نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


كيف وصل ترامب للبيت الأبيض ؟







مقدمة:

لعب الرأي العام الأمريكي دوراً في وصول ترامب للحكم، حيث يُعرف الرأي العام بأنه الحكم الذي يصل إليه أعضاء الجماعة نتيجة تفاعلهم معاً بشأن مسائل أو قضايا موضع اهتمامهم، كما أثرت العديد من العوامل في تشكيل الرأي العام للمجتمع الأمريكي ودفعته لاختيار ترامب وتفضيله عن كلينتون، وسوف يتم تناول هذه العوامل


 .
العوامل التي تؤثر في تشكيل الرأي العام للمجتمع:
يشكل المجتمع العنصر الأول للرأي العام، فالرأي العام ما هو إلا تعبير إرادي عن وجهة نظر المجتمع إزاء مشكلة ما، كما يتأثر الرأي العام للمجتمع  بعدة عوامل وهي:
  • المناخ السياسي: تعتبر طبيعة النظام السياسي، والقيادة السياسية والنخبة السياسية من السمات العامة التي تحدد الحياة السياسية وبالتالي تؤثر علي توجهات المجتمع.
  • التغير الاقتصادي والاجتماعي: عادة ما تؤثر الأوضاع الاقتصادية والتفاوت ف توزيع الثروة تأثيراً كبيراً في طبيعة واتجاهات الرأي العام، حيث تستأثر فئة بالجانب الرئيسي من موارد المجتمع، علي حين يسود الفقر علي الجانب الآخر.
  • الثقافة السائدة: تمثل الثقافة العامة والتقاليد الحضارية للمجتمع، وكذلك الثقافة السياسية وتوجهاتها وقيمها ومعاييرها من العوامل الأساسية في التأثير علي توجهات الرأي العام.
  • الدين: يلعب الدين دور هام في تشكيل الرأي العام في معظم بلدان العالم، وعادة ما يشكل المرجعية الأساسية لاتخاذ الرأي العام موقفا ما من قضية بعينها.
  • وسائل الإعلام: تعتبر وسائل الاتصال الجماهيري تمثل الدور الأكبر في عملية تشكيل الرأي العام، ويعزز من دور وسائل الاتصال الجماهيري ما يشهده من تطور تكنولوجي هائل، ويخضع التعرض لوسائل الاتصال الجماهيري لعوامل من الاهتمام السياسي العام والانخراط والمشاركة في حملات أو عمليات كالترشيح أو التصويت في الانتخابات.
قائمة أولويات الإعلام:ويقصد بها إعداد قائمة بالموضوعات العامة ذات الأهمية النسبية وتهدف إلي إثارة اهتمام الجمهور، ولفت أذهان صانعي القرار إلي ما يدور في أذهان العامة وما يشكل محور أحاديثهم اليومية
وتتفاوت وسائل الإعلام في المدي الذي تنجح فيه في التأثير علي الجمهور، حيث أثبتت بعض الدراسات أن التلفزيون يعتبر أكثر مصادر المعلومات السياسية ثقة، كما تلعب الأخبار التلفزيونية دوراً لا يستهان به في تشكيل الرأي العام، وربما كان ذلك مرجعه إلي تأثير الصورة علي المتلقي.
العوامل التي أثرت في تشكيل الرأي العام الأمريكي  ودفعته لاختيار ترامب
ومما سبق بالتطبيق علي المجتمع الأمريكي، تتعدد العوامل التي أثرت في تشكيل الرأي العام الأمريكي ودفعته لتفضيل ترامب عن كلينتون، تتعدد هذه العوامل من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية  فيما يلي:
  • الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي
وذلك بسبب الاستقطاب والانقسام  في القيم والاهتمامات والمصالح والتوجهات بين سكان المدن الكبرى من جهة وسكان الأرياف أو البلدات الصغيرة من جهة أخرى، وبين سكان ولايات الساحلين الشرقي والغربي الأغنى والأكثر انفتاحاً من ناحية، وسكان المناطق الداخلية من ناحية أخرى، وبين مجتمع متحرر اجتماعياً نجح في فرض قوانين حول الإجهاض وزواج المثليين، ومجتمع محافظ يرفض بشدة كل هذه التوجهات، وقد استفاد ترامب من هذا الانقسام، بحيث تمكّن من حصد أصوات أكثر الولايات الواقعة بين الساحلين الشرقي والغربي.
