نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


كيف أثرت طفيليات على مسار التاريخ وعلى نفسيات الإنسان؟




دشتوتجارت -وجودها غير مرغوب فيه، ومع ذلك فهي متأهبة في كل مكان، إنها الطفيليات التي لا يخلو منها مكان.



هذه هي الفكرة التي يوصلها كتاب "أحصنة طروادة النفسية" بشكل واضح للمؤلفتين الألمانيتين مونيكا نيهاوس وزميلتها أندريا بفول، حيث تشرحان في كتابهما كيف تؤثر الطفيليات على مصائر البشرية وكيف تستطيع توجيه الحالة النفسية لعائلها الذي تتطفل عليه.

تقول المؤلفتان في مستهل كتابهما إن الطفيليات تتسبب في تكاليف عالية بشكل مدهش لدى عائلها "فقردة سعدان العواء على سبيل المثال تستهلك أكثر من ربع طاقتها الناتجة عن عملية التمثيل الغذائي للضرب حولها بالأيدي والأرجل والذيل للدفاع عن نفسها ضد بلاء الحشرات المتطفلة".

أوضحت الباحثان أن هناك أكثر من عشرة أنواع ممرضة من البكتريا يشتبه في أنها تتسبب في أمراض نفسية للإنسان، ومن غير المستبعد حسب الباحثين أن يكون العدد أكبر بكثير.

وأشارت الباحثان إلى أن خبراء مرموقين أصبحوا يعتقدون أن جزءا ملحوظا من الأمراض المزمنة سببه الإصابات المعدية.

والحقيقة أن هذا خبر طيب لأنه يعني أن هناك فرصا علاجية تلوح في الأفق.

وأكدت الباحثتان أن البشرية أصبحت أكثر استعدادا وقدرة على مكافحة الديدان والفيروسات والبكتريا المتطفلة من قدرتها على مواجهة الأمراض التي تنشأ في أحشاء الجسم.

تشرح المؤلفتان كيف أثر القمل على مدى قرون على قصات شعر الإنسان.

ورأت المؤلفتان أن الجنود ليسوا العنصر الذي حسم الحروب غالبا على مر التاريخ بل أمراض مثل حمى التيفوئيد أو الطاعون والكوليرا وحمى التيفوس.

لفتت الكاتبتان نيهاوس وبفول الأنظار إلى أشهر ثلاثة أوبئة كبرى عرفها التاريخ وهي طاعون جستنيان الذي ضرب الإمبراطورية البيزنطية في الفترة من القرن السادس وحتى القرن الثامن الميلادي، والموت الأسود أو الطاعون الأسود الذي كان موجودا في الفترة من القرن الرابع عشر وحتى القرن السابع عشر، والطاعون الآسيوي الذي وقع في القرن التاسع عشر.

قالت الباحثتان إن الموجة الأولى كانت تؤدي إلى وفاة ما يصل إلى 10 آلاف شخص يوميا جراء الطاعون في القسطنطينية.

وتطرقت الباحثتان إلى أسباب هذا الوباء ووصفتا تصرفات الناس خلال هذه الأوبئة وعواقبها على مسار التاريخ.

وفي فصل آخر توضح المؤلفتان أن الأنواع الصغيرة غير الضارة فقط من الطفيليات مثل الديدان الشعرية أو الدبوسية ليست هي وحدها التي تتطفل على الإنسان، بل طفيليات عملاقة حقا مثل ديدان العوساء التي سجل طولها رقما قياسيا وصل إلى 25 مترا بين الطفيليات التي تتخذ من البشر عائلا.

وحسب المؤلفتين فإن هناك إجمالا نحو 300 نوع من الديدان المتطفلة تعتبر أحشاءنا وطنا لها.

لا يدرك الكثير من الناس أهمية الأمراض الناشئة عن العدوى الديدانية لسببين؛ أحدهما هو أن أوروبا والولايات المتحدة لم تعد تتعرض لهذه الأمراض تقريبا، والآخر هو أن مئات الملايين من البشر الذين تعيش الديدان بداخلهم لا يسقطون صرعى على الفور جراء هذه الديدان.

