نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


ميامي .. صور متناقضة بين الجاذبية والاثارة والخطورة والاجرام




ميامي - دانييل جارسيا ماركو - المخدرات والعنف والمال .. الصورة التي كان يعكسها مسلسل (ميامي فايس) منذ 30 عاما عن المدينة الأمريكية كانت إيجابية على عكس ما ظنه السكان ورجال السياسة في هذا الوقت.


في حقبة السبعينيات كانت ميامي بمثابة الملجأ المثالي للمتقاعدين بحثا عن الشمس والراحة والجو المنعش، ولكن عالم المخدرات بدأ في التسلل إليها بداية بالمارايجوانا ثم الكوكايين لتصبح مثل شيكاغو في حقبة العشرينيات تحت سيطرة آل كابوني، الرجل نفسه الذي توفي في ميامي عام 1947 ولا يزال منزله في ستار آيلاند في الوقت الحالي من أهم المزارات السياحية.

يقول بيلي كوربن مخرج فيلم (كوكايين كاوبويز) الوثائقي الذي يعكس عالم الجريمة المتفجر بميامي في حقبة الثمانينيات بميامي وألهم صانعي فيلم (سكارفيس) ومسلسل (ميامي فايس)، الذي يكمل في 2014 عيد ميلاده الثلاثين "ميامي كانت عاصمة المخدرات وغسيل الأموال والقتل في الولايات المتحدة، وهذا كان أمرا جذابا بصورة كبيرة بالنسبة للمراسلين والكتاب وأيضا للمشاهدين والقراء".

أرباح الكوكايين التي وصلت إلى 20 مليار دولار سنويا في ميامي جاءت مصحوبة بتضاعف عدد جرائم القتل ثلاث مرات في حقبة الثمانينيات وهو ما جعل مجلة (تايم) تصف المدينة بـ"الجنة المفقودة" في صفحتها الرئيسية، حيث أنها في 1981 كانت صاحبة أعلى معدلات جرائم قتل في الولايات المتحدة، 621 جريمة سنويا.

ولكن ما هي الأسباب التي أدت لهذا؟ يقول نائب مدير متحف تاريخ ميامي خورخي زامانيو، والذي كان مسؤولا في 2009 عن معرض حول تاريخ الجريمة في المدينة، لوكالة الأنباء الألمانية (د .ب. أ) "ميامي وجنوب فلوريدا هما الأماكن المثالية لأي تجارة أو تهريب المخدرات، تقع في وسط الكاريبي، أي شيء يمكن تهريبه من جنوب فلوريدا وتوزيعه في كل أمريكا الشمالية".

وأضاف "لقد كانت ميامي هي مركز دخول المخدرات، الأمر سهل للغاية عن طريق المستنقعات، في محمية إيفيرجليدز.. توجد الكثير من المناطق التي يسهل الاختباء بها، النقل ليس صعبا، فلوريدا ولاية تحيط بها المياه ويصعب حماية كل الساحل".

جاء رد الفعل من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بإعلان الحرب على الماريجوانا التي كانت تجارة مزدهرة مما أدى لتغيير الدفة نحو الكوكايين الذي يجلب قدرا أكبر من الأموال بتهريب كمية أقل حيث يقول زامانيو "الفارق بين ما كان ينفقونه ومكاسبهم من البيع كان رهيبا".

تسببت هذه التجارة ومنافسة العصابات في زيادة العنف هذا بالتزامن مع ارتفاع معدلات الهجرة، بخلاف التوترات بين السكان الأصليين والوافدين الذين كانوا يتنافسون على نفس وظائف العمل ضعيفة الأجر، فبدأت في الثمانينيات موجة كبيرة من الهجرة حينما سمحت حكومة كوبا بخروج 125 ألف شخص من ميناء مارييل، حيث يقول زامانيو "أغلبهم كانوا من السجناء، بقاؤهم في كوبا لم يكن الحل المثالي".

وسواء كان من أتوا من كوبا مجرمين أم لا فإن ميامي كانت تقدم للمهاجرين الحلم الأمريكي: الثراء السريع، لا يهم هذا إذا كان بشكل شرعي أم لا.. قصة أحدهم ربما تجسدها شخصية توني مونتانا التي أداها آل باتشينو في فيلم (سكارفيس) عام 1983 ، لمهاجر كوبي يصل للولايات المتحدة خاوي الوفاض وفي غضون وقت قليل يصبح مليونيرا دمويا وأحد بارونات تجار المخدرات في المدينة.

وأضاف زامانيو "كان من الممكن أن تصل من كوبا أو أي مكان آخر وفي ظرف شهرين أو ثلاثة تجد عملا عند شخص يدفع لك آلاف الدولارات أسبوعيا لنقل المخدرات في سيارتك أو مركبك"، حيث أنه لتفريغ شحنة ليلا كان الفرد يحصل على خمسة آلاف دولار، وربما كان يصل إجمالي ما يكسبه أحدهم من هذا العمل غير الشرعي المتواضع على 18 ألف دولار سنويا.

