَّبها في العجز الكبير لميزانية العام الماضي !؟

لقد كانت عَكس رَدَّة فِعل أقرانهم الأمريكان إبَّان كارثة الرَّهن العقاري. حيث لم تكتف وزارة المالية هذا العام (2016م) بسياسة مالية تقشُّفيَّة أو إنكماشية من خلال وقف إنفاقها على مشاريع جديدة فحسب، بل خَنَقَتْ أهم قطاع اقتصادي لديها، وهو قطاع التشـييد والبناء (المقاولات)، وذلك من خلال وَقف صَرف مُسـتَحقاتهم المالية عن مشاريع أو أجزاء منها تَمَّ إنهاؤها، ويستحقون عليها دفعات مالية، وكأنَّ هذا القطاع مُستَقِّل تماماً عن بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى، ولا يُؤثِّر عليها أو يتأثَّر بها.

فما الذي حَدَث للاقتصاد السعودي خلال العام المالي الحالي 2016م، جَرَّاء هذه السياسة المالية الإنكماشـية الخطيرة جداً !؟

النتيجة هي خروج أعداد كبيرة من شركات ومؤسسات قطاع التشـييد والبناء (المقاولات)، بل يُعاني عِملاقي المقاولات السعودية (بن لادن وسعودي أوجيه) من حَشرَجَات الموت. ليس هذا فحسب، بل أنَّ بعض المقاولين دخل السجن بسبب ديون عليهم من دائنين تأخَّروا في سدادها، نتيجة وَقف الدولة صرف مستحقاتهم المالية عليها.

ثُمَّ يأتي الدليل الصارخ على سوء تقدير القائمين على السياسة المالية والتخطيطية بشأن عدم علاقة قطاع التشـييد والبناء (المقاولات) ببقية القطاعات الاقتصادية، وبالتالي ظَنّوا مُخطئين بأنَّ خَنقُهم وتجويعهم له لن يؤثِّر على بقية القطاعات الاقتصادية، وذلك في ظُهور مشكلة الانخفاض الخطير في السيولة النقدية لدى البنوك. هذه المشكلة المالية الخطيرة تُخفي وراءها حقيقة يعرفها طلبة مبادئ الاقتصاد ولكن غابت عن جهابذة السياسة المالية، ألا وهي ترابط وتأثُّر وتأثير قطاعات الاقتصاد ببعضها وعلى بعضها البعض. حيث تُشير أحدث الأرقام المالية تجاوز نسبة القروض لموجودات البنوك 91%، وما صاحَبَ ذلك من انخفاض القدرة الاستثمارية والشرائية للأفراد والمؤسسات، والذي بدوره أثِّرَ على بقية القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والاستهلاكية؛ وهو ما أجبَرَ مؤسسة النقد العربي السعودي مؤخَّراً على ضخ عشرين مليار ريال في البنوك السعودية لزيادة السيولة لديها.

 

كل دواء له فترة صلاحيَّه

هل هذه السياسة المالية الإنكماشـية جديدة على الاقتصاد السعودي !؟

بالطَّبع، لا. وهذا هو أهم سَبَب يتكئ عليه مُهندسوا رؤية 2030. فالاقتصاد السعودي يَمُرّ حالياً بكارثة اقتصادية مشابهة لتلك التي مَرَّ بها في نهاية الطفرة النفطية الأولى (1975 - 1984م)، حيث استعملت الدولة آنذاك نفس التكتيك أو العلاج: "سياسة مالية إنكماشية تَمَثَّلت بشبه إيقاف للإنفاق على المشاريع التنموية، مع وقف أو تأخير غير مُحدَّد المُدَّة لدفع مستحقات مديونياتها للقطاع الخاص"، وذلك للخروج من تأثير إنخفاض إيرادات الدولة جَرَّاء كارثة انهيار أسعار النفط آنذاك من أكثر من 40 دولار للبرميل إلى حوالي ثمانية دولارات.

