نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


مهرجانات الفساد العربي : هل نحن مضطرون للمشاركة فيها؟




بعد انتهاء إحدى دورات مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، الذي كان منجم فضائح لا تنتهي… قال لي أحد مدراء الأقسام في التلفزيون السوري معاتباً: “ما قلتي مبروك ع الجائزة يا زميل…” ابتسمت وسألته عن أي جائزة تتحدث… فقال بافتخار والقاف تكاد تقفز من وسط حلقه: “قرد… معقول مانك سمعان عن فيلم (الصفحات الأولى) عن القائد الخالد” ابتسمت معتذراً بأنني لم أسمع بالفيلم فعلا.. وقبل أن أكمل قال لي: ” بالله قلنالهم هذا فيلم عن القائد الخالد وأقل من ذهبية أبنقبل”


 

 

كان مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، الذي أقيم لأول مرة عام 1995 وأطاحت به ثورة 25 يناير عام 2011 بعد أن أصبح اسمه (مهرجان القاهرة للإعلام العربي) يمثل ذروة سطوة رجل سوزان مبارك، وزير الإعلام الأسبق (صفوت الشريف) وتحالفاته السلطوية، وقد سبق لرئيس لجنة صناعة السينما والتلفزيون، أن قدم شكوى ضدي إلى وزير الإعلام السوري محمد سلمان، لأنني قلت في المهرجان ما لم يقله مالك في الخمر، من خلال اتصال هاتفي في برنامج (الاتجاه المعاكس) عام 1998 على ما أذكر… متهماً إياي بأنني أسيء للعلاقات الأخوية بين مصر وسورية، وللجوائز التي حصدتها سورية في المهرجان… مع أنني لم أفعل شيء سوى أنني أوضحت أن المهرجان هو الدجاجة التي تبيض ذهباً لمصر… حيث أن هذا المهرجان – بخلاف كل المهرجانات المحترمة- لا يرفض مشاركة أي عمل إذاعي أو تلفزيوني فيه مهما كان رديئا أو تافهاً… يكفي أن تدفع رسم اشتراك العمل (350) دولار كي تقبل إدارة المهرجان أي شريط فيديو ترسلها له، وتضع اسمك عليه حتى لو كان فارغاً.. أما إذا أردت المشاركة في السوق الموازي فأجرة الجناح تتراوح بين (1500_ 3500) دولار… والحسابة بتحسب!

وقد بلغ عدد الجوائز التي كان يوزعها مهرجان القاهرة إلى ما يقرب (170) جائزة… إلى الدرجة التي دفعت بالناقد المصري محمد الرفاعي لأن يكتب في مجلة (صباح الخير) المصرية ذات مرة… “كل واحد عدّى ورمى السلام خد جايزة”! وكان المصريون يستأثرون بالجوائز الذهبية التي كانت وحدها مرفقة بجائزة مالية… على طريقة “زيتنا في دقيقنا” ولا يوفرون الجوائز الأخرى بالطبع… وإن كان بعضها يوزع حسب رغبة أصحاب النفوذ… بمعنى أن وفد الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية مثلاً… كان يقاتل على جوائز للأعمال التي ترضى عنها الإدارة… ويا حبذا لو تكون للمخبرين والمرتبطين بأجهزة الأمن، وعرصات المدير العام، وأقرباء روؤساء التحرير كشقيق زوجة فلان… أو زملاء الزوجة الثانية لعلتان!

والواقع أن الحال لم يتغير كثيراً مع مهرجان الأردن للإعلام العربي، الذي حمل الراية عن سلفه غير المأسوف على شبابه مهرجان القاهرة… لا في أمثال هذه المحسوبيات، ولا في طبيعة الجهات التي حصدت جوائز في غياب مشاركة قنوات كبرى كالجزيرة والأم بي سي والعربية بغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع خطها السياسي.

يطلق السعوديون على القناتين الأولى والثانية، من قنوات تلفزيونهم وإذاعتهم الحكومية: “غصب 1″ و”غصب 2”.. لكن هذه القنوات حصدت في مهرجان الأردن الثالث للإعلام العربي الذي اختتم أعماله في عمان قبل أيام،(٧)جوائز منها(٣) ذهبية و(٣) فضية وواحدة برونزية، وهذه البرنزوية كانت مناصفة بين التلفزيون السعودي والتلفزيون الحكومي القطري، الذي بدوره حاز على أربعة جوائز، اثنتان منها ذهبية وواحدة فضية، وواحدة برونزية في فضيحة “المثالثة” التي خصصت لما سمي فئة (البرامج الحوارية) والتي أضيف إليها في اللحظات الأخيرة برنامج(آخر الأسبوع) لتلفزيون الأورينت.. في تقليد استرضائي مُهين لم نسمع عنه في أي مهرجان في العالم!

لا أريد أن أتحدث عن باقي التلفزيونات الحكومية التي يعرف جمهورها المحلي أكثر من غيره، ما موقعها من الإعراب على خارطة الضجر والتثاؤب التلفزيوني، لكن ما يشكل فضيحة حقيقية في المهرجان هي الجوائز الذهبية والفضية التي حصدها التلفزيون الإردني، ليس لأنه أفضل أو أسوأ من “غصب-1″ و”غصب-2” مثلا… ولكن لأن مدير البرامج في هذا التلفزيون هو عضو في لجنة التحكيم التي ستمنح الجوائز!

