انكشفت المراهقة السياسية لمحور السعودية الإمارات مرة جديدة، من خلال وقائع الأزمة الأميركية الإيرانية، في رهان ساذج على قيام حرب أميركية مدمرة ضد إيران تصل إلى حد إسقاط نظام الحكم فيها، وانتظار قرار الحرب باعتباره تعويضًا عن مئات مليارات الدولارات التي دفعتها السعودية لأميركا لقاء صفقات الأسلحة.
من المستغرب وقوع العرب فريسة سوء فهم مستمر، وضحية تصورات خاطئة لتقلبات السياسة الأميركية ضد المصالح العربية منذ عقود، وهم يصنفون ذلك في خانة نظرية المؤامرة الغربية التي تستهدف وجودهم منذ قرون، وتدعم الأنظمة العربية تلك الأفكار السلبية، كما تستغلها في تعزيز قمع شعوبها والهيمنة على مقدرات البلاد، بذريعة “المقاومة والممانعة، والتصدي للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة”.
يمكن معرفة مفردات السياسة وتوجهات الإدارة الأميركية بسهولة، من خلال تتبع سمتين أساسيتين يتفرد بهما المجتمع والنظام السياسي الأميركي هما: البراغماتية كنمط حياة أميركي شامل، وعقيدة الرئيس كتعبير مباشر عن توجهات وسياسات الإدارة الحاكمة.
تتميز البراغماتية بأنها فلسفة عملية ذرائعية، وهي فلسفة أميركية خاصة وليدة التجربة الأميركية، منذ تشكل أميركا باقتلاع الهنود الحمر أصحاب الأرض، ثم استغلال الزنوج كعبيد، وترسخ بعد الاستقلال الأميركي الشعور بالتفوق والتميز على باقي العالم.
البراغماتية ليست مغلقة في أطر وأبحاث نظرية أخلاقية أو مثالية، وهي تظهر بقوة في كافة تفاصيل حياة الفرد والمجتمع الأميركي والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتنطلق من اعتبار صحة الأفكار والمبادئ وصلاحيتها للتطبيق بمدى نجاعتها وما تحققه من فوائد عملية للفرد والمجتمع، وبذلك تجلب البراغماتية المصلحة والمنفعة واللذة، وتتجاوز أي اعتبارات ومبادئ أخلاقية أو أدبية مقيدة لها. وتغدو المصلحة والمنفعة هي الثابت الوحيد في السياسة الأميركية، ويشرع الوصول إليها بكافة الوسائل التي تتماشى مع الإمكانات والظروف، ولذلك لا يمكن تصور السياسة الأميركية ضمن أطر ثابتة لفترات زمنية طويلة، وينبغي فهم التغيرات الطارئة عليها في نطاق تغيّر المصالح لا الأهداف.
يجري التعامل الأميركي مع الغير، من خلال تقدير القوة والمصلحة، يتم احترام القوي والتعامل معه بندية لتحقيق المنفعة من دون الحرج من استغلال الضعيف، ويخضع اختيار الصداقات والتحالفات واستمرارها لاعتبارات مصلحية بحتة، بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية.
يفترض توقّع تموضعات جذرية في المواقف الأميركية، تتناسب مع تغير اتجاهات مصالحها القومية، قد تصل إلى حد النقيض في التخلي عن صداقات وتحالفات سابقة، أو دعم مبدأ ما ونظام سياسي. ويفترض قبل تعاملنا مع أميركا عدم انتظار قرارات مجانية منها تحقق مصالحنا، ولا بد من دراسة وفهم العقلية الأميركية التي تحكمها البراغماتية الذرائعية لا المثالية الشرقية.
من جانب آخر، لا بد من الاطلاع على عقيدة الرئيس الأميركي ودراستها، والبحث في سبل التعاطي معها، باعتبارها بوابة التعامل الأولى مع الرئيس الأميركي، وهي تمثل خلاصة السياسة الأميركية الخارجية التي يرسمها الحزب الفائز في الانتخابات والإدارة الجديدة. وتراوح عقيدة الرئيس بين طرح الانعزال التام عن الساحة الدولية، كما في مبدأ الرئيس مونرو عام 1823، أو الانخراط والتدخل العسكري المباشر في حروب خارجية، كما في عهد جورج بوش الأب ثم الابن، وقد نشهد العمل بوسائل مختلفة قد تكون اقتصادية، من فرض حصار أو عقوبات أو عزلة، أو تغيير أنظمة حكم، سواء عبر انقلابات عسكرية أو بطرق ديمقراطية، أو عبر ضربات محدودة لتحقيق أهداف ومصالح أميركية عاجلة، وهناك تأثير قوي لمراكز الضغط والنفوذ في رسم عقيدة الرئيس واتجاهاتها ثم تنفيذها.
لم يجر تسليط الضوء على عقيدة الرئيس ترامب أو الاهتمام بها، كما جرى مع أسلافه من رؤساء أميركا، ليس لعدم أهميتها بل لتأثير الصورة النمطية السلبية التي راجت عن الرعونة والارتجال والتهور التي ظهر فيها، وأفقدته الثقة حتى في الداخل الأميركي، وبعيدًا من ذلك، فإن اتخاذ القرارات الاستراتيجية في أميركا لا يرتبط فقط بما يجول في ذهن الرئيس بل يمر عبر قواعد وضوابط ومؤسسات تحكم ذلك.