ولكن المُشكِلَة الاقتصادية في المملكة اليوم، تختلف في تعقيداتها عن قرينتها قبل ثلاثين سنة في ثلاث جوانب:

أولاً: جهابذة الاقتصاد والتخطيط والمالية نسوا وتناسوا حقيقتين جوهريتين لا تخفى على الأعمى: الأولى تتمثَّل في قِلَّة عدد شركات ومؤسسات الإنشاء والبناء السعودية في الطفرة الأولى. والثانية: وهي الأهم، أنَّ الغالبية العُظمى للمشاريع الحكومية وغير الحكومية في الطفرة الأولى نفَّذَتها شركات تشييد وإنشاء عالمية مدعومة من حكوماتها، خاصة الشركات الكورية الجنوبية. وهذه الحقيقة (دعم الحكومات لشركاتها الوطنية) هي التي حالت دون إفلاس تلك الشركات بسبب السياسة السعودية المالية الإنكماشية آنذاك. أما النتيجة المؤلمة محلياً للسياسة المالية الإنكماشية آنذاك، فكانت خروج وإفلاس مئات المقاولين (المتوسطين والصغار) الذين وَلَّدتهم مشاريع الطفرة الأولى، ورافق ذلك بطء نمو الاقتصاد في جميع قطاعاته. وعندما بدأت الطفرة الثانية، إثر تعافي أسعار النفط في نهاية التسعينات الميلادية وبدأت الدولة في زيادة إنفاقها الحكومي، لم تجد الدولة المقاولين القادرين على تنفيذ مشاريع الطفرة النفطية الثانية، مقارنة بالطفرة الأولى؛ وبقية القصة معروفة للجميع بشأن تأخُّر وتعثُّر كثير من المشاريع الحكومية، خلال السنوات القليلة الماضية.

ثانياً: اليوم، الغالبية العظمى لقطاع التشييد والبناء (المقاولات) يتكون من شركات ومؤسسات سعودية، وبالتالي فإنَّ تضييق الحكومة عليها من خلال تأخير مستحقاتهم المالية أو الاستمرار بالسياسة المالية الإنكماشية سيؤدي لا محالة إلى إفلاسهم وخروجهم من السوق، ولا يخفى على لبيب تداعيات مثل هذه الكارثة، لا سَمَح الله.

ثالثاً: السعودية الآن في سباق مع الزَّمن لتحقيق أهداف وطنية تنموية طموحة جداً لرؤية 2030، التي تقوم بصفة أساسية على مشاركة محورية لشركات ومؤسسات القطاع الخاص. والسؤال المحوري في هذا المقام: كيف يُعَوِّل مهندسوا رؤية 2030 على القطاع الخاص للقيام بالدور الأكبر لتحقيق أهداف الرؤية، في نفس الوقت الذي يقوم به مهندسوا الاقتصاد والتخطيط والمالية في خَنْق القطاع الخاص من خلال إيقاف صرف مستحقاتهم المالية على الدولة، مع تقليص كبـير في الإنفاق الحكومي على مشاريع جديدة !؟

 

وَيْلي مِنْك، وَوَيْلي عَليك !؟

لا يخفى على طُلاب السنة الأولى في الاقتصاد أنَّ الاقتصاد السعودي (وبالطبع، الخليجي) قائم ويرتكز بصفة أساسية وكبيرة جداً على إنفاق الدولة الناتج من إيرادات تصدير النفط الخام، بطريقة تشبه النظرية العنكبوتية في مبادئ الاقتصاد، التي مفادها المجازي: كل الطرق تؤدي إلى روما. بمعنى آخر، جميع أجزاء وجُزيئات الاقتصاد السعودي تشرب وتأكل وتَتَنفَّـس من ريالات الإنفاق الحكومي. فـإذا أوقَفَت الدولة إنفاقها لأي سَـبَب، تَوَقَّفت الحياة في أجزاء وجزيئات القطاع الخـاص.

