نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


سياسة خارجية جديدة في السودان: سياسة الوضع القائم أم تحوّل نحو الخليج؟




عندما خرج وزير الدفاع السوداني، عوض بن عوف، في 11 نيسان/أبريل 2019، ببيان كشف فيه عن تنحي البشير، وتولي مجلس عسكري "فترة الحكم الانتقالي" لعامين، وهو الأمر الذي لا زال فيض كبير من الشعب السوداني يرفضه، أفصحت عدة مؤشرات عن وجود توجهات داخلية وإقليمية مُتباينة لدى قادة الأجهزة الأمنية المشاركة في تأسيس المجلس العسكري.


  وربما ظهرت هذه المؤشرات في تأخر صدور بيان المجلس العسكري لأكثر من 8 ساعات، ورفض قوات التدخل السريع لقيادة بن عوف دفة المجلس ومن ثم قبولها بقيادة البرهان، بالإضافة إلى تنحي رئيس الأركان، كمال عبد المعروف، برفقة وزير الدفاع السوداني، بن عوف، الذي تنازل عن منصب رئاسة المجلس الانتقالي، بعد يوم واحد على تنحي البشير، تاركا إياه لعبد الفتاح البرهان الذي كان مُشرفا على القوات السودانية في اليمن، والذي قبِل، بعد توليه منصب رئيس المجلس العسكري، بمعونات الإمارات والسعودية، ورفض قبول زيارة وفد وزارة الخارجية القطري للسودان، مما يشير إلى وجود توافق قوي بين المجلس العسكري والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ظل المجلس العسكري حذرا في إحداث أي تحول كبير يتعلق بالسياسة الخارجية
لعل الرجوع قليلا إلى فحوى الخطة التي أعدّها البشير في سبيل امتصاص شعلة الأحداث والإبقاء على ذاته أو شخص آخر قريب من هدف؛ على الأرجح كان بن عوف، تكشف توجه البشير لـ "عسكرة الدولة"، حيث جاء تعيينه للجنرالات واللواءات في أهم مناصب الدولة التنفيذية، وتجريد جهاز الأمن الداخلي من بعض الصلاحيات والآليات العسكرية، وتعيين وزير الدفاع كنائب أول له، وضم الميليشيات أو الحركات المُسلحة الموالية له للجيش، بهدف تحميل حزب المؤتمر الوطني المسؤولية وتبرئت نفسه، وبالتالي ضمان استمرار مسار السياستين الداخلية والخارجية على حالهما.
لقد كانت خطة البشير للحفاظ على الوضع الإقليمي الراهن مواتية جدا لطموح بعض دول المعادلة الإقليمية كتركيا وقطر وإثيوبيا، بل وحتى مصر، إذ حملت الخطة ملامح استمرار الوضع القائم المُستقر، الأمر الذي لم يرق لدول المُعادلة الأخرى؛ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فقد كان البشير مسايرا لخطط الخليج في اليمن، وغير مُعاديا بشكل صارخٍ لإيران، وكان حليفا لتركيا والسعودية في آن واحد، وصديقا لمصر وإثيوبيا في ذات الوقت وذلك رغم خلافهما على مياه النيل، وكان رماديا في موقفه حيال أزمة قطر، فعمل على الاستفادة اقتصاديا من الطرفين بدون انحياز، وهو ما آثار، على الأرجح، حفيظة الإمارات والسعودية.
ومن المفارقات الآن أن هذه القوات العسكرية هي التي تبدو مهتمة باتباع سياسة خارجية أقل لبسا، ففي حين جاء تحرك المجلس العسكري السوداني تلبية لرغبة الشعب السوداني الذي عبر عن امتعاضه لوجود البشير، أظهرت عملية تغيير النظام، لا سيما بعد تنحي بن عوف عن رئاسة المجلس، أن هناك توجه جديد داخل الجيش مخالف بشكل كبير لخطة البشير ويتعارض بشكل نسبي مع السياسة الخارجية العامة للبلاد، حيث تولى البرهان، الذي كان فاعلا في اليمن، مقاليد الحكم، لتوحي المعادلة بمؤشرات وجود توجه موات لمصالح الإمارات والسعودية.
