نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


ألبير كامووالمسيح الاستعماري






تمرّ، هذا الشهر، الذكرى الخامسة والسبعون لصدور «الغريب»، رواية الفيلسوف والروائي والمسرحي الفرنسي ألبير كامو (1913ـ1960)، التي كانت طبعتها الأولى قد صدرت في العاصمة الفرنسية باريس، عن دار النشر غاليمار، وترجمت اليوم إلى 60 لغة، بينها أربع ترجمات في اللغة الإنكليزية، ومثلها (أو أكثر ربما، لست متأكداً تماماً) في اللغة العربية. مبيعاتها الإجمالية قُدّرت بأكثر من ستة ملايين نسخة، ولهذا يُقال ـ عن حقّ، أغلب الظنّ ـ أنّ المرء يعثر عليها في مكتبة قارئ مراهق، وآخر شيخ، وتلميذ مدرسة ثانوية، وأستاذ جامعي…


 
الأسباب كثيرة بالطبع، لعلّ أوضحها أنّ كامو بشّر ـ في أوج صعود النازية، وأهوال الحرب العالمية الثانية ـ بنمط إنساني غير مألوف، تمتزج في شخصيته عناصر العبث المطلق والوجود القلق والأسئلة المعلقة. وأمّا أكثر الأسباب غموضاً، ولكن أشدّها نفاذاً إلى تكوين الإنسان المعاصر في هواجسه المتعددة، المعقدة والمتشابكة، فإنه اقتراب نموذج مورسو، بطل الرواية، من صورة المسيح المخلّص، كما عبّر كامو نفسه في عبارة شهيرة، حمّالة أوجُه: مورسو هو المسيح الوحيد الذي نستحقه!
وليس غريباً، استطراداً، أن يسير ختام الرواية (في ترجمة عايدة مطرجي إدريس) هكذا: «لكأنّ هذا الغضب العظيم قد طهرني من الشرّ، وأفرغني من الأمل أمام هذا الليل المحمّل بالعلامات وبالنجوم، كنت أنفتح للمرة الأولى على لامبالاة العالم. وإذ شعرت بالعالم شبيهاً بي إلى هذا الحدّ، أخوياً في آخر الأمر، أحسست أنني سبق أن كنت سعيداً، وأنني ما أزال سعيداً. ولكي يكتمل كل شيء، ولكي أحسّني أقلّ توحداً، كان يبقى لي أن أتمنى أن يكون هناك كثير من المشاهدين يوم تنفيذ الإعدام بي، وأن يستقبلوني بصرخات مليئة بالحقد والكراهية».
غير أنّ هذا «المخلّص» قاتل في نهاية المطاف، ارتكب جريمة بدم بارد، على نحو عبثي لا تدور شروطه في مطلق ميتافيزيقي، بل في بلد اسمه الجزائر، خاضع لاستعمار دولة كبرى اسمها فرنسا. وكان إدوارد سعيد، في دراسة فذّة بعنوان «السردية، الجغرافيا، والتأويل»، تعود إلى سنة 1989، قد تعمّق في قراءة خلفيات شَرْعَنة الاستعمار الفرنسي للجزائر كما تنعكس في عدد من أبرز أعمال كامو، بينها «الغريب» و«الطاعون» بالطبع، وعدد من القصص القصيرة. واعتبر سعيد أنّ «القراءة التصحيحية» تستلزم النظر إلى تلك الكتابات بوصفها مساهمات في تاريخ الجهود الفرنسية للبقاء في الجزائر، وبالتالي رفض فكرة استقلال البلد رفضاً قاطعاً، تماماً كما فعل كامو في الواقع. وبهذا فإنّ من الصحيح اعتبار عمله منضوياً، تاريخياً، في المشروع الاستعماري الفرنسي، من جانب أوّل، ومناهضاً لمشروع استقلال الجزائر عن «فرنسا الأمّ»، من جانب ثانٍ.
هذا لا يعني إصدار أحكام مسبقة على القيمة الفنّية لتلك الأعمال، كما لا يلغي تثمين الجانب الآخر في كتابات كامو التي تمجّد المقاومة الفرنسية ضدّ الاحتلال النازي، فالوجهان، عند سعيد، معادلة جدلية توفّرت لدى العديد من الكتّاب، في الآداب الغربية التي اقترنت بصعود الإمبراطورية والأحقاب الاستعمارية. فلتكنْ كتابات كامو عن الجزائر، يحثّ سعيد، «عنصراً في الجغرافيا السياسية الفرنسية عن الجزائر، والتي تمّت صياغتها على نحو منهجي استغرق أكثر من جيل، وذلك لكي نحسّن قدرتنا على النظر إلى أعماله بوصفها مصدراً لسرد مكثف أخاذ عن ذلك التصارع السياسي والتأويلي، الذي استهدف تمثيل واستيطان وامتلاك الأرض ذاتها».
وأمّا خارج النصّ الأدبي، فإنّ كامو كان واضحاً تماماً في رفض فكرة الجزائر المستقلة، كما في هذه الفقرة من «وقائع جزائرية»: «في ما يتعلق بالجزائر، فكرة الاستقلال الوطني ليست سوى صيغة تحرّكها العاطفة وحدها. لم تكن هناك أمّة جزائرية حتى الآن. واليهود والأتراك واليونانيون والإيطاليون والبربر سوف يحقّ لهم أيضاً أن يزعموا قيادة هذه الأمّة الافتراضية. وفي الوضع الراهن، ليس العرب هم وحدهم الذين يشكّلون الجزائر. إنّ حجم ومقدار الاستيطان الفرنسي، بصفة خاصة، يكفيان لخلق مشكلة لا تُقارَن بسواها في التاريخ. وفرنسيو الجزائر أبناء بلد أصلاء بدورهم، وبالمعنى الأقوى للكلمة. فضلاً عن هذا، فإنّ جزائر عربية خالصة لا يمكن لها أن تنجز الاستقلال الاقتصادي، الذي من دونه يكون الاستقلال السياسي محض وهم».
وقبل سنوات حاول الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إقناع أسرة كامو بالموافقة على نقل رفاته إلى البانتيون، ذلك الصرح العريق الذي ترقد فيه صفوة من كبار رجالات فرنسا. لكنّ جان كامو، ابن الفيلسوف الراحل، وكذلك ابنته كاترين، لم يقعا في الفخّ، لأنهما تنبّها إلى الأسباب الخافية التي قد تكون وراء مبادرة حقّ يُراد منها الباطل، وتنتهي إلى زجّ اسم كامو في حرب تلميع صورة ساركوزي. وقبل أيام، أيضاً، حاولت مارين لوبين، مرشحة اليمين المتطرف، إحراج منافسها إيمانويل ماكرون، حول تصريحه بأنّ الاستعمار الفرنسي في الجزائر كان جريمة حرب، وكانت، في ذلك، تستبصر جيداً مقدار الجاذبية الشعبوية السلبية التي تكتنف هذه المسألة.
لكأنها، بعد 75 سنة، سعت إلى إعادة إنتاج أمثولة مورسو، في هيئة «مسيح» فرنسي، مستعمِر مستوطِن، يخيّم، على نحو أو آخر، فوق صناديق الاقتراع!
----------------
القدس العربي
 

صبحي حديدي
الاثنين 8 ماي 2017