وهذا ما يحدث حالياً في الاقتصاد السعودي. فالعلاقة بين أجزاء الاقتصاد السعودي وإنفاق الدولة، تشبه العلاقة بين ترس المُحرِّك الذي يُشَغِّل علبة التروس (القير) للسيارة. فعندما يتوقف ترس المحرك (وهو إنفاق الدولة)، ستتوقف بقية تروس القير. وهذا بالفعل ما حَدَثَ للاقتصاد السعودي بعد سنوات الطفرة الأولى، ويحدث الآن بعد نهاية سنوات الطفرة الثانية.

فالمؤشِّرات والظواهر الاقتصادية الخطيرة واضحة وضوح الشمس حتى لفاقدي البَصَر والبصيرة، ولا يُنكِرها إلا من يُريد شَــرَّاً بالقيــادة السـعودية، قبل الشَّـعبْ السعودي. وأكبر وأخطر هذه المؤشرات في الوضع الاقتصادي الحالي هي حالات الإفلاس في قطاع المقاولات، وانخفاض إنفاق المستهلك، وانخفاض مبيعات السلع المُعَمِّرَة وشبه المُعَمِّرَة وكذلك السلع الاستهلاكية غير الضرورية.

ولكن يأتي في قِمَّة المؤشِّرات الخطيرة في الاقتصاد السعودي الحالي ظاهرتين خطيرتين:

الظاهرة الأولى: ظاهرة الاندفاع السريع للدولة في رفع إيراداتها غير النفطية، وأقصد بذلك زيادة الرسوم وأسعار السِّلَع والخدمات التي تُقَدِّمها الدولة للمواطن، بدءاً برسوم المياه ومروراً بمخالفات استخدام الهاتف الجوال أثناء قيادة السيارة، وانتهاءً بالطامة الكبرى المُتَمَثِّلَة برسم وزارة العمل لتجاوز شرط السعوَدَة (3200 ريال شهرياً عن كل عامل وافد). هذه الخطورة تتضاعف في حِدَّتها عند النَّظَر في كيفية تحديد مستويات زيادة هذه الرسوم والأسعار، حيث يبدو جَليَّاً ابتعادها عن أي حِكمَة اقتصادية أو حصافة سياسية واجتماعية في تحديد مستوياتها الجديدة أو توقيت فَرضَها. وكأنَّ الهدف من هذه الزيادات الكبيرة في مستويات رسوم الخدمات الحكومية هو "تَحوّل الحكومة من اعتمادها على دخل النفط إلى اعتمادها على دَخْل المواطِن"، كما غَرَّد بهذه العبارة معالي وزير الإعلام السابق الدكتور عبدالعزيز الخضيري.

الظاهرة الثانية: ظاهرة التشـاؤم الخطيرة جداً التي تسود حالياً أجواء أغلب، إنْ لم يَكُنْ، جميع أجزاء وجُزيئات القطـاع الخاص، والتي لا يمكن لومهم عليها في ظِلّ عدم وضوح الرؤية لدى مهندسي الاقتصاد والتخطيط والمالية. وأكبر دليل وسَـبب ومُسَبِّب لهذا التشاؤم هو فُجَائيَّة وغَرابة وكثرة القرارات المُتَعلِّقَة بغالبية أنشطة القطاع الخاص، بل وعموم السُّكان. وظاهرة التشاؤم هذه، هي أخطر وأصعب عَقَبة تنموية تواجهها المملكة منذ بداية الطفرة الأولى، حيث تُشَكِّل عقبة خطيرة أمام التنمية الاقتصادية لأي دولة كانت، فكيف بدولة نامية فَتيَّة كالمملكة تسعى جاهداً لتحقيق أهداف اقتصادية تنموية وطنية عظيمة ونبيلة صاغتها في رؤية 2030 !؟

فإنْ لم تُبادِر الدولة بالاهتمام بأسباب ومُسبِّبات هذا التشاؤم، وتحاول جاهدة لتفكيكها وتوفير العلاج اللازم والسريع، فالعواقب على الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية لا يمكن تَخيُّلها.

