نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


معركة النفط الكبرى!




كانت الحرب العالمية الثانية علامة فارقة في التاريخ المعاصر لأسباب كثيرة؛ ربما شاع منها أن العالم تحول من متعدد الأقطاب إلى القطبية الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي التي نتج عنها الحرب الباردة التي تحكمت في الدنيا لعقود تالية. ولكن النظام الدولي لم يكن وحده الذي تغير، وإنما أمور كثيرة ربما كان أهمها أن الاستخدام الواسع للمركبات بأنواعها المختلفة من سيارات إلى مدرعات إلى طائرات إلى سفن حربية، كلها اعتمدت على النفط في تحركاتها حتى أصبح حرمان ألمانيا منه أحد أسباب خسارتها للحرب. وهكذا لم يعد النفط سلعة عادية وإنما استراتيجية بالمعني الشامل للكلمة، خاصة بعد أن تغيرت حياة البشر في الصناعة والزراعة والحرب والسلام معتمدة على النفط في حركتها وتقدمها ورقيها.


 
حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 شكلت علامة فارقة أخرى في تأثير النفط على النظام الدولي والحياة الإنسانية، ومن وقتها باتت العلاقة بين المنتجين والمستهلكين، وبين قوى السوق والتطورات التكنولوجية، علاقة متوترة؛ فالغرب في عمومه تعود على النفط الرخيص طوال العقود الـ3 التي تلت الحرب العالمية، وكان انخفاض أسعاره معتمدا على الشركات المحتكرة لإنتاجه من ناحية، ولأن الدول المنتجة احتاجت وقتا بعد الاستقلال لكي تمسك بزمام أمورها. وهكذا بدأت العلاقة في التغير، فارتفعت أسعار النفط أضعاف ما كانت عليه خلال السبعينات من القرن الماضي، فظهرت قوة «الأوبك»، وفي قلبها الدول العربية ذات الاحتياطيات النفطية الكبيرة خاصة المملكة العربية السعودية.
وبالطبع فإن هذا المقال ليس مخصصا لتاريخ النفط وما طرأ عليه من تطورات، وإنما لفت النظر إلى أنه خلال العام الحالي 2014 ربما كانت أكبر أحداثه متعلقة بالبترول. صحيح أن ما جرى في أوكرانيا خلال العام خلق نقطة فارقة في العلاقات الروسية الغربية حتى إن شبح حرب باردة جديدة أخذ في الظهور. كذلك فإن توابع زلزال «الربيع العربي» بما نتج عنه من دول فاشلة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا خلقت حالة دافعة إلى حرب عالمية ثالثة بين العالم من ناحية وإمارة «داعش» الإرهابية التي أخذت أشكالا شتى بين المغرب وباكستان حتى ظهرت 3 أنواع من «الخلافة»: واحدة لتنظيم داعش بين سوريا والعراق، والأخرى لتنظيم القاعدة بين أفغانستان والهند، والثالثة - حتى الآن - لتنظيم بوكو حرام في نيجيريا.
ومع ذلك ربما كانت قصة النفط في عامنا هذا لا تقل أهمية عن كل ما سبق، فقد بدأ العام وهناك حالة أميركية من الاحتفال بأن الولايات المتحدة أخيرا حققت نوعا من الاكتفاء الذاتي في النفط نتيجة التقدم التكنولوجي في استخراج النفط الصخري. الاحتفال أخذ أشكالا كثيرة، كان منها أنه بات ممكنا التخلص من «الهيمنة» العربية على السوق النفطية بعد أن صارت النبوءة أن الولايات المتحدة أصبحت قادرة على تصدير النفط لحلفائها. ولكن ذلك كان الخبر الأول في القصة التي امتدت تفاصيلها لكي تبشر بالاستقلال عن روسيا في تصدير الغاز لأوروبا. ولكن الخبر الثاني جاء مع منتصف العام عندما بدأت أسعار النفط في الانخفاض السريع وفي شكل «تسونامي» أخذها من 110 دولارات للبرميل إلى ما بين 65 و70 دولارا للبرميل. كان ذلك يفرض احتفالا غربيا آخر، فمن ناحية أصبحت الأسعار داعمة للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية.. ومن ناحية أخرى فإن انخفاض الأسعار سوف يسبب حرجا اقتصاديا كبيرا لروسيا وإيران وفنزويلا، وكلهم خصوم بشكل أو آخر للغرب عامة، والولايات المتحدة خاصة. ولكن الخبر الثالث كان أن الفرحة ربما تكون متسرعة لأن هذا الانخفاض السريع في الأسعار جعل النفط الصخري مكلفا للغاية؛ لأن ثمن البرميل يبلغ 70 دولارا، ومن ثم فإن الأسعار الحالية سوف تسبب خسارة فادحة لشركات النفط الأميركية التي تخصصت في هذا النوع من إنتاج البترول.
الموقف العربي من هذه التطورات لا يدعو إلى الانزعاج، فمن ناحية فإن الدول العربية الرئيسية المنتجة للنفط لديها احتياطيات كبيرة، ومن ثم فإنها سوف تكون قادرة، وبأسعار تنافسية، على أن تلبي حاجات السوق العالمية المتنامية مع الانتعاش الاقتصادي مع تعويض الخسارة في السعر بزيادة الإنتاج. هذه الدول أيضا حتى لو قررت البقاء عند مستويات الإنتاج الحالية فإن لديها من الاحتياطيات النقدية ما يكفي، ولدى بعضها من التنوع الاقتصادي ما يكفي أيضا للتعامل مع الظروف الجديدة في السوق العالمية. الحرج هنا لن يكون للدول العربية، ربما باستثناء الجزائر، وإنما للدول غير العربية المنتجة للنفط، ولكنها تعتمد عليه بشكل رئيسي بوصفه مصدرا للعملات الدولية. كذلك فإن الحرج سوف يكون شديدا بالنسبة لصناعة النفط الصخري الأميركية التي هبطت أسعار أسهمها خلال الأسابيع الأخيرة.
إلى أين يتجه كل ذلك خلال المرحلة المقبلة أو حتى خلال العام المقبل سريعا 2015؟ لا يمكن تحديد ذلك بدقة. ولكن هناك أولا قدرة شركات النفط الصخري على المنافسة من خلال تكنولوجيات جديدة تجعل استخراجه أقل تكلفة. وفي الكتابات الغربية هناك حديث بالفعل عن تكنولوجيات تجعل تكلفة البرميل 57 دولارا، ولكن كم يتكلف من الوقت والمال إحلال التكنولوجيات الجديدة محل التكنولوجيات الأقدم منها التي كانت حديثة حتى فترة قريبة؟ وهناك ثانيا معدلات النمو العالمية، المدى الذي يمكن أن تصل إليه من ارتفاع خاصة في أسواق عطشى للنفط الرخيص نسبيا في الصين والهند وغيرهما من دول الكثافة السكانية الكبيرة. وهناك ثالثا مدى تأثير انخفاض الأسعار على روسيا وإيران، وكلتاهما متورطة في أكثر من معركة وتناقض مع الغرب من أول السلاح النووي، وحتى الخلاف حول سوريا ولبنان والعراق وفلسطين. ولم يعد سرا على أحد أن انخفاض أسعار النفط الحاد خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي كان واحدا من الأسباب التي عجلت بانهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان، مثلما الحال مع روسيا اليوم، معتمدا تماما على النفط. فهل يختلف الأمر هذه المرة، وبدلا من التراجع الاقتصادي، والانهيار السياسي، تستطيع طهران وموسكو نزع فتيل هذه التناقضات؟
معركة النفط الكبرى هكذا هي في جوهرها حول النصيب من السوق العالمية للنفط، وحول مدى القدرة على التعامل مع تراجعات وقتية حتى يستقر النظام الاقتصادي العالمي عند نقطة توازن جديدة تستوعب نتائج التكنولوجيا وارتفاع الإنتاج في الوقت نفسه عند سعر عادل للجميع. ولكن الوصول إلى هذه النقطة ليس بسهولة الحديث عنها، ولكن التجربة التي تعلمناها خلال العقود الماضية أن قوى السوق كانت دائما لها عنفوانها الذي يفرض نفسه في النهاية على الجميع: المنتجين والمستهلكين.
----------------
الشرق الاوسط

عبد المنعم سعيد
الاربعاء 17 ديسمبر 2014