ـ دعوى حسبة ضدّ الدكتور عبد الصبور شاهين، مؤلف كتاب «أبي آدم»، رغم أنّ الطبعة الأولى من العمل كانت قد صدرت دون أن تثير أيّ ردّ فعل لدى المتشددين من أمثال الشيخ البدري (المفارقة أنّ شاهين نفسه كان كاتب التقرير التكفيري الأشهر ضدّ حامد أبو زيد!)؛
ـ الطعن ضدّ وزير الصحة المصري، بصفته هذه، والمطالبة بإلغاء قرار منع ختان الإناث في مصر، لأنّ القرار ـ في يقين الشيخ البدري ـ يخالف الدستور والقانون والشريعة الإسلامية والسنّة النبوية؛
ـ العودة إلى إثارة قضية المواطنة القبطية وفاء قسطنطين، زوجة القسّ مجدي يوسف عوض، التي قيل إنها اعتنقت الإسلام وتعرّضت للسجن والتعذيب والإقامة الجبرية في دير وادي النطرون لكي تعود إلى المسيحية، والمطالبة بإحضارها أمام القضاء للاستماع إلى أقوالها (رغم أنّ القضية كانت قد انتهت، بعد تظاهرات واضطرابات)؛
ـ الادعاء على مجلة «إبداع»، والشاعر حلمي سالم في قصيدته «شرفة ليلى مراد»، بتهمة الإساءة إلى الذات الإلهية؛ ثمّ ضدّ رئيس تحرير المجلة، الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، بتهمة القذف والتشهير (ترتّب على القضية وضع أثاث حجازي في المزاد العلني، لسداد مبلغ التعويض الذي حكم به القضاء للشيخ)؛
ـ الادعاء، وبالتهمة ذاتها، أي القذف والتشهير، على عدد من المثقفين والكتّاب المصريين الذين ساندوا حجازي، وبينهم جابر عصفور وجمال الغيطاني ومحمد شعير وآخرون.
ـ الادعاء، في سنة 2009، على وزير الثقافة فاروق حسني، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة د.جابر عصفور، بتهمة إهدار المال العام لدى منح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية إلى حسن حنفي وسيد القمني، لأنهما في رأيه يسيئان إلى الذات الإلهية وإلى الإسلام…
لكنّ «شيخ الحسبة» رحل إلى بارئه، بل ثار الشعب المصري على النظام ذاته الذي شهد صولات البدري وجولاته ضدّ العباد؛ فهل انطوت تلك الصفحة السوداء، أم أعقبتها أخرى لا تقلّ قتامة؟
أخبار المحامي الإسلامي خالد المصري تقول إنه يسير على خطى شيخه في التربص بمثقفي مصر، رافعاً سياط «القانون» في وجه المجاهرين بأيّ رأي يرى صاحبنا أنه مخالف لسلوك المسلم القويم. وقبل أيام قليلة قدّم بلاغاً إلى النائب العام ضدّ سيد القمني، لأنّ مشاركة الأخير في ندوة نظمتها منظمة بلجيكية تضمنت سبّاً للذات الإلهية والنبي، وانطوت على عبارات ازدراء للدين الإسلامي وآيات القرآن الكريم وصحابة الرسول. كذلك زفّ المصري، على صفحته الشخصية في فيسبوك، هذه البشرى التي ننقلها بالحرف: «أحب ابشركم أننا في طريقنا لرفع دعوى قضائية ضد سيد القمني لسحب جائزة الدولة التقديرية التي حصل عليها في 2009 وسحب الـ 200 الف جنيه التي لهفها من مال الشعب المسلم الذي يشتم دينه ورسوله».
وهكذا ـ في مناسبة الادعاء على القمني اليوم، وقبله أحمد ناجي وإسلام البحيري، وقبلهم أحمد الشهاوي وحيدر حيدر وقضية محمد عباس ضدّ مجلة «أخبار الأدب» ـ أعربت عن قناعتي بأنّ استراتيجية الدفاع الحقّة أخلاقياً، بصرف النظر عن دروبها القانونية الشائكة، ليست في الركون إلى محاولة تبرئة الرأي من تهمة انتهاك المحرّم؛ أو ربما البرهنة على العكس، في أنه يحترم المقدّس ولا يمسّ أركانه. لا بدّ من اعتماد استراتيجية في الهجوم المضادّ، لا تستثني اللجوء إلى القانون أوّلاً، ولكنها تشدّد دائماً على إنصاف الرأي في ذاته ضمن محرّم ينبغي عدم المساس به، هو الحقّ في التعبير؛ إلى جانب مقدّس آخر جدير بالاحترام الأقصى، في حالة العمل الإبداعي، هو استقلالية المخيّلة وخصوصية العمل الفنّي.
ولعلّ العاجل الملحّ يقتضي اليوم، كما اقتضى في الماضي، تنظيم الدفاعات ضمن المنظور الذي اقترحه المحامي المصري حمدي الأسيوطي: «قضايا الحسبة الجديدة تشكل خطورة كبيرة علي المثقفين، فهي منهج منظم للإرهاب، ولهذا لا بدّ من اتحاد المثقفين والقانونيين المهتمين بحرّية التعبير، ولا بدّ من المبادرة بالهجوم على هؤلاء المحتسبين لا الاكتفاء بموقف». ولأنّ السياسة، وأجهزة السلطة، ليست بعيدة عن إذكاء نيران الحسبة المعاصرة هذه (ضمن مفارقة غير مفاجئة، مفادها أنّ معظم ضحاياها هللوا لانقلاب عبد الفتاح السيسي)؛ فإنّ ما تشهده مصر على هذا الصعيد ليس مظهراً محلياً، بل هو جزء تكويني من أخلاقيات النظام العربي الاستبدادي، الفاسد الواحد المتماثل.