 

خـارج التغطيَّـة !؟

الغريب والمُحيِّر في موضوع زيادة الرسوم وفرض رسوم جديدة على المُواطِنْ وبعض أنشطة القطاع الخاص، الغياب الكامل لموضوع فرض رسوم على القطاع العقاري وضرائب على أرباح البنوك والمؤسـسات المالية وشركات ومؤسسات القطاع الخاص، في حين يَلوح في الأُفق القريب فرض ضريبة القيمة المُضَافة Value Added Tax (VAT). فهل توصيات مهندسي الاقتصاد والتخطيط والمالية وجيوش الإستشاريين الدوليين تُحَـرِّم مَسّ أرباح القطاع الخاص، وتؤَكِّد على ضرورة ضَرب الأفراد بجميع أنواع الرسوم الأفقيـة والضرائب الظاهرة والباطنة !؟

لـمــاذا هـذا الـسـؤال !؟

لأنَّ ضريبة القيمة المُضافة لا تُفرِّق بين فقير وغني، فهي ضريبة (أو رسم !) على السلعة التي تشتريها. وعلى الرغم من وجهة نظر المُدافعين عن فَرض ضريبة القيمة المُضافة بأنه سيتم اسـتثناء السِّلَع الغذائية والضرورية مثل الأدوية، إلا أنها ستَظَلّ ضريبة مبيعات لا تُفرِّق بين الملياردير وبين الفقير في بقية السِّلَع.

فقَبلَ فَرض ضريبة القيمة المُضَافَة، فإنَّ مَنطِق العدالة الاقتصادية والاجتماعية يُوجِب فَرض ضريبة على أرباح البنوك والمؤسـسات المالية والشركات والمؤسسات وكذلك القطاع العقاري، خاصة على الشركات والمؤسـسـات التي تبيع سِلَعاً لم تُضِف عليها أي قيمة إقتصادية مُضافة، مثل شركات استيراد السيارات والأجهزة المنزلية والإلكترونية والملابس. فهي ضريبة على الربح،  وليس على الدخل؛ وبالتالي لن تَضُرّ الشركة والمؤسسة، مقارنةً بضريبة القيمة المُضَافَة التي لا مَحَالة سَـيُحَمِّلها البائع (فرد أو شركة ومؤسسة) على المُشتري لهذه السلعة.

لذلك، فمِن الظُلم الاقتصادي والاجتماعي تدليـع القطاع العقاري والبنوك وشركات ومؤسسات إستيراد السيارات والأجهزة المنزلية والإلكترونية وبقية السلع غير الضرورية، بعدم فَرض ضريبة على أرباحهم، في حين تدفع المصانع الوطنية للإسمنت والبلك والنجارة والحدادة والألمنيوم والأجهزة المنزلية وغيرها، أنواعاً عديدة من الرسوم والضرائب المباشرة وغير المباشرة وبأسماء ومسميات مختلفة، مما يجعلها في موقف ضعيف جداً لمُنافسَـة السِّلَع المستورَدَة، خاصةً في ظِلّ الموقف التنافسي الضعيف جداً للصناعات المحلية في السوق السعوي بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية WTO.

فمن غير المنطق الاقتصادي ومبدأ العدالة الاجتماعية تَركْ من يملك عشرات الوحدات السكنية وآلاف الأمتار من الأراضي السكنية دون أي ضريبة أو رسوم، في حين يُعاني غالبية السكان من أزمة تَمَلُّك سكن بسيط يحميه من نار الإيجار السنوي.

والسؤال هُنا: هل هناك لوبي يحمي مصالح وأرباح القطاع العقاري والبنوك وشركات إســتيراد السِّلَع الجاهزة (غير الغذائية وغير الضرورية)، مثل السيارات والأجهزة المنزلية وغيرها، بحيث يجعلهم خارج التغطية الضريبية !؟