تندرج عقيدة الرئيس تحت عنوان حماية المصالح الأميركية، وليس حكم العالم، ويمكن تصنيفها، وفق الكاتب تيري ميسان، ضمن أربعة محاور أساسية:
----------
جيرون
من المستغرب وقوع العرب فريسة سوء فهم مستمر، وضحية تصورات خاطئة لتقلبات السياسة الأميركية ضد المصالح العربية منذ عقود، وهم يصنفون ذلك في خانة نظرية المؤامرة الغربية التي تستهدف وجودهم منذ قرون، وتدعم الأنظمة العربية تلك الأفكار السلبية، كما تستغلها في تعزيز قمع شعوبها والهيمنة على مقدرات البلاد، بذريعة “المقاومة والممانعة، والتصدي للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة”.
يمكن معرفة مفردات السياسة وتوجهات الإدارة الأميركية بسهولة، من خلال تتبع سمتين أساسيتين يتفرد بهما المجتمع والنظام السياسي الأميركي هما: البراغماتية كنمط حياة أميركي شامل، وعقيدة الرئيس كتعبير مباشر عن توجهات وسياسات الإدارة الحاكمة.
تتميز البراغماتية بأنها فلسفة عملية ذرائعية، وهي فلسفة أميركية خاصة وليدة التجربة الأميركية، منذ تشكل أميركا باقتلاع الهنود الحمر أصحاب الأرض، ثم استغلال الزنوج كعبيد، وترسخ بعد الاستقلال الأميركي الشعور بالتفوق والتميز على باقي العالم.
البراغماتية ليست مغلقة في أطر وأبحاث نظرية أخلاقية أو مثالية، وهي تظهر بقوة في كافة تفاصيل حياة الفرد والمجتمع الأميركي والنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتنطلق من اعتبار صحة الأفكار والمبادئ وصلاحيتها للتطبيق بمدى نجاعتها وما تحققه من فوائد عملية للفرد والمجتمع، وبذلك تجلب البراغماتية المصلحة والمنفعة واللذة، وتتجاوز أي اعتبارات ومبادئ أخلاقية أو أدبية مقيدة لها. وتغدو المصلحة والمنفعة هي الثابت الوحيد في السياسة الأميركية، ويشرع الوصول إليها بكافة الوسائل التي تتماشى مع الإمكانات والظروف، ولذلك لا يمكن تصور السياسة الأميركية ضمن أطر ثابتة لفترات زمنية طويلة، وينبغي فهم التغيرات الطارئة عليها في نطاق تغيّر المصالح لا الأهداف.
يجري التعامل الأميركي مع الغير، من خلال تقدير القوة والمصلحة، يتم احترام القوي والتعامل معه بندية لتحقيق المنفعة من دون الحرج من استغلال الضعيف، ويخضع اختيار الصداقات والتحالفات واستمرارها لاعتبارات مصلحية بحتة، بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية.
يفترض توقّع تموضعات جذرية في المواقف الأميركية، تتناسب مع تغير اتجاهات مصالحها القومية، قد تصل إلى حد النقيض في التخلي عن صداقات وتحالفات سابقة، أو دعم مبدأ ما ونظام سياسي. ويفترض قبل تعاملنا مع أميركا عدم انتظار قرارات مجانية منها تحقق مصالحنا، ولا بد من دراسة وفهم العقلية الأميركية التي تحكمها البراغماتية الذرائعية لا المثالية الشرقية.
من جانب آخر، لا بد من الاطلاع على عقيدة الرئيس الأميركي ودراستها، والبحث في سبل التعاطي معها، باعتبارها بوابة التعامل الأولى مع الرئيس الأميركي، وهي تمثل خلاصة السياسة الأميركية الخارجية التي يرسمها الحزب الفائز في الانتخابات والإدارة الجديدة. وتراوح عقيدة الرئيس بين طرح الانعزال التام عن الساحة الدولية، كما في مبدأ الرئيس مونرو عام 1823، أو الانخراط والتدخل العسكري المباشر في حروب خارجية، كما في عهد جورج بوش الأب ثم الابن، وقد نشهد العمل بوسائل مختلفة قد تكون اقتصادية، من فرض حصار أو عقوبات أو عزلة، أو تغيير أنظمة حكم، سواء عبر انقلابات عسكرية أو بطرق ديمقراطية، أو عبر ضربات محدودة لتحقيق أهداف ومصالح أميركية عاجلة، وهناك تأثير قوي لمراكز الضغط والنفوذ في رسم عقيدة الرئيس واتجاهاتها ثم تنفيذها.
لم يجر تسليط الضوء على عقيدة الرئيس ترامب أو الاهتمام بها، كما جرى مع أسلافه من رؤساء أميركا، ليس لعدم أهميتها بل لتأثير الصورة النمطية السلبية التي راجت عن الرعونة والارتجال والتهور التي ظهر فيها، وأفقدته الثقة حتى في الداخل الأميركي، وبعيدًا من ذلك، فإن اتخاذ القرارات الاستراتيجية في أميركا لا يرتبط فقط بما يجول في ذهن الرئيس بل يمر عبر قواعد وضوابط ومؤسسات تحكم ذلك.
تندرج عقيدة الرئيس تحت عنوان حماية المصالح الأميركية، وليس حكم العالم، ويمكن تصنيفها، وفق الكاتب تيري ميسان، ضمن أربعة محاور أساسية:
- حماية سكان الولايات المتحدة من خلال ترسيم الحدود.
- تنمية عوامل الازدهار من خلال إيقاظ “الحلم الأميركي” وتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد، مع التشكيك في التجارة الحرة العالمية وعواقبها.
- إعادة إطلاق سباق التسلح في مواجهة الصين وروسيا.
- تركيز نفوذ الولايات المتحدة على الدفاع عن الحريات الدينية، وإصلاح البلدان الراغبة ذات الاقتصاد التأشيري.
----------
جيرون