نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


عن "القائد الذي سامح شعبه"!




بلغةٍ ركيكةٍ، تُوحي بأُمّية صاحبها، قال الشيخ أحمد الدحَّام الخرفان، أمام شيوخ يُشاركونه ضعف التعليم والثقافة، ضمن "اجتماع عشائريّ" التأمَ في أثريا بريف حلب، بأنَّ بشار الأسد هو "قائد سامحَ شعبه وبدأ بالمصالحات وكلّ يوم يصدر مرسوم عفو تلو الآخر ليعفو عن شعبه"!


 
مثل هذا الكلام ما كان ليستحقّ أن يكون مادَّةً للصحافة، أو حتى للتداول، لولا أنه يُراد له أن يكون أحد عناوين المرحلة المقبلة في سوريا: الرئيس يعفو عن الشعب.
 
***
لكنَّ "القائد الذي سامح شعبه" لم يستطع أن يسامح وسام الطير، مؤسّس أكبر شبكة إعلامية مؤيّدة للنظام، بسبب انتقاده البسيط للأوضاع المعيشية في سوريا، فاعتقله ونكَّل به، حتى أنَّ أخباراً غير مؤكَّدة حول مقتله تحت التعذيب انتشرت، خلال الأيام الفائتة، على الصفحات الموالية.
 
لكنَّ "القائد الذي سامح شعبه" لم يستطع أن يسامح جماعته، التي قاتلت من أجله، بمجرَّد أن أبدت بعض التململ لطول الطوابير التي تقف فيها لاستلام قنينة غاز، فأفلتَ عليهم أحد أبناء عمومته، المجرم وتاجر المخدّرات وسيم الأسد، ليتوعّدهم ويهدّدهم ويصفهم بأقذع الأوصاف.
لكنَّ "القائد الذي سامح شعبه" لم يستطع أن يسامح حتى الذين خانوا الثورة وعادوا إلى أحضانه صاغرين متأسّفين، فهذا نوَّاف البشير، شيخ عشيرة البكَّارة، معتقلٌ منذ شهور في أقبية أحد الفروع الأمنية دون أن تعرف عائلته عن مصيره شيئاً.
 
لكنَّ "القائد الذي سامح شعبه" لم يستطع أن يسامح حتى "الضفادع" الذين لعبوا دوراً أساسياً في تسليم العديد من المناطق الثائرة عبر لعبة "المصالحات" الوهمية، فاغتال الكثير منهم ممن لا تتسع هذه السطور لحصر أسمائهم.
 
***
 
بالطبع، ولمن يعرف الحركة الحثيثة لآلة النظام الدعائية المولجة إعادة إنتاج "الهيبة" المفقودة لصورة النظام المتهالك، يعرف بأن الكلام عن "القائد الذي سامح شعبه" لم يصدر عفو الخاطر عن قائله، وإنما وُضِعَ على لسانه ليقوله.
 
فهذه اللغة، المستلَّة من قواميس العبيد، تنتمي إلى زمن ما قبل الثورة، أي الزمن الذي مضى وانقضى ولم يعد في وسع أحد استعادته. حتى مؤيّدي النظام صار مثل هذا الزمن بالنسبة إليهم من الماضي، وما ارتفاع صوتهم الناقد للأوضاع المعيشية المزرية، ضدَّ النظام الذي توافقوا على تسميته بـ"الحكومة"، سوى دليل على انقضاء ذلك الزمن إلى غير رجعة.
 
العقل القديم للنظام ما يزال يعتقد بأن إجبار الشعب على الاستسلام، بأكثر الطرق إذلالاً، هو الحلّ الوحيد لمعضلة ضياع الهيبة.
 
إنَّ "النصر" العسكري لا قيمة له من دون النصر النفسي، لأنَّ إعلان النصر غير ممكن ما دام الناس لا يكفّون -وهم على مقربة من الدبَّابات- عن الاستهزاء بالرئيس وحكومته.
 
لذلك يبذل العقل القديم للنظام كلّ ما في وسعه لاستعادة الهيبة المفقودة. ولذلك جاء إصدار مراسيم العفو الشكلية، والمتكرّرة، للإيحاء بأنَّ القرار لـمَّا يزل في يد النظام. ولذلك جنَّ جنون مسؤوليه لانتقادات المؤيّدين وسخريتهم من الحال الذي وصلت إليه البلاد.
 
وهكذا صار من اللازم على الأسد ألا يُعيد "تربية" معارضيه فقط، بل أن يُعيد تربية مؤيّديه أيضاً.
 
***
إنَّ استعمال تعابير مثل المسامحة والعفو، لا يبتغي أبداً إضفاء أيّ بُعد إنسانيّ على المجرم القادر على المسامحة، بل تقديم نموذج لبقية السوريين لإعادة تقديم فروض الطاعة.
 
العبث بمسرح الجريمة، عبر وضع المجرم في مكان الضحية، وبالتالي منحه الحقّ بالمسامحة والعفو، لا يقصد أكثر من العبث بعقارب الزمن من خلال إعادة كلّ شيء إلى سابق عهده.
 
إنها، باختصار، لعبة العقل القديم للنظام الذي ما يزال يحاول، يائساً، جمع الأجزاء المتناثرة لـ"هيبته"، التي عَلِقَ بعضها بأحذية المتظاهرين الأوائل، مع الحصى والزجاج المكسور.
---------
زمان الوصل
 

ماهر شرف الدين
الاثنين 4 فبراير 2019