  • سخط السود حيال الممارسات الأمنية
أدي سخط السود حيال الممارسات الأمنية لرجال الشرطة الفيدرالية التي أوقعت العديد من القتلى السود ، في عهد أوباما إلي السخط علي سياسة كلينتون بالتبعية لأنها تسير علي نفس نهج أوباما، وربما أدى خوف الأمريكيين من توالى أعمال العنف وحوادث إطلاق النار،وتفشى ظواهر العنف المجتمعي وتهريب المخدرات إلى تطلعهم لحكم رجل قوى مثل ترامب، وإن بدت تصريحاته قوية و مستهجنة.
  • دعم الأميركيين البيض
حيث أنه منذ أن رشح ترامب نفسه وهو يعمل علي دعم الطبقة العاملة الأمريكية البيضاء التي ساء حالها في عهد كلينتون اقتصادياً، وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية عام 2008، وقد تمكّن ترامب من تعزيز هذه المخاوف (أي إنّ البيض يخسرون أميركا) لتحقيق اختراقات كبيرة حتى في معاقل الحزب الديمقراطي، كما حصل في ميتشيغن، وويسكنسن، وبنسلفانيا، وهي ولايات ذات أكثرية بيضاء. وتعدّ هذه الاختراقات دليلاً على نجاح ترامب في استثارة المشاعر العنصرية لدى البيض، وفي استقطاب طبقة العمال والطبقة المتوسطة البيضاء التي درجت تاريخياً على التصويت للحزب الديموقراطي. في المقابل، فشلت كلينتون في استنفار المعسكر الديموقراطي، خاصة الأقليات والنساء الذين راهنت على خروجهم والتصويت بكثافة لفائدتها.
  • خطاب ترامب المتعصب
أظهر ترامب في خطابه التعصب من خلال خطته لحملة تطهير عرقي، بجانب وجود جدار لمنع دخول الناس، ورغبته في حظر المسلمين من دخول البلاد، العديد من أنصاره مواطنون بيض أو من النازيين، وقد لعب على وتر السياسات العنصرية بشكل جيد، كما بدا خطابه  للنخب المثقفة بسيطاً ومسطحاً واستفزازياً، ولكنه كان مدروساً ليخاطب مشاعر عدد كبير من بسطاء الأميركيين الذين يميلون إلى تصديق الرجل الذي حقق نجاحاً في القطاع الخاص ، ويشككون في السياسيين المحترفين، ويميلون إلى الخطاب المباشر الذي يبدو لهم لسبب ما غير منافق.
  • محاولات ترامب استعطاف الشعب
نجح ترامب في استعطاف الشعب بعد استهدافه بسلسلة من الفضائح المالية والأخلاقية يعود بعضها إلى سنوات طويلة مضت. كما أنّ وقوف المؤسسات الإعلامية الكبرى في أميركا ، مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست ومحطات تلفزية على المستوى القومي مثل سي. إن. إن، ضد ترشح ترامب وانتخابه عزز الانطباع الذي حاول رسمه عن نفسه بأنه ضحية “مؤامرة ليبرالية” لإسقاطه. وهو ما حاول أن يعززه بادعائه وجود محاولات لتزوير الانتخابات للحيلولة دون وصوله إلى الرئاسة. وهذا الأمر حدا أيضاً بالحزب الجمهوري في الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية إلى الإلقاء بثقله وراء ترامب، بعد أن كان تخلى عنه رموز في الحزب وقادة كبار فيه، ما مكنه من الفوز بأصوات نحو 30 في المائة من الناخبين من أصول لاتينية في فلوريدا.
