نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


التظاهرة كطقس شفاء






في ساحة التظاهر اللبنانية ثمة شيء لا يمكن التقاطه بعبارة وبصورة. إنه شعور ورغبة في صياغة عقد وعلاقة بين الناس، وطاقة على المبادرة وعلى الشراكة لم يسبق أن شهدناها في تظاهرات الأشهر والسنوات والعقود الفائتة.


  قناعة بأن التشارك في العيش وفي تصريف الحاجات والمصالح اليومية يقتضي قدرا التواطؤ. هذا الشيء هو ما دفع الناس إلى تكرار التوجه إلى ساحة التظاهر، ودفع وجوها جديدة إلى تصدرها. وهو أيضا ما جعل من عبارة "كلن يعني كلن" أقوى فكرة وأقوى شعارا، وهو شعار أصاب كثيرين ممن ركبوا موجة التظاهر بخيبة كبيرة.
ثمة شيء ولد في لبنان، ونهاية هذه السلطة ليست مستحيلة
والحال أن "كلن يعني كلن" لم تكن شعارا فئويا هذه المرة، فقد شعر المتظاهرون أنها سبب قوتهم، وأن مواربتها لن تخدم أهدافهم. إنه شعور وليس قرارا، ذاك أن ما شهدته التظاهرات من إجماعات لم ينعقد على شكل قرارات يتولى منظمو التظاهرة تنفيذها. لا منظمون أصلا، الناس توجهوا إلى الساحة مندفعين بطاقة داخلية تقيم في المنطقة الوسط بين عقولهم وقلوبهم. منسوب التسامح كان عاليا جدا. النسويون تسامحوا مع عبارات الشتم الذكورية، وأجلوا تحفظاتهم عليها. المؤمنون أثارت فيهم مشاهد الرقص الجماعي حماسة، وقالوا لا بأس بالرقص ما دام الرقص يخدم التظاهرة. الجميع شعر أن مشاركته هي طقس شفاء مما تراكم من أمراض ومن شقاء العيش في دولة تُعزز الشقاق وتبذره بين ناسها.
هذا تماما ما جعل التظاهرة هدفا مستحيلا لخصومها، وهذا ما دفع هؤلاء الخصوم إلى القدوم إليها والبحث عن مكان فيها. كيف يمكن لعوني مثلا أو لصحفي مناصر لـ"حزب الله" أن يقاوم شريط فيديو يظهر فيه أب يلاعب طفلته في ساحة التظاهر. أو كيف يمكن صدّ عشرات الفيديوهات التي شَغّلَت خيال الملايين من مشاهديها. محاولات المقاومة كانت بائسة ومأساوية. فيديو الرجل الغاضب في مدينة صور والذي تعرض بالشتيمة لنواب "حزب الله" وأمل ردت عليه السلطة على نحو صلِف بأن أحضرت نفس الشخص ليعتذر عبر تلفزيون "أن بي أن" التابع لحركة أمل. هذا الفعل البائس تكرر مع مواطن آخر، وكشف قدرا كبيرا من الارتباك ومن شعور الحزب والحركة بأن التظاهرة زلزالا قض مضاجعهما.
الجميع شعر أن مشاركته هي طقس شفاء مما تراكم من أمراض ومن شقاء العيش
السلطة ترنحت فعلا في أسبوع التظاهرات اللبنانية. وزير المالية علي حسن خليل (حركة أمل) شرع يتهم زميله في الحكومة جبران باسيل بالسرقة والفساد. النائب السابق معين المرعبي (قيادي في تيار المستقبل) نشر لائحة اتهامات بالفساد قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري. مئات الفيديوهات أعلن فيها ناشطون انسحابهم من أحزاب السلطة.
أما الانشقاق الأكبر فكان ذاك الذي أصاب السلطة في جنوب لبنان. الانشقاق الذي نفذه جزء لا يستهان به من جمهور "حزب الله" عن خياراته، وما أعقب ذلك من تعامل عنيف تولتها ميليشيات حركة أمل مع المتظاهرين. هذا الصدع لن يكون عابرا، وهو مؤشر على أن شيئا جوهريا قد حدث، وعلى أن شقاقا مهد له.
إنه اليوم الثامن للانتفاضة اللبنانية، وهي تخمد في ساحة وتستيقظ في أخرى. زوق مكايل، الضاحية المسيحية لبيروت شهدت بالأمس يوم ذروة، وأعلنت التظاهرة هناك تضامنها مع النبطية التي أصيب فيها عشرات المتظاهرين بهراوات حركة أمل. طرابلس لم تهدأ منذ اليوم الأول، وبيروت تلتقط أنفاسا تعود بعدها إلى الساحة.
الناشطات هم من يتولى قطع الطرق. هذا الفعل جرى امتصاص جرعة العنف الذي ينطوي عليها عبر تأنيث فاعليه، فالعنف ليس وظيفته إنما شلّ الدولة وتعطيل المؤسسات.
السلطة ترنحت فعلا في أسبوع التظاهرات اللبنانية
لم يؤت على ذكر سلاح حزب الله. الشعارات ضد الحزب تركزت على كونه جزءا من مافيا السلطة، وشريكا كبيرا في غنائمها. وحين دفع الحزب بمناصرين يسارين له للتظاهر أمام مصرف لبنان في محاولة لتحويل وجهة الاحتجاج، رد متظاهرو رياض الصلح بأن قالوا "لا بأس، مصرف لبنان هو جزء من ماكينة الفساد، وساحتنا تتسع لخصومه"، وفجأة شعر الحزب وأهله بالعجز حيال هذه السعة، وفشلوا في تجنيب "مقاومتهم" غضب المتظاهرين.
لم تشهد التظاهرة محاولات عونية موازية. التيار تعامل مع التظاهرة كخصم واضح من اليوم الأول، وهذا أيضا ما هز حضوره. في جل الديب التي لطالما كانت قاعدة شعبية وانتخابية له، تدفق الناس إلى التظاهرة على نحو ما تدفقوا إلى رياض الصلح وإلى طرابلس.
فالاختناق أصاب الجميع، والطبقة المتوسطة المسيحية لم تشعر يوما بالتهديد على نحو ما شعرت في سنوات حكم ميشال عون. العصب السياسي والمناطقي والطائفي لم يعد يلبي أصحابه. زيارة سريعة إلى ساحة التظاهر ستولد قناعة لديك بأن ثمة شيء ولد في لبنان، وأن نهاية هذه السلطة ليست مستحيلة.
---------
الحرة

حازم الأمين
الخميس 24 أكتوبر 2019