--------------
القدس العربي
ـ الطعن ضدّ وزير الصحة المصري، بصفته هذه، والمطالبة بإلغاء قرار منع ختان الإناث في مصر، لأنّ القرار ـ في يقين الشيخ البدري ـ يخالف الدستور والقانون والشريعة الإسلامية والسنّة النبوية؛
ـ العودة إلى إثارة قضية المواطنة القبطية وفاء قسطنطين، زوجة القسّ مجدي يوسف عوض، التي قيل إنها اعتنقت الإسلام وتعرّضت للسجن والتعذيب والإقامة الجبرية في دير وادي النطرون لكي تعود إلى المسيحية، والمطالبة بإحضارها أمام القضاء للاستماع إلى أقوالها (رغم أنّ القضية كانت قد انتهت، بعد تظاهرات واضطرابات)؛
ـ الادعاء على مجلة «إبداع»، والشاعر حلمي سالم في قصيدته «شرفة ليلى مراد»، بتهمة الإساءة إلى الذات الإلهية؛ ثمّ ضدّ رئيس تحرير المجلة، الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، بتهمة القذف والتشهير (ترتّب على القضية وضع أثاث حجازي في المزاد العلني، لسداد مبلغ التعويض الذي حكم به القضاء للشيخ)؛
ـ الادعاء، وبالتهمة ذاتها، أي القذف والتشهير، على عدد من المثقفين والكتّاب المصريين الذين ساندوا حجازي، وبينهم جابر عصفور وجمال الغيطاني ومحمد شعير وآخرون.
ـ الادعاء، في سنة 2009، على وزير الثقافة فاروق حسني، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة د.جابر عصفور، بتهمة إهدار المال العام لدى منح جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية إلى حسن حنفي وسيد القمني، لأنهما في رأيه يسيئان إلى الذات الإلهية وإلى الإسلام…
لكنّ «شيخ الحسبة» رحل إلى بارئه، بل ثار الشعب المصري على النظام ذاته الذي شهد صولات البدري وجولاته ضدّ العباد؛ فهل انطوت تلك الصفحة السوداء، أم أعقبتها أخرى لا تقلّ قتامة؟
أخبار المحامي الإسلامي خالد المصري تقول إنه يسير على خطى شيخه في التربص بمثقفي مصر، رافعاً سياط «القانون» في وجه المجاهرين بأيّ رأي يرى صاحبنا أنه مخالف لسلوك المسلم القويم. وقبل أيام قليلة قدّم بلاغاً إلى النائب العام ضدّ سيد القمني، لأنّ مشاركة الأخير في ندوة نظمتها منظمة بلجيكية تضمنت سبّاً للذات الإلهية والنبي، وانطوت على عبارات ازدراء للدين الإسلامي وآيات القرآن الكريم وصحابة الرسول. كذلك زفّ المصري، على صفحته الشخصية في فيسبوك، هذه البشرى التي ننقلها بالحرف: «أحب ابشركم أننا في طريقنا لرفع دعوى قضائية ضد سيد القمني لسحب جائزة الدولة التقديرية التي حصل عليها في 2009 وسحب الـ 200 الف جنيه التي لهفها من مال الشعب المسلم الذي يشتم دينه ورسوله».
وهكذا ـ في مناسبة الادعاء على القمني اليوم، وقبله أحمد ناجي وإسلام البحيري، وقبلهم أحمد الشهاوي وحيدر حيدر وقضية محمد عباس ضدّ مجلة «أخبار الأدب» ـ أعربت عن قناعتي بأنّ استراتيجية الدفاع الحقّة أخلاقياً، بصرف النظر عن دروبها القانونية الشائكة، ليست في الركون إلى محاولة تبرئة الرأي من تهمة انتهاك المحرّم؛ أو ربما البرهنة على العكس، في أنه يحترم المقدّس ولا يمسّ أركانه. لا بدّ من اعتماد استراتيجية في الهجوم المضادّ، لا تستثني اللجوء إلى القانون أوّلاً، ولكنها تشدّد دائماً على إنصاف الرأي في ذاته ضمن محرّم ينبغي عدم المساس به، هو الحقّ في التعبير؛ إلى جانب مقدّس آخر جدير بالاحترام الأقصى، في حالة العمل الإبداعي، هو استقلالية المخيّلة وخصوصية العمل الفنّي.
ولعلّ العاجل الملحّ يقتضي اليوم، كما اقتضى في الماضي، تنظيم الدفاعات ضمن المنظور الذي اقترحه المحامي المصري حمدي الأسيوطي: «قضايا الحسبة الجديدة تشكل خطورة كبيرة علي المثقفين، فهي منهج منظم للإرهاب، ولهذا لا بدّ من اتحاد المثقفين والقانونيين المهتمين بحرّية التعبير، ولا بدّ من المبادرة بالهجوم على هؤلاء المحتسبين لا الاكتفاء بموقف». ولأنّ السياسة، وأجهزة السلطة، ليست بعيدة عن إذكاء نيران الحسبة المعاصرة هذه (ضمن مفارقة غير مفاجئة، مفادها أنّ معظم ضحاياها هللوا لانقلاب عبد الفتاح السيسي)؛ فإنّ ما تشهده مصر على هذا الصعيد ليس مظهراً محلياً، بل هو جزء تكويني من أخلاقيات النظام العربي الاستبدادي، الفاسد الواحد المتماثل.
--------------
القدس العربي