إذ سبق لبرهان أن نسّق مع حكومتي البلدين، بحكم عمله في اليمن، ما دفع البلدين لتوظيف حالة التقارب مع برهان من خلال المسارعة على تطويرها بتقديم الدعم المالي والنفطي لبلد تصنف بأنها تابعة ومفتوحة على الدعم الخارجي الذي يُمثل عنصرا أساسيا في استمرار عملياته التشغيلية.
وقد اتضحت مؤشرات ميل المعادلة حاليا لصالح الإمارات والسعودية في صيغة التغطية الإعلامية للقنوات الموالية، وفي زيارة وزير الخارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، بعد رفض المجلس العسكري استقبال وفد الخارجية القطري بذريعة عدم تنسيق وزارة الخارجية معها مُسبقا.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تبقى كفة ميزان المعادلة السودانية راجحة لصالح المحور الإماراتي ـ السعودي، حيث أن قطر وتركيا ومصر وإثيوبيا لا يروق لهم حدوث هيمنة سعودية ـ إماراتية على القرار السياسي في السودان.
من جهة قطر وتركيا فمعروف حجم تقاطع مصالحهما، وتنافسهما على مركزيّة الإقليم مع الإمارات والسعودية، لا سيما في السودان؛ حيث وقعت تركيا قبل بضعة أشهر عدة اتفاقيات استثمارية مع السودان حول الاستثمار في جزيرة سواكن المُطلة على البحر الأحمر، وحول تنقيب الذهب وبعض المعادن الأخرى، بالإضافة إلى تأسيس بنك سوداني ـ تركي مشترك، وتعزيز الاستثمارات في المجال الزراعي، وقد سبقت قطر تركيا بعدة اتفاقيات مشابهة.
كما ترى كلا من تركيا وقطر في السودان محورا جيواستراتيجيا من حيث موقعه الجغرافي المجاور لمصر وليبيا والبحر الأحمر، حيث يمكن من خلال ضخ الاستثمارات الاقتصادية والعسكرية إلى السودان، الاستفادة من الموقع الجغرافي لها في ضمان اعتدال كفة توازن القوى أمام مصر والإمارات والسعودية في البحر الأحمر وليبيا، وبعض الدول الأفريقية الأخرى، لصالحها.
قد تستغل روسيا حالة التجنب الأميركي للتدخل المباشر في ملف السودان
وقد استثمرت قطر وتركيا طويلا في مؤسسات الدولة السودانية وبعض مؤسسات المجتمع المدني، مُستفيدة من توغل حزب المؤتمر الوطني ذو توجه الإسلام السياسي المُجاري لتوجه قطر وتركيا في الإقليم، وهذا ما يعني قدرتهما على استعادة نفوذهما النسبي في السودان من خلال هذه المؤسسات وإن فقد المؤتمر الوطني وجوده القيادي فيها.
أما بالنسبة لمصر، فهي تخشى من محاصرة نفوذها جغرافيا واستراتيجيا من قبل الإمارات والسعودية، وذلك تحت ذريعة مواجهة النفوذ القطري في القارة السمراء، فدعم السعودية والإمارات الاقتصادي لإثيوبيا من جهة وأرتيريا من جهة أخرى، ومن ثم توجيه ذات الدعم للسودان، سيضرب مصر من الخاصرة، ويفرض ضغطا سياسيا عليها، يدفعها لمجاراة مصالح السعودية والإمارات في اليمن وسوريا وليبيا على نحو أكثر تبعية، لا تُريد مصر السقوط فيه.
وفي إطار توازن القوى، قدمت روسيا دعما مديدا للسودان في الآونة الأخيرة، أملا في بناء نفوذ أمني وتجاري على البحر الأحمر يمكّنها من امتلاك كلمة فاعلة في حركة التجارة الدولية عبر قناة السويس، ويعود عليها بالدور الفاعل في خطة "طريق واحد ـ حزام واحد" التي تسعى لربط الصين وآسيا بأوروبا عبر المرور بمنطقة الشرق الأوسط برا وبحرا، والتي توفر بديلا بريا للطرق البحرية التي تخضع في العادة لسيطرة الأساطيل الأميركية. وتشعر روسيا أن النفوذ السعودي ـ الإماراتي يصب في الصالح الأميركي على حسابها.
