نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


معصرة الحاج يونس المصرية ... شاهد على تاريخ الصناعات البيئية في البلاد




قنا/ مصر- حجاج سلامة - نشأت الصناعة في مصر منذ الحضارة الفرعونية وعرف قدماء المصريين استخراج المعادن كالنحاس والفضة والذهب، ونجحوا في صهرها وتصنيعها، وعرفوا صناعة الآلات والأدوات الزراعية والمعدات الحربية وصناعة الخزف وصناعة بناء السفن وصناعة المنسوجات الكتانية وصناعة عّصر الزيوت ، وعملت المرأة المصرية فى صناعة الزيوت المعطرة والدهانات العطرية .


وتشتهر مدينة قوص التاريخية فى صعيد مصر بتلك الصناعة اى صناعة الزيوت الطبيعية ، من زيوت عام وزيوت طبية ، حيث يحتفظ بعض أهل المدينة بمعصرة يطلق عليها عليها معصرة الحاج يونس نسبة إلى عائلة مؤسسها ، والتى يتوارث العاملون بها تلك الصناعة عن أجدادهم من المصريين ، وتعد معصرة الحاج يونس بمدينة قوص التاريخية فى صعيد مصر ، من أقدم معاصر الزيوت في جمهورية مصر العربية وهى ذائعة الصيت وذات تاريخ كبير ، حيث يعود تاريخ تأسيسها إلى عام 1190 هجرية ، وحينما تدخل إلى المعصرة تطالعك الأزقة التي تتنسم منها عبق التاريخ وتشعر بأريج التراث يتسلل من أنفك إلى رئتيك ليكسبك انتعاشا يصل بك إلى أقصى درجات النشاط والفضول في آن واحد.

وحينما تصل إلى باب المعصرة تطالعك تلك الوجوه التي تألفها وتكون كافة طوائف الشعب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تشترى إنتاج المعصرة من زيوت وعطور وبخاصة زيت حبة البركة وتجد تناسقا عجيبا بين المكان والناس . أما المكان فيتميز بتصميم معماري بسيط ينقلك إلى القرن الماضي أو ربما الذي قبله وتجد على جدرانها بقايا من تاريخ كاد أن يندثر فهو يتكون من حجرتين الأولى واسعة يوجد بها دولابا لعرض المنتجات والحجر الذي يطحن الحبوب والبذور والذي يدور بواسطة بقرة وأما الثانية فحجرة المكابس والأبراش وقد تلونت أرضية الحجرتين بشتى ألوان الزيوت التي تنتجها المعصرة ، وعن منتجات المعصرة من الزيوت تقول الباحثة المصرية الدكتورة خديجة فيصل مهدى أن المعصرة تحظى بشهرة واسعة وهى تتميز بإنتاج كافة الزيوت مثل زيوت : حبة البركة - الكمون الأسود - الجرجير - الفجل - الجزر - السمسم - الخس - البصل - البقدونس - القرع - الينسون - القرطم - الترمس - الثوم - الخردل - الحلبة ، بالإضافة إلى العطور الخام والتي تجلب جاهزة وتباع في المعصرة .

وتجلب المواد الخام من حبوب وبذور من محافظتي أسيوط والمنيا وفترة عصر الزيوت لا تستغرق أكثر من ساعتين من الثامنة صباحا وحتى العاشرة صباحا ويعمل بها عاملان بالإضافة إلى البائع . ويقول يوسف أحمد يونس مدير المعصرة ان انتاجهم من زيت حبة البركة يوميا والذي يتزايد الطلب عليه يتم استهلاكه عن آخره في السوق المحلى ، أما عن الزيوت الأخرى فالإنتاج حسب الطلب ويرجع مدير المعصرة شهرتها إلى أنها من خلال عملية التصنيع تحتفظ بالزيوت الطيارة والتي تحرقها مصانع الزيوت التي تعمل بالماكينات ، ويضيف بأن الإنتاج يتجه نحو إنتاج زيت حبة البركة لتزايد الطلب عليه يوما بعد يوم لاستخدامه كعلاج لكثير من الأمراض . وعن تسويق منتجات المعصرة من الزيوت قال مدير المعصرة أنه لاتوجد أي مشكلة في التسويق حيث يتم استهلاك الإنتاج بالكامل يوميا من خلال توافد المواطنين على المعصرة لشراء احتياجاتهم من الزيوت ولا توجد أي معوقات لهذه الصناعة كما أنها لاتتلقى أي دعم من المحافظة وعلى حد قوله فالمعصرة ليست بحاجة إلى دعم . ويقول الحاج محمد يونس أحمد والذي يبيع الزيوت للجماهير ليرجعنا قليلا إلى الوراء قائلا أن قوص كان يوجد بها حوالي 30 معصرة للزيوت متخصصة في إنتاج زيت الخس والزيوت الأخرى إلا أنها أغلقت أبوابها لاستخدام تلك الزيوت كزيوت للطعام وبعض الظروف الاقتصادية لأصحابها . ويردف قائلا أن المعصرة حظيت باهتمام إعلامي كبير ففي عام 1992 صور برنامج " حكاوي القهاوى " المعصرة وكذلك قامت العديد من القنوات المحلية التليفزيونية والفضائية والإعلام المقروء والمسموع بزيارة المعصرة وعمل موضوعات عنها ويضيف قائلا أن هذه الصناعة قد توارثوها عن الأجداد كابرا عن كابر لتظل تلك الصناعة راسخة .

وعن العمل قال جمال أبوالمجد محمد والذي يعمل بالمعصرة ويبلغ من العمر 60 عاما أنه يعمل بالمعصرة منذ 32 عاما يستمتع فيها بعصر الزيوت ويرضى بما يكسبه من دخل جراء عمله في هذه الصناعة والتي تبدأ بوضع الحبوب على المدور ويدور الحجر بواسطة البقرة لتنعيم الحبوب ثم تضاف إليها كمية من المياه لرفع الرطوبة ثم تعبأ في أبراش وتوضع في المكابس وتعبأ في زجاجات لتباع للجمهور ولا يوجد له أي طلب سوى علاج زوجته المريضة والتي تعانى من آلام في المفاصل . وأخيرا كشفت لنا هذه الرحلة عن تمسك المصري بتراث أجداده مهما تغيرت الأحوال وتغير الزمان ليكشف لنا أن الإنسان ما خلق إلا ليعمر الكون ويكشف عما به من أسرار من خلال سبره لأغوار طبيعة تميزت بالعطاء منذ قديم الزمان .

حجاج سلامة
الخميس 20 نونبر 2014