توضح المؤلفتان مدى تسبب الديدان في خفض الذكاء، وزيادة الفقر لدى المصابين، والتداعيات الخطيرة التي يمكن أن تنطوي عليها إصابة الأطفال بهذه الديدان "حيث إنه من الصعب جدا أن تكافح عملية التمثيل الغذائي ضد الديدان التي تسرق من الجسم موادا غذائية هائلة، ويكفي أن نتذكر فقط ما تسلبه الديدان الخيطية من غذاء من الجسم".

خصصت المؤلفتان مساحة كبيرة للحديث عن بكتريا الولبخية، إحدى أكثر الطفيليات نجاحا على مستوى العالم.

أصابت عدوى هذه البكتريا الموجودة بأنواع كثيرة تبلغ على الأقل ثلاثة أرباع جميع الحشرات، والعناكب، والحيوانات السرطانية التي تمت دراستها وفحصها حتى الآن.

من الجميل أن يطالع القارئ الفصل الذي خصصته المؤلفتان عن كيفية نجاح بكتريا غير ملفتة للانتباه أصلا، ولا تستطيع البقاء على قيد الحياة خارج جسم الإنسان في إثارة الفوضى في خط الخلافة الأوروبي، والدفع بتأسيس كنيسة جديدة، و صياغة أخلاقيات الجنس في الغرب بشكل مستديم حتى اليوم "الحديث هنا عن مرض الزهري واللولبية الشاحبة".

ظلت أوروبا بمنأى تماما عن هذه الجرثومة حتى أواخر القرن الخامس عشر على الأرجح حسب المؤلفتين إلى أن توجه الملك شارل الثامن، ملك فرنسا، لغزو إيطاليا، عام 1494، أي بعد عامين من اكتشاف أمريكا، للمطالبة بما رآها استحقاقات موروثة له هناك.

حسب المؤلفتين فإن الملك شارل الثامن وجيشه المؤلف من نحو 30 ألف جندي كانوا يهتمون ببيوت الدعارة أكثر من خوض المعارك.

ثم انسحب شارل الثامن وجنوده من إيطاليا مرة أخرى عام 1495 ومعهم إحدى الجراثيم الممرضة في أمتعتهم، وكُتب على العالم أن يظل يرتجف منها حتى القرن العشرين.

أطلق على هذه الجرثومة الممرضة اسم "وباء الشهوة" حسبما جاء في الكتاب.

حسب المؤلفتين فإن هذا المرض كان مؤلما وحوّل المصابين إلى مسوخ حقيقية من التقرحات والبثور والجَرَب.

رأت المؤلفتان الألمانيتان أن الملك شارل الثامن "الساذج والشهواني" أثر على تاريخ العالم من خلال نشر هذه الجرثومة الممرضة أكثر مما فعله سلفه وخلفه من الأذكياء و الموهوبون سياسيا، وخلف إرثا أكبر بكثير مما تركه هؤلاء.

من أكثر فصول الكتاب إثارة وتشويقا الفصل الذي تتحدث فيه المؤلفتان عن العلاقة التي لم تتأكد غالبا بين الجراثيم الممرضة والاضطرابات النفسية.

تتبعت المؤلفتان بشيء من التفصيل العلاقة المحتملة بين الفيروسات البورنوية وحالات الاكتئاب التي يمكن التداوي منها في بعض الحالات على الأقل، باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات.

شرحت المؤلفتان كيف تؤثر البكتريا العقدية على النظام العصبي للإنسان وكيف يمكن أن تتسبب في مختلف الأعراض وما علاقة داء الكلب بأسطورة شخصية المستئذب المستخدمة في عدد من الأعمال الفنية الخيالية والتي يتحول فيها الإنسان إلى ذئب عند اكتمال القمر كل شهر، ويجوب الجبال والغابات بحثا عن ضحايا على مدى ليلة ثم يعود لطبيعته البشرية مع طلوع الصباح.

يرسم كتاب "أحصنة طروادة النفسية" صورة للإنسان ككائن سوبر له أشكال حياة مختلفة، لا تترادف أهدافها دائما، وهو مكتوب بشكل مفهوم ومسل في نفس الوقت.

وربما غير الكتاب زاوية رؤية البعض للفيروسات والبكتريا والديدان وجعلهم يتساءلون من جديد: من الذي ينتصر هنا حقا؟

أنيت شتاين
الخميس 25 ماي 2017