الجميع كان يحقق مكاسب من الكبير للصغير كما كانت تقول السياسة الاقتصادية للرئيس الأمريكي خلال هذه الفترة، رونالد ريجان الذي كان يؤمن أن المزايا الممنوحة للأثرياء ستعود بالنفع على الفقراء، وميامي بصورة أو بأخرى أظهرت أنه كان على حق ولو بشكل غير قانوني.

وبعد (سكارفيس) ظهر في 1984 مسلسل (ميامي فايس) الذي استمر حتى 1989 حيث كان بطلاه سوني كروكيت وريكاردو توبس يلاحقان الجريمة التي ترتبط دائما بالمال والمخدرات والأغنياء.

وحول تأثير هذا الأمر يقول زامانيو "فجأة بدأت ميامي تأخذ صورة المدينة المثيرة والخطرة التي لا تخلو من الجاذبية، لأن الجميع كان يرغب في عيش هذه الحياة المليئة بالسيارات والنساء والفنادق والشواطىء، فجأة أصبحت ميامي مثيرة للاهتمام بالنسبة للأمريكيين".

من ناحيته يقول (كوربين) إن مسلسل (ميامي فايس) ساهم في نهضة منطقة (ساوث بيتش)، حيث يعتبر أن العمل كان متسما بالواقعية على الرغم من صورة البطل التقليدي الخاصة بكروكيت التي كان يؤديها دون جونسون لمحقق لا يرتدى إلا الـ"فيرساتشي" ويعيش في قارب ويقود سيارة (فيراري)، أما حيوانه الأليف فهو تمساح يدعى (الفايس).

وشهدت هذه الفترة البدء في تشييد ناطحات السحاب الأولى بوسط المدينة ومنطقة (ميامي بيتش) و(ساوس بيتش) فضلا عن البدء في إعادة ترميم بناياتها التقليدية بأموال السلطات الحكومية والشركات العقارية، هذا إلا أن زامانيو يقول إن "كل النقود التي قدمها المستثمرون والمصارف لإنشاء وسط المدينة كانت كلها نقود قذرة قادمة من المخدرات.. قروض البنوك كانت متاحة بسبب الأموال التي دخلت إلى النظام المصرفي عن طريق المخدرات".

وبالتالي أصبحت المخدرات موردا استفاد منه الجميع سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ومن هنا جاء التساهل أو التسامح، ومن هنا أيضا أصبحت الجريمة لها شكل "مثير" وليس "قبيح"، ولكن كل شيء له نهاية، فحينما بدأ العنف يضرب الأبرياء بصورة مباشرة وسط عمليات لتبادل إطلاق النيران، بدأت السلطات في شن عملياتها ضد هذا النوع من الأعمال حتى تتراجع.

أضاف كوربن المولود والمقيم في فلوريدا "خلال الثمانينيات كان المرء يدمن نقود المخدرات وكان العنف الذي قضى على كل شيء، حيث أنه سابقا طالما كانت الأمور تسير بصورة جيدة فإن الجميع من رجال سياسة وشرطة كانوا مستعدين للنظر في الاتجاه الآخر".

وتابع المخرج "أكثر شيء مبهر في الموضوع هو ثبوت خطأ اعتقاد أهالي ميامي السائد بأن الصورة التي تعرض بها المدينة في مسلسل (ميامي فايس) قد تضر بالمدينة سياسيا وسياحيا وأن تبعد الناس عنها، ولكن العكس كان هو الصحيح".وأكمل كوربن "سمعة ميامي كمكان مثير وخطر زادت من جاذبيته ليس فقط من قبل باقي سكان المدن الأمريكية بل من خارج الولايات المتحدة"، حيث بدأت معدلات السائحين القادمين للمدينة تشهد في الثمانينيات تدفقا غير مسبوق ولا تزال حتى الآن من أهم المقاصد السياحية.

وخلال الـ15 عاما الماضية بدأت الأمور في التغيير، حيث بدأت ناطحات سحاب جديدة في الظهور ومعها شكوك بخصوص ظهور فقاعات عقارية ، حيث يقول كوربن "أحد أهم أوجه الشبه بين الماضي والآن يتمثل في الفساد السياسي، كل ما يحدث يجعلني أفكر في أن القصة ستتكرر مجددا".ويرى المخرج أنه حتى الآن فإن المصدر الرئيسي للنقود السائلة في الولاية يتمثل في الماريجوانا التي لم تقنن بعد هناك، في حين تليها الجرائم المرتبطة بالقطاع المالي والمصرفي المزدهر.

ولا تزال ميامي هي الخلفية المفضلة للكثير من مسلسلات الجريمة على غرار (ميامي فيس) مثل ( سي إس أي ميامي) أو (ديكستر) وهو الأمر الذي يخشى زامانيو من تأثيره على الأجيال القادمة حيث يقول "انظر لـ(سكارفيس).. الكثير من الأطفال يرغبون في أن يصبحوا مثل شخصية آل باتشينو، ولكن الجريمة في الحقيقة لم يعد يوجد أي رونق بها".

دانييل جارسيا ماركو
الاثنين 11 ماي 2015