نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


"الصدّارة ورداء الحرير حلم العرائس " في ليبيا




طرابلس -بعد تلقيهن دعوة زفاف، غالباً ما تسأل النساء في طرابلس بعضهن قائلات: "هل سترتدين الصدرة؟" ... قد يطول التفكير وتتأخر الإجابة التي تتوقف عليها استعدادات كثيرة، فارتداء الصدرة ليس بالأمر الهين كلفةً وإعدادا.


تعتبر "الصدرة" أقدم رداء احتفالي نِسائي عُرِف في التاريخ المعاصر بالغرب الليبي، وهي مُكلِفة ومرتبطة وثيقاً بالمناسبات السعيدة، وتتكون من طقم كامل يبدأ بـ"القْمَجَّة"، وهي قفطان ذو أكمام واسعة مطرّزة بالعقيق الجميل والفِضّة، ورقبة فاخرة، وسترة تقليدية بدون أكمام مطرّزة بخيوط الحرير والفِضّة تُسمّى "فرملة"، وسروال فضفاض. يلف كل ذلك رداء حريري مخطط وطويل يُسمّى "حولي الحرير" ويُلبس بطريقة تقليدية تُسمّى "التَّخليلة". وتتزين "الصَدَارَة" (المرأة التي ترتدي الصدرة الحريرية) بقلائد كبيرة من الفضة أو الذهب تُسمّى "الخناق"، مع أساور عريضة وخواتم وأقراط طويلة متدلّية، وتاج مرصع بالعقيق يُسمّى "شِمْبِير"، وقطعة أخرى تُسمّى "الخلال"، وهي المسؤولة عن إحكام ربطة الرداء أو "التَخْليِلة". وسُميت من ترتدي هذا اللباس بـ "الصَدَّارَة" لتصدرها مجلس النساء في الأفراح مع قريناتها من الصدّارات وهن يمسكن بالمراوح الفاخرة "التابعة لطقم الصدرة" بأيديهن المخضبة بالحناء. وتتعلم الليبية ارتداء الصدرة في صغرها وتتزين بها في المناسبات، ولا تلبسها عندما تشِبّ، حتى يحضر لها زوجها في أول أيام الزفاف 3 أردية حريرية متدرّجة القيمة مع كامل تجهيزات الصدرة ضمن جهاز العروس أو "الكِسوة"، والتي تشمل أيضاً رداءً حريرياً لأم العروس. ويستمر الزفاف في ليبيا ثلاثة أيام، تبدأ بيوم الكِسوة، ثم يوم النَّجمة أو "الحِنة"، وأخيراً يوم الدُّخلة، ويقيم أهالي العروسين عُرسهم الخاص بشكل مستقل في منزلهم أو داخل إحدى الصالات؛ إلى يوم الدخلة حين تقيم العروس حفلتها الخاصة وتجلس على "الكوشة" مرتدية فستانها الأبيض ومنتظرة قدوم عريسها مع أهله لاصطحابها إلى بيتها الجديد بعد أن يُنهيا كل طقوس الحفلة وتقطيع قالب الحلوى. وتتفاخر أمهات العرسان في الزفاف بعدد الصدّارات من الأقارب والأصدقاء والجيران وبما يمتلكنه من حرير وحُلي، ويزيدهن ذلك وجاهةً أمام المدعوّين، بينما تنتظر العروس دورها في ارتداء الصدرة حتى يوم "المَحْضَر" (يوم ما بعد الدُخلة)، حين يجتمع أقارب وأهالي العروسين مساءً في بيت أم العريس أو إحدى الصالات، ويتسارعون لتزيين العروس بأجمل ما أحضر زوجها من حرير ومجوهرات، وما جاد به أبويها لوداعها أيضاً، فتتصدر العروس المحضر جالسة على الكوشة، فيما تجلس باقي الصدّارات أسفل منها، وبعدهن تجلس الآنسات بلباس عصري، أو تقليدي من نوع آخر. وفي داخل سوق اللّفة (أحد أسواق الحرير في المدينة القديمة بطرابلس) يقول أمين السوق "ناجي البوعيشي": إن "ارتداء الصدرة بدأ في طرابلس أيام الدولة العثمانية، ثم انتقل إلى الجوار حتى وصل إلى تونس والجزائر حيث يُرتَدى بطريقة مختلفة، ويسمى "الحْرَام". ويصف البوعيشي لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) تطور صناعة الأردية التي كانت تُصنّع قديماً من القطن الممزوج بنسيج مستخرج من زهرة شجرة صغيرة شبه صحراوية تُسمّى "البْرَمْبَخ"، ثم تطوّر الأمر مع نشاط التجارة ووصول الحرير الصيني وبعده خيوط الفضة التي نجح النسّاجون الليبيون في دمجها وحياكتها بطرق جميلة يُبادل فيها النوّال (الحائك كما يُسمى في ليبيا) رصف الخيوط الرقيقة بألوانها الزاهية المختلفة حسب خطّة وضعها مسبقاً، لينتج أردية غاية في الجمال ودِقّة الصنع و طول العمر، حتى إن بعض النساء يورّثن ما يمتلكن من أردية حريرية لبناتهن، بعد أن يطعنَّ في العمر ويصبحن غير قادرات على تحمّل وزنها. في الطرف الآخر من السوق، لا يُخفي تاجر الحرير، "صهيب المقعمز" على (د.