نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


نماذج من التفكير في السياسة وغيرها




1

يتداول سياسيون سوريون مرموقون ومثقفون أيضاً، من الموالين وشبه الموالين للسلطة "الشرعية"، صورة، تضم "الملك" عبد الله الأول، جَدّ الملك حسين، ملك الأردن (السابق)، ووزير الدفاع الصهيوني، موشي ديان، في "جلسة أخوية" عام 1949، مع شخص ثالث. وكُتب على الصورة التعليق الآتي: "عرفتوا ليش ضاعت فلسطين."، بدون إشارة استفهام. تريد هذه الرسالة أن تقول: ضاعت فلسطين عام 1949، نتيجة خيانة الأمير عبد الله بن الحسين جدّ الحسين، الذي أُبرمت في عهده اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل، وأبو جدّ الملك عبد الله الثاني ملك الأردن اليوم.


 

ضاعت فلسطين بسبب الخيانة؛ الخيانة تنتقل بالوراثة.
لو وجّهنا السؤال لأيّ من هؤلاء، ووضعنا كلمة سوريا محلّ كلمة فلسطين، لقال: ضاعت سوريا، بسبب خيانة المعارضة عام 2011. ويمكن أن يفصِّل في ذلك قائلاً: ضاعت سورية بسبب خيانة المعارضين، التكفيريين والإرهابيين، من أمثال منتهى الأطرش، أخت سلطان الأطرش، وبنت ذوقان الأطرش، الذي أعدمه جمال باشا السفاح، وخيانة فداء حوراني، بنت أكرم الحوراني، وسهير الأتاسي، بنت جمال الأتاسي، وسلام الكواكبي حفيد عبد الرحمن الكواكبي والقائمة تطول.

ضاعت سوريا بسبب الخيانة؛ الخيانة تنتقل بالوراثة.

2

في السياق نفسه، أرسل لي كاتب وشاعر سوري، قبل أيام، نصاً "بقلم الدكتور أسامة فوزي" عنوانه: لماذا أطلقت الاستخبارات الأمريكية لقب "مستر بيف" على الملك حسين .. ومن كان رئيس الملك (ومشغِّله) في عمان، مع إشارتي استفهام. ظننت أن إشارة الاستفهام الزائدة في المقالة تعويض عن إشارة الاستفهام الناقصة على الصورة؛ فاكتشفت كم أنا غبيّ. لكن العزاء كل العزاء أن "الملك حسين يحاسَب اليوم في قبره على بعض ما فعله بحقّ وطنه ودينه وأمته"، حسب الدكتور أسامة فوزي، كاتب المقال. ودليل غبائي أنني لم أفهم حتى اليوم مغزى كثرة إشارات الاستفهام بعد صيغة السؤال. اللغة العربية تتجدّد، والمعرفة تتجدّد، بالتذكّر والتذكير، والثقافة تتجدّد بالتكرار، فلا تيْئَسوا.

3

يتداول السياسيون اللامعون، و"المثقفون" اللامعون أنفسهم، نصّاً طويلاً، يشرح مزايا فلسطين، صدَّره كاتبه بقوله: "في عام 1948 احتُلّت فلسطين (هكذا)، فماذا تعرف عن فلسطين .." (نقطتان بدلاً من إشارة الاستفهام، تعنيان: فماذا تعرف عن فلسطين أيها الجاهل؟). أولى مزايا فلسطين، وعددها خمس وثلاثون مزيَّة، أنها، أي فلسطين، "أرض المحشر والمنشر". والثانية أنها "أول بلد أقسم بها الله عزّ وجلّ في كتابه .." (هكذا). وثالثها أن "نبي الله، إبراهيم دفن هو وابنيه (هكذا) في مدينة الخليل بفلسطين .."، وكل عقلي أن نبي الله، إبراهيم، شخصية أسطورية! فاكتشفت جهلي إلى جانب غبائي. ليس هنالك من معرفة تضاهي "المعرفة اللدنية" التي يهبها الله لعباده الصالحين.

في ضوء هذه المزايا، ومثلها كثير، فكّرت: إما أن الله عادل، أعاد فلسطين لأصحابها، اليهود، أحفاد نبي الله، إبراهيم، وإما أنه ظالم، تسبَّب في محنة الفلسطينيين ونكبتهم، وتشريدهم وشرودهم في أربع جهات الأرض، وإما أنه ماكر، جمع الآثمين (الفقراء) من اليهود في فلسطين، لكي يبيدهم المسلمون، عن بكرة أبيهم، يوم الحشر. وكان أحمد سعيد، الإعلامي في إذاعة "صوت العرب" المصرية، أيام عبد الناصر، يستعجل يوم الحشر، بالقضاء على اليهود، ورميهم في البحر، وعلى نهجه سار الرفاق القوميون و"أخوة المنهج" من الإسلاميّين، حتى يومنا، وإلى يوم الحشر والنشر. فالج لا تعالج.

