نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


العرب والكرد السوريون: لوم الضحية





لومُ الضحيَّة مُدانٌ أخلاقياً وسياسياً ثلاث مرّات: حين يرافقه امتناع عن لوم الجلاّد، وحين لا تُوجَّه الحصَّة الأكبر من اللوم إلى الجلاّد نفسه، وحين لا يقال إن الجلاّد صاحب دور أساسيّ، وإن لم يكن دوراً أوحد، في التردّي الذي يصيب الضحيّة.
الوفاء بهذه الشروط يجعل نقد الضحيّة مطلوباً سياسياً، بل واجباً أخلاقيّاً أيضاً، حتَّى في لحظات التضامن معه. أحد أهداف النقد محاولة الحدّ من استضحاء الضحيّة في المستقبل، أو ربّما التغلّب على الاستضحاء ذاته إن أمكن. لهذا، وبعد إدانة أدولف هتلر، يُدان ضحاياه الناجون من المحرقة ممن شاركوا في طرد الفلسطينيين والحلول محلّهم. وبعد إدانة إسرائيل، تُدان المقاومة الفلسطينيّة لتفجيرها نزاعات أهليّة في المجتمعات العربيّة. وبعد إدانة صدّام حسين، يُدان معارضوه الذين تربّعوا على سدّة الحكم في بغداد بعد إطاحته. وبالمعنى نفسه، وبعد إدانة حافظ وبشّار الأسد، يُدان ضحاياهما من العرب والكرد السوريين.


 
اليوم، الناشطون العرب والكرد، ومن ورائهم بيئات أهليّة لا يُستهان بحجمها، يخوضون فيما بينهم حرباً لفظيّة توازي الحرب التركيّة التي تُشنّ على الكرد خصوصاً، وعلى سوريا عموماً. تلك الحرب ليست مجرّد عدوان على جماعة وعلى بلد، ولا هي مجرّد توسّع ودم وآلام ونزوح. إنّها أيضاً تأسيس لنزاع أهلي عربي - كردي جديد، نزاعٍ قد يرافقنا لعشرات السنين، وقد يرفع صعوبة الوطنيّة والأوطان في منطقتنا إلى سويّة الاستحالة. أمّا إذا تحقّقت رغبات البعض وانتعشت «داعش»، أو تعاظمَ اندفاع الكرد السوريين إلى حضن الأسد، فالمعنى اكتمال عقد «حلف الأقليات» بضمّه الإثنيّات والقوميّات إلى الطوائف والمذاهب. في هذه الحال، سوف يبدو النظام كأنّه كسب معركة الأفكار بعد أن كسب معركة الأرض. الأفق لا يعود يتّسع إلاّ للموت.
قطاعات عريضة عربيّة وكرديّة في منطقة الجزيرة، أو شرق الفرات، أو روج آفا، سمّها ما تشاء، لا تواجه هذا الحاضر اللئيم إلاّ بتركة ماضٍ أشدّ لؤماً.
هذا بعض ما نجده حين نراجع ذاك التبادل المسموم بين الضحايا:
معاناة الأكراد في تعرّضهم المديد لتمييز الأنظمة السورية ضدّهم، ولحملات التعريب، واجهتها الثورة بالامتناع عن تلبية أي من مطالبهم المشروعة، بما فيها استبدال «الجمهوريّة العربيّة السورية» بـ«الجمهوريّة السورية». كلّ المطالب أُجّلت إلى الغد، والغدُ تبعاً لتجارب الأمس، ليس مما يؤتمن له. لسان الثورة، حيال الكرد، كان كثيراً ما يشبه لسان النظام.
الكرد، من جهتهم، استأنفوا ثورتهم بوصفها نشاطاً موازياً للثورة السورية، مستقلّاً عنها. مرارة التخلّي عنهم في تجربة القامشلي عام 2004 ربّما شحذت الحذر فيهم وحضّت على المبادلة بالمثل. لكنّ هذا التوازي لم يخل من صفقات مع الأسد وأجهزته، كما لم يردع عن أعمال تطهير بشعة ومُخزية طالت السكّان العرب.
في الحالات القصوى، كان كلّ من الطرفين يُشهر فزّاعة لعينة في وجه الآخر: للعرب، تنظيمات التكفير الإسلاميّة وتركيّا إردوغان، وللأكراد، حزب العمّال الكردستاني وأوجلان. لقد اتفق الطرفان، من موقع الخصومة، على طرد قضيّتيهما إلى خارج المسرح الوطني لسوريّا. والقضيّتان، كما يُفترض، قضيّة واحدة في مواجهة الاستبداد!
مثل هذا التمادي في الخطأ كان يبرّره لأصحابه، واعين أو غير واعين، أنّهم يحتكرون الاستضحاء والظلم، وبالتالي يحتكرون الحقّ والحقيقة. سواهم خونة ومرتزقة وجلاّدون أو أدوات لجلاّدين.
هذه التجربة، بعد تجارب مريرة سابقة، تحرّض من دون شكّ على مساءلة الاجتماع الوطني السوري في عمومه، إن لم يكن الاجتماع الوطني لعموم المشرق العربيّ: هل نستطيع أن نعيش معاً أحراراً متساوين؟ هذا السؤال كان اللغم الأكبر الذي انفجر بالثورة السورية.
والحال أنّ مراجعة ذاك الاجتماع مسألة لا تزال تستبعدها عوامل كثيرة، آيديولوجيّة وعاطفيّة وعمليّة، عواملُ ليست هذه العجالة مجال نقاشها. لكنْ في هذه الغضون، لا بأس بالعودة إلى تنافس الضحايا على الاستضحاء بوصفه أكثر ما يدمّر القضايا العادلة.
فالتنافس على مَن هو الضحيّة المطلق وجه آخر للتنافس على مَن هو المَلاك المطلق والبريء بإطلاق. ومن يكون كذلك ينعدم عنده الشعور بالذنب حين يرتكب العمل الشرّير لأنّه «جوهريّاً» ملائكي ومضادّ للشرّ. فإذا ارتكبه، ارتكبه كممثّل للاستضحاء متحدّث بلسان الضحيّة. هذا ينجّيه من محاسبة الضمير ويرسمه ضحيّة مؤامرة دائمة لأنّه مختار من الله أو مُصطفى في التاريخ. وبما أنّه كذلك، فهو يطلب لنفسه الامتيازات التي ينبغي أن يتفرّد بنيلها، ويريد أن يعامله الآخرون بغنج ودلال لأنّه يحتكر الاستضحاء.
في تشخيص كهذا نعثر على بعض السلوك الإسرائيلي المغناج في طلب التعويض عن المحرقة، وفي المطالبة بمعاملة استثنائيّة دائمة. وفيه نعثر على حسد الشعوب الكثيرة لليهود لأنّ مأساتهم فاقت في ضخامتها ضخامة باقي المآسي. التشخيص إيّاه يقدّم لنا أحد العناصر التي تفسّر استعصاء النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي على الحلّ السياسيّ.
نعم، هؤلاء الضحايا يُلامون، ومثلهم يُلام عرب سوريا وكردها الذين هم، من دون أدنى شكّ، ضحايا. وفي التضامن معهم، وهو تضامن مؤكّد، يُستحسن ألا نفقد حسّ النقد والمراجعة. بهذا نتضامن على نحو أفضل وأفيَد.
-------------
الشرق الاوسط
 

حازم صاغية
الاربعاء 16 أكتوبر 2019