نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


مهرجان كان: هل تتحول "صعقة" تود هاينس إلى سعفة من ذهب؟





كان -
مها بن عبد العظيم - يشارك فيلم "مصعوق" للمخرج الأمريكي المستقل تود هاينس في السباق نحو السعفة الذهبية. وفي هذا الفيلم الذي يصور طفلين في زمنين مختلفين بنيويورك، تظهر المدينة كشخصية بحالها تطغى بجماليتها على الأقدار والأطوار


 

 لا أحد ربما يصور المدينة كما يفعل المخرج الأمريكي تود هاينس ، الذي جاء إلى الكروازيت بفيلمه "مصعوق" ليشارك في المسابقة الرسمية. كان هاينس قد أبدع في استخدام تقنيات الصورة في "كارول" التي سحرت مهرجان كان عام 2105، وهي قصة حب بين مثليتي الجنس في أمريكا المحافظة بخمسينات القرن الماضي. وخلق المخرج مفارقة رائعة بين عنف المجتمع ورفضه الاختلاف فصنع في مقابله عالما ذاتيا برقة فائقة وعبر جو شتائي ممطر يجسده استعمال مكثف للتصوير من خلف بلور وسخ أو ضبابي"

وكانت روني مارا قد أحرزت عامها عن دورها في "كارول" جائزة أفضل ممثلة. لكن ربما تقتصر المقارنة بين الفيلمين على الأسلوب السينمائي للمخرج. فنتابع "مصعوق"، المقتبس من رواية لبراين سلزنيك، عبر عيون طفل يتيم الأم يدعى بان ويبلغ من العمر 12 عاما، يصاب بصعقة خلال يوم عاصف فيفقد السمع ويهرب من بيته في ولاية مينيسوتا ليبحث في نيويورك عن والده وهو عالم فلك لم يره منذ ثلاث سنوات. تدور أطوار هذه الحكاية الأولى في 1977. وفي تركيب موازي، يبسط هاينس قصة طفلة صماء أيضا تجري في 1927، تترك بيتها في هوبوكان لتلتحق بأمها في مانهاتن وهي نجمة تعمل في الوسط المسرحي الصامت ببرودواي. يهيم الطفلان بحثا كل منهما على نجمته...

يبدع هاينس في الفبركة الحية لعشرينات وسبعينات القرن الماضي وقدرته المذهلة على تصوير ناس المدن بأزياء ذلك الزمن لكن أيضا بالخط الجمالي للفترتين. بالأسود والأبيض بالنسبة للعشرينات، والقبعات الاسطوانية والسيارات القديمة. أما في السبعينات ظهرت قصات الشعر الأفريقية وبنطلونات "الجينس" بتصميم "ساق الفيل" والأزياء الملونة وسيارات "كادياك" وموسيقى "الفونك".

"مصعوق" هو إذا في جزئه المصور بالأبيض والأسود، فيلم صامت. يقول هاينس "لا موسيقى ولا حوار في قصة روز (الطفلة الصماء)، لكن حضور الموسيقى كان أساسيا". في نفس الوقت يشير المخرج إلى أن الجزء "الملون" للفيلم، والذي يعيد فيه صناعة "اللغة البصرية" لسينما السبعينات، هو أيضا صامت نوعا ما بما أن الطفل أصم.

هذا التحدي التقني لهاينس في صياغة "مادية" للتاريخ، يتماشى مع تحد سردي. فالطفل بان مولع بعالم المتاحف، لا سيما عالم التاريخ العلمي وكل ما يعرفه عن والده يربطه بهذا الموضوع. أما روز فتصنع بدورها متحفا شخصيا فتجمع قصاصات الجرائد والمقالات عن والدتها الفنانة. الفيلم بمثابة متاهة، ويقارنه هاينس بـ"لغز كلاسيكي، فالطفلان يسعيان لرفع الغموض" عن الأشياء وعن الأسطورة العائلية، وتجيب بعض رموز القصة الأولى عن أسئلة القصة الثانية والعكس بالعكس. ويتابع هاينس أن التشويق الأكبر يكمن في تخمينات المشاهد "لماذا يقص حكايتين وكيف ستتقاطع" الحبكتان ؟
ينجح هاينس في تفادي إسقاط هوس هاوي التجميع على فيلمه فيأخذنا في سفرتين عبر الزمن يبحث فيها طفلان مطولا عن نفسيهما. طفلان ضائعان في المدينة الكبيرة وسط إشارات "فرودية" وعاطفية تتقاطعان في النهاية رغم أن 50 عاما تفصل بينهما. ففي الأخير نكتشف أن روز ليست سوى جدة بان. وتتقمص روز "الكبيرة" جوليان مور التي أعربت في المؤتمر الصحفي الذي تلى عرض الفيلم في كان عن مدى صعوبية "التمثيل دون كلام". وكانت الأمريكية جوليان مور قد فازت في مهرجان كان العام 2014 بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم "خريطة النجوم" للمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ الذي بحث انحطاط عالم هوليوود.

قصة "مصعوق" هي قصة الأحلام والموروث من الأحاسيس لكنها أيضا قصة السينما وتاريخه، فتتواتر المراجع من الأفلام الصامتة وبدايات هوليوود والصور المتحركة والدراما الكلاسيكية وديزني وصولا إلى السينما الحديثة عبر تذكيرنا بشخصيات الأطفال في أفلام الفرنسي تروفوو والأمريكي سبيلبارغ. وفي كل المراحل تفكير و"تلاعب" بمفهوم الحواس وفقد الحواس في نفس الوقت فيضاعف مثلا المخرج صمم الأطفال بالظلام الكبير الذي غرقت فيه نيويورك بعد انقطاع شامل للكهرباء في إحدى ليالي العام 1977.

سنضع الفيلم تحت شارة الجملة التي تكررت فيه بقوة "كلنا في المجاري لكن البعض ينظر إلى النجوم". أليست هذه مهمة السينما، أن ينتشلنا من واقعنا ويجعلنا نتطلع إلى السماء والأحلام والكواكب ؟ كلمة مصعوق" تعني أيضا بالانكليزية "الوقوع في الحب من أول نظرة": هكذا نزلت صاعقة السينما على كان... فهل تتحول "الصعقة" الجمالية إلى "سعفة" ذهبية ؟

 
 


مها بن عبد العظيم - فرانس 24
الاحد 21 ماي 2017