4

السياسيون و"المثقفون" اللامعون، ومعهم جمع غفير من القوميين، البعثيين، واليساريين الثوريين، وبعض الفلاسفة من العرب والكورد، هاجوا وماجوا على عاهل الممكلة العربية السعودية، الملك سلمان، لما أغدقه على ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من هدايا وهبات وعقود جائرة. فلا يكفي أن هذا الملك "عميل للإمبريالية"، و"صنيعة الولايات المتحدة الأمريكية"، بل هو يبدّد ثروة "الأمة العربية". لا غبار على هذا الكلام، لولا أن هؤلاء الأشاوس لم ينبسوا ببنت شفة على من بدّد ثروات سوريا، وأغدق بمعظمها على أقاربه وأنسبائه ومحاسيبه. فقد صرّح رامي مخلوف، في مقابلة أجرتها معه إحدى المجلات، أن نشاط شركاته يعادل 60% من النشاط الاقتصادي السوري، (عن كتاب جمال باروت، العقد الأخير في تاريخ سوريا، ص 73). ولم ينبسوا ببنت شفة، منذ 2011، سوى على الإسلاميين التكفيريين الإرهابيين الظلاميين، الذين يستقوون بالخارج. (الإيرانيون والروس وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية وقائمة تطول من المرتزقة، كلهم من الداخل، بل داخل الداخل)

5

منذ أُعلن عن استفتاء الكورد، في استقلال إقليم كردستان العراق، أو بقائه في كنف الدولة الفدرالية العراقية، قامت قيامة العرب السوريين، ولا سيما القوميين منهم واليساريين المتقومنين، سوى عدد قليل جداً، لا يُعتدّ به، قامت قيامة هؤلاء على الكورد السوريين، وتأكّدت لهم شبهة أن "الأكراد أخطر من إسرائيل"، يعملون على تجزئة التراب الوطني، وتفكيك الوحدة الوطنية، والإمعان في تفتيت "الوطن العربي"، واعتراض المسيرة التوحيدية الظافرة، التي ابتدرها حزب البعث العربي الاشتراكي، منذ أربعينات القرن الماضي، واستكملها الزعيم الخالد، حافظ الأسد، باحتلال لبنان، والقائد الضرورة، صدام حسين، باحتلال الكويت، وأعاد بناء نواتها الصلبة، قائد مسيرة الجيش والشعب، الدكتور بشار الأسد، بتقوية الروابط الوطنية بين جميع السوريين، وبينهم وبين جميع العرب. وتكفَّل الأشقاء الإيرانيون و"المقاومة الإسلامية" بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وإزالة دولة إسرائيل عن الخريطة.

العائق الوحيد أمام هذه المسيرة (وأمام عودة المهدي المنتظر، قبل يوم الحشر والنشر) هو وجود الأكراد، مجرّد وجودهم ضيوفاً جاحدين، في أرض العرب، مهد الحضارات البشرية ومهبط الديانات السماوية. هذا الوجود الناشز والناتئ للأكراد في ربوع الأمة العربية ومضاربها جعل معظم المثقفين السوريين يفقدون صوابهم من فكرة النظام الفدرالي الأقرب إلى الديمقراطية، وهم يعلمون أن هناك دولاً قومية (= وطنية) فدرالية راسخة ومستقرة وديمقراطية، وبعضهم من دعاة حقوق الإنسان. لعلّ عربان سوريا يخافون من سابقة استفتاء الشعب في القضايا المصيرية، التي تمس كل فرد من أفراده، كالاستقلال أو الاندماج أو تغيير النظام الاجتماعي الاقتصادي، من الليبرالية إلى الاشتراكية، كما حدث في سوريا عام 1963، على سبيل المثال، لأنهم أدمنوا البيعة، التي تميّز العرب عن سائر شعوب العالم.

6

خبراء اقتصاديون بارزون، يتداولون مقالة للدكتور عبد الرزاق بني هاني، بعنوان "علم الجهل"، يتحدث فيها عن "مؤسسات تابعة لحكومات دول كبرى متخصصة في هندسة الجهل وصناعته وتغليفه بأرقى الأشكال، ثم تسويقه على نطاق واسع"، وأن مستهلكي هذه البضاعة هم الفقراء والمتديّنون والمغفّلون من السياسيين وصُنّاع القرار. ثم يردفونها بمعلومات "قيّمة" عن العراق، منها أن دخل الفرد العراقي بلغ سبعة آلاف دولار سنوياً، عام 1978، وكان الثالث عالمياً بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، وحينها قرّرت الحكومة العالمية السرّية وضع حدّ للعراق.

اللافت في هذه المعلومات أن "متوسط دخل الفرد"، لا يدل على مستوى الحياة الإنسانية للكتلة الأساسية من الشعب، في أي دولة، بل يدل فقط على نمو الناتج الكلي، الذي لا يوزّع في العادة توزيعاً عادلاً. نعتقد أن ثمة علاقة واضحة بين هذا المعيار الاقتصادي "العلمي" وبين علم الجهل. والأدهى أن الحكومة العالمية السرّية هي التي قرّرت وضع حدّ للعراق، هنا يبلغ العلم ذروته. هل تريد هذه الرسالة أن تقول: إن الحكومة العالمية السرّية هي التي حاولت أن تضع حدّاً لسوريا الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة عام 2011، ولكنها فشلت هذه المرة، نتيجة التفاف الشعب حول قيادته الحكيمة؟!

7

قرأت، منذ أيام، رواية "حديقة الحيوانات"، للكاتب البريطاني، جورج أورويل، مرة ثانية أو ثالثة، فاكتشفت، هذه المرة، أنني، كنت واحداً من حيواناتها، من دون أن أعي ذلك. ترى، ألست كذلك إلى اليوم؟!
--------
صور


جاد الكريم الجباعي
الخميس 21 سبتمبر 2017