ولم يعد سراً أن التكريم الذي تحظى به القنوات المشاركة في هذا المهرجان، هو لقاء الرعاية الإعلامية التي تدفعها المحطات الخاصة بآلاف الدولارات… وهذا الأمر يدين المهرجان أكثر مما يدين القنوات التي قبلت أن تُكرّم بفلوسها… لكنني حين أنظر إلى الجوائز الثلاثة التي منحت لتلفزيون وراديو الأورينت وجميعها برونزية ومناصفة وواحدة مثالثة… أستطيع أن أسجل الملاحظات التالية:

1- برنامج (حكواتي الفن) صنف كمسلسل وهو برنامج إذاعي وليس مسلسلا درامياً. فإضافة مؤثرات تعكس أجواء المقهى، وعبارات لجمهور مستمع يعترض السرد الحكائي الذي يجمع معلومات عن سير الفنانين، لا تحول النص السردي للبرنامج إلى دراما في غياب بينة درامية للعمل. ورغم شارة هذا البرنامج الغنائية الجميلة، إلا أن الأمانة والإنصاف لتاريخ الفن بسورية، تقتضي منا التذكير بأن البرنامج في عنوانه ومضمونه مأخوذ من برنامج كان يقدمه الفنان رفيق السبيعي لسنوات طويلة في إذاعة دمشق باسم (حكواتي الفن) أيضا… وهو يتكلم بصيغة ولهجة الحكواتي الشعبية ذاتها.. وكان يتحدث فيه رفيق السبيعي عن سير وخفايا حياة الفنانين كما هذا البرنامج أيضاً. ولا أدري كيف يحصد العمل جائزة يرونزية مناصفة في الدورة الثانية في المهرجان، ثم يحصد الموسم الثاني منه على نفس الجائزة البرونزية المناصفة دون أن تطرأ أية تطويرات على محتواه سوى استعرض سير المزيد من الفنانين.. بمعنى أنه ليس جزءاً ثان من مسلسل درامي تتطور فيه الأحداث والشخصيات، ولا فيلما يقدم بنية درامية جديدة تتطور في مسار جديد!!!

2-  البرنامج الوثائقي (ذاكرة المكان) الذي حصد الجائزة البرونزية مناصفة مع فيلم (قنبلة موقوتة) الوثائقي الذي أنتجته قناة سكاي نيوز، عن مفاعل ديمونة الإسرائيلي، تقاسم الجائزة مع عمل آخر ليس من النوع الفني ذاته. ف(خارج  المكان) ينتمي إلى صيغة البرامج الوثائقية، التي يظهر فيها مذيع أو محقق.. وهي صيغة تمزج بين الوثائقي والريبورتاجي، بينما فيلم (قنبلة موقوتة) ليس برنامجاً وثائقيا بل هو فيلم وثائقي، ينتمي في تصنيفه إلى فئة الأفلام الوثائقية التي تعتمد التعليق الصوتي، أو تسير وفق سيناريو محكم بلا تعليق، حسب معايير المهرجانات التي تهتم بالتصنيف الفني وتضع معايير واضحة لقبول الأعمال فلا يغدو “كله عند العرب صابون”.. ناهيك عن أن حلقات (جلال الدين الرومي) من برنامج (آخر المكان) والتي كانت قد تعرضت لمشكلة حقوق لا مجال للخوض فيها الآن، كانت تحمل توقيع الزميل أحمد العقدة، وهي مازالت منشورة على قناة أورينت لليوتوب باسمه معداً.. وإعادة مونتاجها لا تنفِ علاقته بها.

3 – لا أدري كيف يكون برنامج (آخر الأسبوع) برنامج حوارات سياسية… وهو يقوم في بنيته على جملة متابعات إخبارية وتقريرية، يُجمل من خلالها البرنامج أبرز محطات الأسبوع… وكان به على ما أذكر فقرة اسمها (شخصية الأسبوع) أي بورتريه صحفي.. ويمكن لأي مبتدئ بالإعلام أن يدرك أن هذا التصنيف الخاطئ، جعله يحصد “ثلث جائزة” بالتشارك مع برنامج (مواجهات اقتصادية) السعودي، و(بصراحة) القطري…  لأن المهرجان بالأساس لا يُلزم نفسه بأي منهجية يحترم من خلالها أعمال القنوات المشاركة.

إن هذا المهرجان بجوائز الترضية البرونزية المناصفة والمثالثة، وبمنحه الجوائز الكبرى للتلفزيونات الحكومية التي تشتكي أنظمتها وشعوبها، من جمودها وتخلفها وعدم إمكانية إصلاحها.. يكرّس تقاليد الفساد التي طبعت المهرجانات الحكومية العربية  على مدار عقود… وهو يتعامل مع المحطات التلفزيونية المتحررة من الخطاب الخشبي الرسمي باستعلاء واستخفاف.. فيمنحها فتات جوائز الدرجة الثالثة، في لعبة تفاوض كواليسي، تلعب فيها الفلهوية الشخصية دوراً في العرض والطلب والمساومة المبازرة.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تلفزيون الأورينت – على سبيل المثال لا الحصر-  بما حققه من حضور، بحاجة لشهادة حسن سلوك من مهرجان فيه كل هذه الفضائح وهذا الاستهتار بأبسط معايير العمل النقدي، وأبسط القيم والمقاييس التي تجعل المهرجان محترماً في أعين المشاركين فيه ومتابعي ما يصدر عنه؟!  وإلى أي مدى بعد ما دفع الشعب العربي من ثمن لمحاربة الفساد والشللية في غير بلد عربي، نحن مضطرون أن نساهم في إنتاج نفس الحالة الخشبية المتصلبة مع دفع (15) ألف دولار أمريكي ثمن رعاية إعلامية لمثل هذا الشيء…!
-------
الغراب


محمد منصور
الاثنين 29 غشت 2016