تظهر أهمية الميزان الإقليمي بمدى منح الدول العظمى، تحديدا الولايات المتحدة الأميركية، مجالا للمناورة. وفي ضوء ذلك، يُلاحظ بأن الموقف الأميركي كان موقفا مُرجحا لسياسة "انتظر وراقب"، حيث امتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن تحديد موقفها بالكامل حيال ما حدث، فامتنعت عن وصف ما حدث انقلابا، لكنها دعت، على لسان المتحدث باسمها روبرت بالادينو، إلى تدعيم أسس الديمقراطية والسلام في السودان، مُضيفة أنه ينبغي أن تكون الفترة الانتقالية المُتاحة للشعب السوداني أقل من عامين.
وعلى الأرجح، تنبع هذه السياسة الأميركية من سلم أولويات الإدارة الحالية المُوجه نحو تحقيق انتصارات تاريخية من خلال مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، وإحراز تقدم في التنافس التجاري مع الصين، وإجراء مفاوضات ناجحة في الملف النووي لكوريا الشمالية.
في ظل مراقبة واشنطن للأحداث وتحيّن الفرصة للدخول على الخط عندما تنضج الأمور لصالحها أو تخرج بالكامل عن مسار طموحها، قد تجد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نفسهما في وضع متضارب بسبب التقاء المصالح التي تعارض مشاركتهما المتزايدة في السودان.
ترى تركيا وقطر في السودان محورا جيواستراتيجيا من حيث موقعه الجغرافي المجاور لمصر وليبيا والبحر الأحمر
وقد تستغل روسيا حالة التجنب الأميركي للتدخل المباشر في ملف السودان، وكذلك حاجة المجلس العسكري السوداني، الذي يُتهم بعض عناصره ومن ضمنهم البرهان بارتكاب جرائم في دارفور، فتقدم دعما اقتصاديا، يمكّنها من خلق توازن قوى أمام التحرك الإماراتي ـ السعودي.
وفى الوقت عينه، لا بد من الإشارة إلى أن المجلس العسكري السوداني ظل حذرا في إحداث أي تحول كبير يتعلق بالسياسة الخارجية، حيث بث في بيانه الأولى إشارة تطمين لجميع القوى الإقليمية والدولية للتأكيد على التزامه بجميع الاتفاقيات المُبرمة. إضافة إلى ذلك، يسعى الحكم العسكري في السودان إلى كسب الشرعية من خلال تحقيق اعتراف أكبر عدد ممكن من الدول به، فهناك قوى مدنية سودانية؛ إسلامية وقومية، فاعلة قد تقاوم حكم المجلس العسكري، وبالتالي قد ترفض السير تحت تأثير التيار السعودي ـ الإماراتي.
بالنظر إلى كل هذا، فإن المُتوقع ظهور اتزان في التحرك على الساحة الإقليمية بعد فترة من زمن، نظرا لأهمية الموقع الجغرافي والوزن السياسي للسودان بالنسبة للإقليم، فضلا عن انعدام قدرات السودان، سواء أكانت تحت حكم مدني أو عسكري، الكاملة لتوفير "العون الذاتي" على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري، ما يجعلها بحاجة دائمة للتعاون مع عدة أطراف، لتحقيق أكبر حجم من الدعم الخارجي، لا سيما وأن حركات الانقلاب العسكري، عادة، ما تتبع سياسة خارجية قائمة على مبدأ اللعب على وتر "توازن القوى" مع دول الإقليم، بما يشمل التعاون مع الجميع بدون غلو في الانحياز لطرف على حساب طرف آخر.
-------------------
الحرة - منتدى فكرة
جلال سلمي هو صحافي وباحث سياسي فلسطيني مقيم في تركيا، تركز كتاباته على قضايا الشرق الأوسط، لا سيما الشأن التركي والسوري والفلسطيني.

جلال سلمي
الاثنين 20 ماي 2019