خُلاصَة القول، أننا إذا جَمَعنا المُتناقِضات والاختناقات الاقتصادية والسياسية الخطيرة التالية: (1) انخفاض أسعار البترول، (2) عجز خطير في ميزانية الدولة، (3) انخفاض كبير في إنفاق الحكومة على المشاريع التنموية، (4) شبه وقف تام لصرف مديونيات الحكومة للقطاع الخاص، (5) التطبيق الأُفُقي للرسوم والضرائب على الأفراد والقطاعات الاقتصادية المُنتِجَة، (6) ارتفاع الإنفاق العسكري جرَّاء حرب اليمن والأزمة السورية والحَذَر السعودي من التَّوَسّع الإيراني؛ نُدرِك جَيِّداً أنَّ مهندسي رؤية 2030 بعيدين كُل البُعد عن معرفة الإحداثيات الصحيحة لطريق الرؤية 2030، وكذلك إفتقارهم لكيفية التعامل الحكيم والحصيف مع مطبَّات طريق رؤية 2030، التي قد لا تُحقِّق حتى نِصفْ أهدافها في 2030م، وليس في 2020م.

ولكن، مع الأسف، لا يزال هؤلاء المهندسون يُعطون كابتن طائرة رؤية 2030 الإحداثيات الخاطئة، الواحد تلو الآخر؛ لَعَـلَّ وعَسَى يُصيب واحداً منها لترتَفِع أسهمهم عند الكابتن. فهل آن الأوان للاستنارة بآراء آخرين غير هؤلاء المهندسين، حتى يمكن التدقيق والتأكد من صحة هذه "الإحداثيات"، ليتمكن "كـابتن" رؤية 2030 من تحقيق الأهداف الاقتصادية الوطنية الكبيرة للرؤية !؟

 

ما علاقة كولن باول !؟

لا يختلف إثنان على أنَّ الجنرال كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي إبَّان الفترة الأولى من رئاسة جورج بوش الإبن (2001 – 2005م)، كان أكثر وزراء الخارجية الأمريكية مِصدَاقية، وقبل ذلك يَتَمَتَّع بتاريخ عسكري وسياسي واجتماعي ناصِع جداً وخالٍ من الشوائب؛ وبالتالي كان زعماء وسياسيي العَالَم يَنظرون له باحترام وتقدير كبيرين. لهذا السبب، نجح الجنرال كولن باول في إقناع غالبية دولة مجلس الأمن بكذبة امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وبالتالي ضرورة الإطاحة به حفاظاً على سلامة الشرق الأوسط.

ولكن لم يَعرِف هذا الجنرال المُحتَرَم أنَّ مهندسي السياسة الإمبريالية من وكالة الاستخبارات المركزية واللوبي الصهيوني، غَرَّرَوا به وتَعَمَّدوا إعطاءه إحداثيات خاطئة ليَتَمكَّن من بيع جريمة الإطاحة بالرئيس صدام حسين واحتلال العراق على أعضاء مجلس الأمن، لِكَسب تأييدها في إصدار قرار من الأمم المتحدة لقانونية هذا المشروع.

ولكن، ماذا كانت التكلفة المالية على الولايات المتحدة الأمريكية جَرَّاء قيامها بجريمة احتلال العراق !؟ لقد تجاوزت ثلاثة ترليونات دولار، بناءً على تقديرات البروفيسور جوزيف ستيجلتز، خبير البنك الدولي والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001م؛ ناهيك عن التَّضَخُّم الكبير والخطير والمتزايد لشعور الكراهية لدى العالم العربي والإسلامي ضد الولايات المتحدة الأمريكية، جَرَّاء هذه الجريمة الإنسانية البَشِعَة، التي خَلَّفت وراءها دولاً ومجتمعات تسودها الحروب والنَّعَرات الطائفية والقبلية، وتَسَبَّب كذلك في تهجير ملايين السكان من دول الشرق الأوسط.

لذلك، لا غرابة أنْ يقول الجنرال كولن باول لاحقاً عن جريمة تغرير الاستخبارات الأمريكية له بشأن أسـلحة الدمار الشامل لدى العراق: لقد لَطَّخَت تاريخي الوظيفي.
-----------
موقع الكاتب


د . محمد بن حمد القنيبط
الجمعة 14 أكتوبر 2016