في السنة الثانية للثورة وعندما دفع بعض الداعمين باتجاه تشجيع التنظيمات الجهادية ودعمها، تم التساهل مع الموضوع والتزم الكثيرون الصمت ظناً منهم أنه من الممكن استخدام الجهاديين لإسقاط النظام كونهم الأكثر قدرة على قتاله والأكثر رغبة بالتضحية للإنتصار عليه، وكأن هذه التنظيمات ليست أكثر من جمعيات خيرية أخرى تقدم أرواح وأجساد أعضائها من أجل مساعدة مؤسسات المعارضة في الخارج في العودة الى سوريا والتنافس في انتخابات حرة لتحديد حكام سوريا الجدد!!، بل و قام الكثير من متصدري الواجهة السياسية حينها بالتصفيق لها وحتى اتهم من يرفضها ويحذر من خطرها بالتهاون في دعم الثورة وتم تخوينه، لكن هذا الرهان فشل أيضاً وحول تعاطف العالم مع ثورة الشعب السوري، إلى رعب حقيقي من ثورته وخاصة بعد مشاهد القتل والرجم والجلد وقطع الأيدي.
وفي السنة الثالثة والرابعة دخلت مؤسسات المعارضة دوامة التنافس على مصادرة قرارها بين الدول الاقليمية الداعمة وانساقت الطبقة السياسية المتصدرة للمشهد وتخندق كل منها حسب مصالحه مع هذه الجهة الداعمة آوتلك، حيث بدأت عملية تنافس بين أعضاء هذه النخبة على مناصب وهمية ومكاسب شخصية وتبادلوا التهم بالفساد والتبعية على الملأ، تاركين الشباب السوري طعماً سهلاً للتنظيمات التكفيرية، الشباب السوري الذي مل أحاديثهم واتهاماتهم المتبادلة ، والذي لم تعد تشكل له تلك النخبة مثلاً أعلى يتناسب والتضحيات التي يقدمها، مراهنين على حلفائهم ودعم هؤلاء الحلفاء للمعارضة المسلحة بالمال والسلاح لإسقاط النظام وإعادتهم الى سوريا كمنتصرين، وقد فشل هذا الرهان أيضاً وأثمر المزيد من التشظي للقوى العسكرية المعتدلة والمزيد من الهيمنة لقوى التطرف الديني في الطرفين (حزب الله والمليشيات الطائفية المدعومة من إيران في جهة وداعش وشبيهاتها في الجهة الأخرى).
لقد تناسى الكثيرين ممن أدمنوا حياة أصحاب المناصب الرفيعة والرواتب العالية القادمة من الداعمين، أن نجاح عملية انتقال سياسي نحو الديمقراطية هي مصلحة سورية محضة وأنها السبيل الوحيد الذي يحفظ وحدة سوريا ونسيجها الإجتماعي، وأن هذه العملية قد لا تكون لمصلحة الكثير من الجهات الداعمة التي يشكل الحفاظ على مصالحها واستقرار انظمتها هاجسها الأساسي قبل أي اعتبارات أخرى، أو حتى المتنفذين والقادرين على التأثير على صنَّاع القرار الدولي، وخاصة اسرائيل التي ترى في استمرار تدمير سوريا وجعلها ساحة لاستنزاف مليشيا نصر الله ونظام الملالي في إيران المنساقين خلف ايديولوجيتهم الطائفية مكسباً يجب عدم العمل على ايقافه، أو الولايات المتحدة التي وجدت أن كل خصومها يخوضون حربا مدمرة فيما بينهم (التنظيمات التكفيرية وإيران ومليشياتها) تضعفهم جميعاً دون أي تكلفة تذكر للإقتصاد الأمريكي.
وفي السنة الإخيرة وبعد أن توضحت كل ملامح المشهد السوري ، وخاصة مع الإنزياح الكامل الذي شهدته مواقف المجتمع الدولي وقد تم استبدال الحديث المتكرر عن ضرورة رحيل الأسد الى الحديث عن ضرورة مكافحة الإرهاب والقضاء على التنظيمات التكفيرية واعتبار ذلك أولوية بغض النظر عن بقاء الإستبداد في سوريا أو رحيله، والذي سهل التدخل الروسي السافر لدعم النظام ومنع سقوطه تحت حجة أن انهياره سيؤدي الى هيمنة التكفيريين على سوريا، لابد من التوقف عن الرهانات الخاطئة ودراسة كل هذه المعطيات بجدية وإعطاء أولوية لتأمين إنتقال سياسي يسهل عملية القضاء على الإستبداد والتطرف التكفيري معاً، مع الأخذ بعين الإعتبار أن العمل السياسي لا يعترف بصداقات دائمة ولا عداوات دائمة بل بمصالح دائمة، والقبول بالقرار ٢٢٥٤ على علٰاته كونه الوثيقة الوحيدة التي حصلت على إجماع دولي والذي ينص على وحدة أراضي سوريا ويضع جدولاً زمنياً لعملية الإنتقال السياسي، يجب أن نعمل ما في وسعنا على إلزام المجتمع الدولي بتطبيقه للوصول الى دستور عصري وانتخابات برلمانية ورئاسية تحت اشراف دولي كامل يمنع أية قوى أمنية أو ميليشوية من تزويرها أو محاولة مصادرة آراء السوريين ترهيباً أو ترغيباً.
------------
كلنا شركاء