نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


متحف باردو المفعم بكنوز الحضارات يكسب معركته ضد الارهاب




تونس - طارق القيزاني - يقف الدليل السياحي واصل بوزيد إلى جانب اثنين من الصحافيين الفرنسيين وسط المرآب الخاص بمتحف باردو الشهير بتونس ومقر البرلمان المحاذي له، وهما بصدد تجهيز آلات التصوير ومعدات التسجيل قبل أن ينطلقا باتجاه الباب الرئيسي للمتحف.

وفي بهو أمام الباب البلوري للمتحف توقف واصل قبل الدخول مع الفريق الصحفي أمام نصب تذكاري من الرخام يحمل قائمة اسمية لضحايا الهجوم الدامي الذي استهدف المبنى في 18 آذار/مارس 2015 وأوقع 22 قتيلا في صفوف السياح الزائرين الذين قدموا عبر رحلة بحرية، إلى جانب مقتل رجل أمن.

والهجوم الارهابي هو الأسوأ الذي تشهده تونس منذ عقود.


 

 

وأمام كومة من الزهور تجمعت تحت اللوح الرخامي بدأ واصل يشير لرفيقيه أسماء عدد من الضحايا السياح الذين كانوا برفقته في يوم الهجوم، بينما لا تزال آثار الصدمة بادية على وجهه لأنه يدرك أنه كان محظوظا بنجاته من الموت بأعجوبة.

والبقاء على قيد الحياة هو العزاء الوحيد لواصل الذي أصبح بعد الحادث على شفا البطالة مثل الآلاف من العاملين في القطاع السياحي.

ويذكر واصل لوكالة الأنباء الألمانية (د .ب .أ) لدى دخوله المتحف "ليس هناك وفود سياحية. كل الرحلات البحرية ألغيت بعد الحادث والأدلاء السياحيون أغلبهم محالون الآن على بطالة قسرية".

وأضاف قائلا "الوكالة السياحية (الشركة المشغلة) تعمل على إعادة استئناف الرحلات البحرية المعلقة ولكن حتى الآن نحن نواجه المجهول ولا نملك مصادر دخل بديلة". ولكن على الرغم من تعليق الرحلات البحرية باتجاه تونس فإن حركة الزائرين إلى المتحف لا يبدو أنها تأثرت تحت وقع الكارثة الإرهابية التي يتوقع ان تدفع الموسم السياحي إلى التراجع بنسبة لا تقل عن 5 بالمئة.

وعلى العكس من الرحلات البحرية تلقى المتحف دفعة قوية بعد الهجوم الإرهابي إذ زار المعلم الثقافي العديد من الرؤساء والشخصيات العالمية من بينهم الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند ورؤساء ألمانيا وإيطاليا والرئيس الفلسطيني، لإعلان تضامنهم مع تونس وحث السياح للقدوم إلى هذا البلد السياحي الجميل.

وقال مدير المتحف منصف بن موسى لوكالة الأنباء الألمانية "حصل نقص في عدد الزوار وهذا منطقي بسبب توقف الرحلات البحرية السياحية المتجهة إلى تونس لكن في العموم لم يتجاوز ذلك حتى الآن نسبة 10 بالمائة".

وأوضح المدير "خلال الثلاثة أسابيع الأولى بعد الهجوم قدم الكثير من السياح إلى المتحف ليس لإعلان التضامن مع تونس فحسب ولكن جاءوا أيضا بدافع الفضول للاطلاع على قاعات المتحف التي كانت مسرحا للأحداث المؤلمة".

وما يزال عدد من القاعات في المتحف تحمل آثار طلقات نارية لمنفذي الهجوم أصابت تحفا وقطعا بلورية وفضلت إدارة المتحف تركها كما هي حتى يطلع عليها الجمهور. وأضفى ذلك نوعا من الاثارة لدى الزائرين لا تقل عن الاثارة التي يحفل بها تاريخ المتحف والكنوز الأثرية المعروضة بين جدرانه.

بدأ إنشاء المتحف العريق في عام 1882 على يد سلطات الاحتلال الفرنسي بعد عام من دخولها تونس وتم تدشينه في 1888 تحت اسم المتحف العلوي نسبة لعلي باي الذي تولى الحكم من عام 1882 حتى 1908. لكن بدءا من عام 1956، تاريخ استقلال تونس، تحول اسمه إلى المتحف الوطني بباردو. وصنف كمعلم تاريخي في أيلول/سبتمبر عام 1985. والمتحف الذي يبعد 4 كيلومترات عن وسط العاصمة ملحق بقصر باردو الذي شيد من عام 1574 وهو أشهر المقرات السيادية في تونس منذ كان يحكمها البايات والملوك أيام الاحتلال العثماني قبل أن يتحول إلى مقر للبرلمان بعد الاستقلال. ويقع المتحف على مساحة إجمالية تبلغ 20 ألف متر مربع وتضم قاعات العرض قرابة 8 آلاف قطعة تتوزع بين لوحات ومنحوتات وحفريات وغيرها من القطع الأثرية التاريخية أقدمها يعود إلى نحو 40 ألف عام قبل الميلاد خلال حقبة العصر الحجري القديم.