  • نتائج استطلاعات الرأي الخادعة
كانت كل استطلاعات الرأي تقريبًا تشير إلى فوز (هيلاري كلينتون) مما جعلها تتراخى في حملتها الانتخابية بعدم إقامة المؤتمرات في بعض الولايات المحسوبة على الحزب الديمقراطي وعدم زيارة ولايات أخرى باعتبار أن الأصوات فيها كانت مضمونة.
  • توجه كثير من الأصوات النسائية إلى ترامب
وكان غريباً في توجه كثير من الأصوات النسائية إلى ترامب، بخلاف ما كان متوقعا، وما كان مرجوا لكلينتون فى أن تصير إحداهن سيدة تحكم البيت الأبيض، فوفقا لإحصائيات “سى إن إن” فقد حصلت هيلارى كلينتون على 54% من أصواتهن، مقابل 41% لترامب، وهى نسبة غير متوقعة بالنسبة لكلينتون.
  • أصوات المجمع الانتخابى
الناخب الأمريكى المتجه إلى صناديق الاقتراع، لايؤثر مباشرة لترامب أو لكلينتون، بل إنه يمنح صوته لأحد المندوبين في الولاية التي يصوت فيها، ولدخول البيت الأبيض يحتاج المرشحان للرئاسة الأمريكية إلى 270 صوتًا – أي النصف زائد واحد- على الأقل من مجمل أصوات أعضاء “المجمع الانتخابي” البالغ عددهم 538 مندوبًا، أي ما يوازي عدد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي، وبالتالي فإن الأصوات داخل المجمع الانتخابي هي التي تحدد رئيس الولايات المتحدة بصرف النظر عن أصوات الناخبين، وقد حدث هذا في انتخابات عام 2000 ، حينما كان المرشح الديمقراطى أل جور متقدما على جورج بوش بفارق 540 ألف صوت،ولكن أصوات المجمع الانتخابى أعلنت بوش فائزا.
  • أصوات الديمقراطيين أنفسهم
وذلك لأن مؤيدو منافس هيلارى الديمقراطي “بيرنى ساندرز” قد أحجموا عن التصويت لها،و صوتوا لصالح ترامب، وقد لا يصبح أمراً جديداً  مثل جورج بوش الأب والابن، فلا يصبح مانعاً أن يصوت الديموقراطيين لترامب.
  • البرنامج الاقتصادي لترامب
فقد تطلع الأمريكيون تجاه البرنامج الاقتصادى لترامب، الذى يسعى لتحويل شرائح المجتمع الفقيرة إلى الطبقات الوسطى،والتخفيف من حدة ارتفاع الضرائب، وإصلاح التعليم والصحة، وتلافى أخطاء نظام الرعاية الاجتماعية، والتي يخشى الأمريكيون أن تسير هيلارى على منواله.
  • اهتمام ترامب بالوضع الداخلي أكثر من الخارجي
اهتم ترامب بالقضايا في الداخل الأمريكي ، وأهمل ما يحدث في الخارج، مفادها أن الولايات المتحدة ستكون بمأمن من الخطر الذي يمثله لهم تدفق اللاجئين ، من انعكاسات اقتصادية حيال تواجدهم، وصولا للإفلات من تكرار هجمات بالداخل الأمريكي يقودها بعض المتطرفين ،كما حدث من قبل في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومنع انتشار الإرهاب في الداخل الأمريكي مثلما حدث في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
  • سياسة كلنتون ما هي إلا امتداد لسياة أوباما
فقد رأى الكثير من الأمريكيين أن سياسة هيلارى ما هي إلا امتداد لسياسة أوباما التي لم تحقق تغييرًا كبيرًا في الأوساط التي انتخبته من قبل، لاسيما من الناحية الاقتصادية في مجال الصحة والتعليم والضرائب.،كما بدا أن هناك حالة من الملل والتعب من نحو ربع قرن من سياسات آل كلينتون ووجودهم تحت الأضواء (في البيت الأبيض بين 1992 و1998، ثمّ خدمة هيلاري كلينتون بصفة سيناتور عن ولاية نيويورك من 2000 إلى 2008، ثمّ وزيرة خارجية في عهد أوباما، فأثرت كل هذه العوامل علي خسارة كلنتون.