ب.أ) استيائه من قلّة النوّالين الليبيين في السنوات الأخيرة بعد وفاة أغلبهم من كبار السن وذوي الخبرة، و يمتعض من عزوف الشباب عن النسج بأنفسهم، واكتفائهم بالإشراف على نوّالين يتم جلبهم من خارج ليبيا، أغلبهم من تونس، فضلاً عن استيراد أقمشة جاهزة مطرزة من الهند لقفطان الصدرة بنقوش جديدة تختلف عما تقوم الليبيات بتطريزه وتُظهِرن فيه ملامح الثقافة الليبية. وعلى بعد150 كيلومتراً شرق طرابلس حيث مدينة "زلِيتن" الساحلية، "ثاني أشهر المدن الليبية في صناعة الحرير" يختلف الأمر، فقد اندفع في السنوات الأخيرة شباب كثر من الجنسَين لصناعة الأردية وتطريز بدلات الصدرة أيضاً، ويرى أحد النوّالين في المدينة "صلاح حبيل" أن "السبب يكمن في الركود الاقتصادي وقلّة فرص العمل، الأمر الذي دفع أسر كثيرة إلى العودة لحرفة النول داخل البيوت، حيث يتعاون الآباء والأبناء في إنتاج الأردية وتطريز البِذل، وهناك من طور الأمر وجاء بآلة نسيج آلية لزيادة الإنتاج الذي زاد غزارةً، لكنه لا يضاهي حرير النول اليدوي". رغم التفاؤل الذي بدا عليه أثناء حديثه لـ (د. ب. أ)، فإن ما يخشاه "حبيل" هو انخفاض المبيعات أو ربما كساد السوق بسبب الأزمة الاقتصادية في ليبيا. يخالفه في هذا تاجر أردية حريرية في طرابلس "أيمن عريان الراس" الذي أبدى ارتياحه قائلاً لـ (د. ب. أ): "لن تنهار صناعة الحرير في الغرب الليبي لأنها مرتبطة بطقوس الأعراس، فمادامت الأفراح والمناسبات السعيدة هناك، سيكون هناك دائماً نوّال ينسج خيوط الحرير والفضة، وسيدة ترسم على القماش ثم تطرزه بحبات اللولو والكريستال، وأخرى تتزين بكل ذلك مبتهجة". في سوق الرباع (أحد أسواق الحرير في طرابلس القديمة) تقول سيدة طرابلسية لـ (د. ب. أ) خلال انشغالها في البحث عن رداء حريري: "مع كل ما نُعانيه، ومع اضطرار نساء كثر لبيع أرديتهن وصيغتهن، وأخريات لاستئجار الصدرة في المناسبات لعدم امتلاكهن واحدةً بسبب ارتفاع الأسعار، سوف يبقى رداء الحرير جزءاً من هويتنا، والجميل في الأمر هو ما بتنا نراه من تنوعٍ في الأردية وطريقة ارتدائها في المناسبات مع زيادة اكتظاظ طرابلس بثقافات مختلفة من مدن ومناطق ليبية، فصرنا نرى الرداء البرقاوي الليبي، ورداء الأمازيغ وكذلك أردية أهل الريف والبادية والصحراء، وكلٌ منها له جماله الخاص، حتى اليهوديات الليبيات قبل أن يغادرن في أواخر الستينيات كن يرتدين نفس الصدرة الطرابلسية الجميلة مع فروق بسيطة، ولقد رأينا بعضهن عبر الإنترنت وهنّ يحافظن على ارتدائها وممارسة نفس الطقوس في الأفراح. بعد جولة في أسواق طرابلس القديمة كسوق اللفة والرباع والمُشير والتُرك، تأكد الخوف على صناعة الحرير في المدينة، فلا أثر كبير لدكاكين النول التي كانت أصوات الحياكة فيها تملأ الحواري الضيقة بالضوضاء، تمتزج مع أصوات الباعة، وينعكس صداها من أسقف المدينة القديمة المقوسة، فهل سيُنهي هذا شغف الليبيات بالحرير؟ يقول النوّال "علي المتهني" إن هذا الشغف هو ما دفعني للقدوم إلى ليبيا عام 1982 بعد كساد صناعة الحرير في ولاية المنستير التونسية التي قدِمت منها، واستمرار هذا الشغف أبقاني هنا حتى الآن، والعزوف عن صناعة الحرير لم يشمل كل الشباب. ينهي النوّال كلامه ويشير إلى طفل صغير يراقب باهتمامٍ شاباً ليبياً حديث عهد بصنعة النول وهو يستعد لحياكة رداء حريري من صنع يديه دون مساعدة من معلّمه.

أشرف العزابي
الاثنين 26 نونبر 2018