ويعد المتحف اليوم الأكبر في شمال إفريقيا والثاني عالميا لفن الفسيفساء بعد متحف زيوغما للفسيفساء بتركيا، بفضل أكبر مجموعة من اللوحات الرومانية النفيسة المعروضة لديه. وتبرز لوحة "فسيفساء سوسة" كإحدى أكبر اللوحات المعروضة في العالم بالمتحف والتي تصور أسطورة النصر لـ"نبتون" إلاه البحر حامي مدينة سوسة في القرن الثالث بعد الميلاد الى جانب لوحة كبير للإلهة "جوبيتار" وإله الخمر "ديونيزوس".

لكن شهرة متحف باردو لا ترتبط فقط بفن الفسيفساء، فهناك الكثير من الكنوز الأثرية للحضارات التي تعاقبت على تونس ومن بينها قرطاج وروما والحضارة الإسلامية وباقي الحضارات المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط.

يتصدر تمثال من القرن السادس قبل الميلاد يجسم "بعل حمون" كبير الآلهة لدى القرطاجيين وهو إله الشمس والمطر ورمز الرخاء، الجناح الخاص بالحضارة البونية التي مثلت أوج حكم قرطاج في تونس وحوض المتوسط بين القرنين 814 قبل الميلاد و146 قبل الميلاد.

وفي وسط القاعة البونية يروي مرشد ثقافي لمجموعة من السياح بلغات ثلاث، فرنسية وانجليزية وألمانية، حقائق عن تاريخ "بعل حامون" الذي ظل يعبد حتى زمن متأخر لدى سكان شمال افريقيا وهو يماثل الإله "جوبيتر" والآلهة "زيوس" و"أبوللو" و"ساتورن" لدى الرومان، لكنه كان يتقاسم شهرته لدى القرطاجيين مع آلهة الخصوبة "تانيت" ذات الرأس الأسدي وجسم امرأة. ويشير المرشد لوكالة الأنباء الألمانية "الإرث القرطاجي يمثل مفخرة المتحف ويثير شغف الزائرين بحضارة قرطاج العظيمة".

ويضيف مشيرا بيده إلى زاوية أخرى من قاعة العرض "جلبت أغلب القطع الأثرية من مدينة قرطاح بالإضافة إلى الكثير من التحف والأواني والمجسمات اكتشفت في معابد ومواقع أثرية أخرى بمدن سوسة وقليبية والمهدية ومكثر ومدينة دقة الأثرية بباجة وبلدة بئر بورقيبة". ولكن عراقة الاقتصاد البوني القائم على التجارة البحرية والصناعة، وتفاصيل الحياة اليومية للقرطاجيين تبرز أكثر عبر الواجهات والمنقوشات واللوحات الفسيفسائية ومجموعة الأقنعة والمصابيح الفخارية إلى جانب أواني الطبخ وأدوات الزينة والحلي المصنوع من الذهب والفضة والأحجار الكريمة.

وربما يدين متحف باردو بشهرته العالمية الى حضارة قرطاج أساسا ولكن ميزة المتحف أنه شكل مزيجا حضاريا أيضا بين الإرث الروماني والإغريقي وهي توليفة رسخت البعد المتوسطي للمعلم الثقافي.

وفي جناح المهدية، وهي مدينة ساحلية في تونس كانت عاصمة للدولة الفاطمية قبل انتقالها إلى القاهرة، ينتصب تمثال الإله "هرمس" وفي زاوية أخرى تعرض تحف وأدوات ونماذج فخارية وقطع أثرية يونانية اكتشفها بحارة بين سنتي 1907 و1911 أثناء عثورهم على حطام سفينة رومانية قبالة سواحل المدينة.

ويعتقد المؤرخون أن هذه التحف جاءت أساسا من ميناء اثينا بين سنتي 80 و70 قبل الميلاد وكانت على متن سفينة متجهة نحو السواحل الإيطالية غير أن عاصفة منعتها من عبور مضيق ماسينا فحولت طريقها نحو شمال افريقيا حيث غرقت على بعد قرابة خمسة كيلومترات من سواحل مدينة المهدية وظلت على عمق 40 متر في قاع البحر.

وتشير رواية المؤرخين التي رددها المرشد الثقافي على مسامع الزائرين من السياح إلى ان حمولة السفينة وهي مجموعة تحف، كانت معدة على الأرجح لتجميل قصر لأحد وجهاء الأرستقراطية الرومانية.

وفي العموم فإن مثل هذا الحضور الاغريقي في أرض قرطاج طالما أثار فضول الزائرين والبعثات الثقافية والجامعية الى المتحف وقد سمح ذلك للدارسين بأن يتخطوا النقاش النمطي حول دستور قرطاج الذي تحدث عنه الفيلسوف اليوناني أرسطو بإعجاب في كتاب "السياسة" إلى مجالات تقاطع أرحب مع الحضارات الأخرى. وبشكل غير متوقع منح الهجوم الارهابي دفعة لمتحف باردو بأن سمح له بإعادة التموقع على الخارطة العالمية وهو أمر يعتقد المسؤولون على المعلم الثقافي بأنه سيتيح فرصا وآفاق أخرى للتعاون الثقافي الدولي.

وقال مدير المتحف منصف بن موسى لـ(د ب أ) "تلقى المتحف تضامنا واسعا من مختلف متاحف العالم، من طوكيو إلى لوس انجلس ووقعنا معهم العديد من اتفاقيات التعاون". وأضاف بن موسى بتفاؤل "نتوقع ارتفاعا في عدد الزوار فيما تبقى من العام. هناك رحلات مبرمجة للقدوم إلى متحف باردو وحتى بشكل انفرادي".

طارق القيزاني
الاربعاء 27 ماي 2015