  • تسريبات فضيحة البريد الالكتروني لهيلارى كلينتون
كشفت التسريبات عن اتجاه قادة الحزب لتفضيل كلينتون على منافسها بيرنى ساندرز مسبقا، وهوما أدى لثورة غضب عارمة بين أنصار ساندرز، بالرغمن أن ساندرزنفسه ، دعا لاختيار كلينتون، وهو ما لم يفوته ترامب ، حيث وجه خطابه لأنصار ساندرز:”هكذا تدار الأمور في حزبكم، لا ديمقراطية في الحقيقة”، وقد يبرهن هذا الأمر خسارة كلينتون فى معاقل كانت تحسب للديمقراطيين مثل، ويسكونسن، وبنسلفانيا، وميتشجان.
  • واقعية تصريحات ترامب وفشل كلينتون في استغلالها
رأت الغالبية في تصريحات ترامب خطوة واقعية نحو المحافظة على الهيمنة الأمريكية في العالم ،في حين  لم تحقق رؤية كلنتون الاقتناع التام لدى الأمريكيين ويبدو ذلك من خلال رؤيته للحل حيال “المستنقع السوري” ، فقد أقر بأن الأسد رجل سئ، ولكنه يقتل الدواعش، وهذا أمر جيد، قد يكون عاملا للتفاهم مع الروس بشأن مستقبل سوريا ،ووضع حل سياسي له، كما فشلت كلينتون في استغلال تصريحات ترامب التي وصلت أحيانا إلى حد التطرف، مثل طرد العرب والمسلمين من الولايات المتحدة، وإقامة جدار عازل على طول حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، أو ترحيبه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو تقاربه مع الروس، أو استغلال انتقادات ترامب للصين حول اتفاقية المناخ، فترامب وإن أطلق تصريحاته المتطرفة بحق العرب والمسلمين، إلا أن سكان الشرق الأوسط لم ينسوا لكلينتون خطواتها الفعلية على أرض الواقع نحو إعادة تقسيم بلدانهم على نحو مذهبي سمح لقوى الإرهاب مثل داعش والنصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية بالتوغل ونشر القتل والدمار في أعقاب ثورات الربيع العربي.
  • عدم رشادة الاختيار
ويحيل البعض أسباب وصول ترامب للسلطة إلى اختيار الشعب “الغير رشيد” ويستنتج هؤلاء أن العملية الانتخابية الأمريكية أثبتت وفق زعمهم “هشاشة النظام وضعفه وازدواجيته وعدم قدرته على اختيار الرئيس العاقل..” الخاتمة
ومن هنا أدت جميع هذه العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلي التأثير علي الرأي العام الأمريكي ليكون دونالد ترامب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن العديد من الاستطلاعات والمؤشرات كانت تدفع بهيلارى كلينتون لتولى هذا المنصب، كما أنه يتبين أنه نادراً ما يُمكن حزب السلطة من الاستمرار في الحكم أكثر من دورتين انتخابيتين، حتى يتخذ الشعب قراره بضرورة حصول تغيير وتجريب لنهج رئاسي جديد. فمن المحتمل لترامب أن يستمر السنتين المقبلتين من الحكم نتيجة استمرار سيطرة حزبه على مجلسي الشيوخ والنواب، لكن سيكون عليه أن يتعامل مع تبعات الحملة الانتخابية المريرة التي بيّنت وجود انقسامات تكاد تكون غير مسبوقة في المجتمع الأميركي.
  مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية
المراجع
  • د/ عبدالغفار رشاد،”الرأي العام والتحول الديموقراطي في عصر المعلومات”، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،جامعة القاهرة،2014,
  • د/عاطف عدلي،”الرأي العام وطرق قياسه”، دار الفكر العربي،2005.
  • د/ أحلام السعدي، “النظم السياسية”، رئيس قسم العلوم السياسية، جامعة حلوان.
  • “دونالد ترامب رئيساً”، المركز العربي للأبحاث

إيمان عنان
الثلاثاء 24 يناير 2017