نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


جولة في غرف تعذيب الحكم الديكتاتوري للأرجنتين تبوح بالحكايات




 بيونس أيرس – ترتسم ابتسامة على شفاه شيمينا جونزاليز تابوز وهي تقول "عندما ننام تأتينا أحلام حول عمليات الاختطاف"، ولم تستخدم كلمة كوابيس، بينما يهز زملاؤها رؤوسهم علامة على التصديق على كلامها، ولا يبدو على وجه أي منهم بشكل خاص مشاعر الانزعاج حيال ما تقول.


والسبب في هذه اللامبالاة هو أن هذه القصص المرعبة المتعلقة بعمليات الاختطاف والتعذيب باتت جزءا من الحياة اليومية المألوفة، بالنسبة لجوناليز تابوز وزملائها الذين يعملون كمرشدين سياحيين في متحف يعرف باسم "حيز للذاكرة وحقوق الإنسان" يقع في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس.
والمتحف كائن في المقر السابق لمدرسة الميكانيكا البحرية العليا، وهو المكان الذي كان يحتجز بداخله ما يقدر بنحو خمسة آلاف شخص دون سند قانوني، ويتعرضون للتعذيب والقتل أثناء فترة الحكم الديكتاتوري العسكري الذي استمر من عام 1976 إلى 1983.
وتبعد المدرسة بنحو كيلومتر واحد عن استاد بيونس أيرس لكرة القدم الضخم، وتعد أكثر مراكز التعذيب السرية أهمية خلال فترة الحكم الديكتاتوري.
وتقوم جونزاليز تابوز وزملاؤها كل يوم بجولة تقدم خلالها المعلومات للزوار عبر الغرف، التي كان يقرر فيها ضباط الجيش منذ أربعة عقود من الذي ستكتب له الحياة ومن الذي سيموت.
وفي ذلك الحين كانت صرخات الضحايا يتردد صداها في جنبات القاعات، بل إن بعض النساء المحتجزات الحوامل وضعن صغارهن في هذا المكان، ولكن في كثير من الحالات كان يتم انتزاع الصغار من أمهاتهم بشكل غير قانوني وأخذهم بعيدا.
وتقول سابرينا أوسواسكي إحدى المشرفات على الجولات إن المرشدين يعلمون أن "الاستعداد لهذا الجزء من الجولة الحافل بالآلام هو جزء من المهمة التي يقومون بها".
ومع ذلك تأتي أحيانا أيام تطفو فيها على السطح "المشاعر والتساؤلات"، ومن ثم يصبح من المتعذر على العاملين أن ينظروا إلى هذا العمل الإرشادي كوظيفة نظامية عادية.
وتعمل أوسواسكي بالمتحف منذ عام 2005، وبدأت عملها بعد أشهر من إصدار الرئيس الأرجنتيني وقتذاك نستور كيرشنر تعليمات لتحويل مقر المدرسة البحرية إلى موقع لتذكر الضحايا حتى لا يغيبوا في طي النسيان.
وقامت الإدارة العسكرية بالتدريج بتسليم المقر، الذي تبلغ مساحته 17 هكتارا، لسلطات العاصمة الأرجنتينية.
وتوضح أوسواسكي قائلة "عندما بدأت العمل في المكان كمرشدة، كان لا يزال هناك سور يفصل القطاع الخاضع للجيش عن متحف "حيز للذاكرة"، وفي ذلك الوقت لم نكن قد تعلمنا بعد استيعاب ما حدث في المكان، وكان أمر مثير للانزعاج التعايش مع التواجد العسكري في المكان".
غير أنه تم توسيع نطاق المتحف عام 2015 ليشمل المنطقة بأكملها.
وتتذكر المرشدة لاورا جيفارا - وهي حفيدة زوجين يعملان بالمحاماة دافعا عن السجناء السياسيين أثناء فترة الديكتاتورية - اليوم الذي جاءت فيه إلى مقر مدرسة البحرية لتجري مقابلة شخصية للحصول على وظيفة.
وتقول إن الهدوء الذي كان يغلف المكان ترك انطباعا مؤثرا عليها، وتضيف إن "المكان كان خاليا ولم يكن بداخله سوى عدد قليل من الأفراد".
ويتقابل المرشدون مرة في الأسبوع مع هيئة تنسيق العمل المشرفة عليهم لتعلم المزيد عن تاريخ المكان، والتحدث إلى المشرفين والتخطيط لمواقع جديدة يراها الزوار.
وتقول أوسواسكي "إننا نريد أن نقدم للزوار معلومات تفصيلية تجعلهم يسألون كيف كان من الممكن أن يحكم البلاد مثل ذلك النظام الديكتاتوري، ويفكرون في هوية المتواطئين مع ذلك النظام، وتجعلهم أيضا لا ينظرون إلى التاريخ كوقائع مجردة يراها المرء ذات مرة ثم يغادرها وينساها".
ويحاول المرشدون أن ينقلوا للزوار مشاعر الرعب التي مر بها الضحايا في هذا المكان، وتشجيع الزوار على التكهن بالسبب الذي جعل هذه الوقائع تحدث، وفي هذا الصدد يقول المرشد إيجناسيو مودنيسي "إننا نقول لهم إن الرعب كان موجودا هناك، ولكننا بحاجة لأن نتدبر أحداث التاريخ لنتعلم منها".
ويوضح أن الهدف من الجولة يتمثل في إتاحة تمثيل ملموس وإنساني لتقرير "نوكا ماس" الذي يعني بالإسبانية "لن يحدث أبدا"، وهو التقرير الذي صدر عام 1984 حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت أثناء الحكم الديكتاتوري في الأرجنتين، وساعد التقرير على إحالة المسؤولين عن هذه الانتهاكات إلى القضاء.
ويزور المتحف قرابة 25 ألف زائر سنويا، بينما كان عدد زواره 600 فقط عام 2005.
ويقول مودنيسي إن أوضاع وأشكال الزوار تتباين، ويطرح بعضهم أسئلة تدور حول الحقائق التاريخية.
ويضيف إن البعض الآخر لديه خبرات مباشرة بالأحداث، ويتذكر مدونيسي حالة جندي سابق علق على ممارسة إلقاء معارضي الحكومة المزعومين من الطائرات، وقال الجندي " لن أخبرك عما إذا كنت قد قمت بنفسي برحلات الموت الجوية أم لا".
كما يتضمن الزوار ضحايا العهد الديكتاتوري، ويشعر بعضهم بالتأثر وهم يقصون قصصهم للمرة الأولى، وذلك وفقا لما يقوله المرشد خوان برشتاين، ويضيف " إنها حكايات من حياتهم ظلوا يحتفظون بها في طي الكتمان لعدة عقود، وهم يفصحون عنها عندما يأتون إلى المتحف، وعندئذ ينفجرون في البكاء".

د ب ا
الاربعاء 5 ديسمبر 2018