يتناول هذا الكتاب العواقب البيئية للاستهلاك، ومدى تأثيرها على الصحة والسلامة العامتين، في عالم تفاقم استهلاكه وتصاعدت توتراته في العديد من النظم البيئية. ويعمد الكتاب إلى تحليل العواقب المباشرة للاستهلاك، عبر تجسيد تواريخ خمسة منتجات تمثل مدى واسعاً من الاقتصادات السياسية، وهي: السيارات، والبنزين، حاوي الرصاص، والمبردات، واللحم البقري، وعجل البحر الأبيض (الفقمة). وتكشف لنا تلك التواريخ عن حقائق مثيرة، فعلى سبيل المثال تم تجاهل تحذيرات العلماء من عواقب إضافة مادة الرصاص إلى البنزين في العقد الثاني من القرن العشرين، كما توضح لنا الأسباب الحقيقية التي تجعل الصين اليوم رائدة في مجال تصنيع المبردات الخالية من الكلوروفلوركربون.
ويكشف الكتاب السبب وراء إخفاق العديد من الجهود الحالية في إدارة البيئة العالمية، فبدلاً من توفير الحماية للأنظمة البيئية، يسير التقدم البيئي في اتجاه نقل الأعباء إلى نظم بيئية ضعيفة، الأمر الذي يدفع بتكاليف الخراب البيئي نحو أراض بعيدة. ليعهد بها إلى الأجيال اللاحقة وبينما تعمل بعض الدول على حماية مواطنيها واقتصاداتها، فإنها تزيح التكاليف البيئية إلى الغابات المطيرة الاستوائية، والمحيطات المفتوحة، والفضاء الجوي، ما يدفع العالم إلى حافة الانهيار.
يقع الكتاب في خمسة أجزاء إضافة إلى المقدمة، تتضمن 24 فصلاً، يتم خلالها تحليل مراحل تطور صناعة السيارات، والبنزين، والمبردات، ولحم البقر، والفقمات؛ وكيف يتم تربيتها أو صيدها، وكيف يتم استهلاكها؟ وتتناول هذه الفصول عصوراً جغرافية متنوعة، وحقباً زمنية، وقطاعات، وهياكل حاكمة، واقتصاديات سياسية (بداية من الاستغلال الأدنى للمصادر الطبيعية في القرن السابع عشر إلى درجات التصنيع القصوى في القرن الحادي والعشرين). ويوضح الكتاب أنه في كل حالة من الحالات الخمس، تقوم الإدارة البيئية بتحسين بعض الأمور؛ على سبيل المثال، كفاءة استخدام الموارد، وعمليات الإنتاج، وآثار كل وحدة على حدة، وإعادة التدوير. وتطرأ هذه التحسينات لأسباب كثيرة. فالتعليم يغيّر القيم المجتمعية؛ وتزداد اليوم مساحة المستهلكين الذين يقومون بإعادة تصنيع السلع (مثل الصحف والزجاجات)، وكذلك الحفاظ على الطاقة (مثل الكهرباء المنزلية)؛ وتتطور العادات لدى بعض المستهلكين (مثل التخلي عن معطف الفرو لأسباب أخلاقية أو بيئية)، وبرامج البطاقات البيئية (مثل بطاقات الأخشاب والمأكولات البحرية)، كما تتوسع الأسواق البيئية (مثل لحوم الأبقار العضوية). وهناك عوامل تحد كذلك من تلك الآثار مثل التكنولوجيا الجديدة (كالمحولات المساعدة للسيارات أو أنظمة التبريد في الثلاجات) والإنتاج الأكثر كفاءة (مثل خطوط التجميع التي تتم في الوقت المحدد). وتتحايل الشركات من أجل الحصول على حصص سوقية أكبر وأرباح أعلى، وبشكل أقل تساعد السياسات مثل المسؤولية الاجتماعية للشركات على تقدم الكفاءة البيئية (خاصة بالنسبة إلى القطاعات الصناعية ذات المستوى الأعلى كالسيارات والثلاجات). وهناك العديد من القوى الأخرى التي تغير الآثار البيئية؛ فاللوائح الحكومية ـ ليست فقط للبيئة، ولكنها أيضاً بالنسبة إلى التجارة والاستثمار ـ تلعب دوراً رئيساً، وكذلك الضغوط من المنظمات غير الحكومية؛ مثل منظمة السلام الأخضر أو الصندوق العالمي للحياة البرية / الصندوق العالمي للطبيعة WWF، والاتفاقيات الدولية لمنع تلف الأوزون أو حماية الأنواع المهددة بالانقراض، والمساعدات الدولية من منظمات مثل البنك الدولي ومرفق البيئة العالمية.
يؤكد الكتاب على أن الأدلة من الحالات الخمس التي يتناولها تُعد قاطعة: فالآثار البيئية تتغير، وتتضاءل، وحتى تتلاشى، ولكنها تكشف أيضاً أن التقدم التدريجي في ظل الأشكال الحالية للإدارة البيئية الذي نشهده اليوم يفشل في الوقاية من ذلك الضرر الواقع على البيئة العالمية ويتعذر إصلاحه. ولا يتماشى التقدم التراكمي مع تأثير ارتفاع الاستهلاك في اقتصاد العولمة الذي يشهد أكبر نمو اقتصادي وارتفاع في عدد السكان من أي وقت مضى. وفي جميع الحالات، تميل العوامل الاقتصادية والسياسية القصيرة المدى إلى إبطاء سرعة التغيير. إلا أن هذا لا يعني وجود نمط معين من الاستهلاك في مكان معين لا يتغير بشكل ملموس لأسباب علمية أو سياسية أو قانونية أو بيئية أو صحية. وواقع الأمر أن هناك أمثلة لا حصر لها ناشئة عن مقاطعة المستهلكين والاكتشافات العلمية، وحظر الحكومة، وتعطل الأسواق، وإفلاس الشركات. وفي بعض الأحيان، من شأن التغير المفاجئ في موقع ما أن يسفر عن سلسلة من ردود الأفعال تؤدي بدورها إلى إدارة أفضل للبيئة في جميع أنحاء العالم.
ويستخلص الكتاب في خاتمته أنه رغم التقدم الكبير والازدهار الهائل على مدار نصف القرن الأخير، وإذا كان العالم يأمل في تجنب أزمة أخطر بحلول منتصف هذا القرن، فإنه يجب عليه أن يتحول ويتجه إلى الإسراع بعمليات حماية البيئة. ويرى مؤلف الكتاب أن ذلك سوف يستغرق سنوات عديدة ومن شأن العمل نحو تحقيق استهلاك متوازن بصورة أكبر أن يخفف الكثير من ـ إن لم يكن غالبية ـ الآثار البيئية المدمرة الناتجة عن استهلاك كل من الأفراد والشركات وكذلك التجارة والهياكل التمويلية التي تنتج السلع الاستهلاكية، ويقدم مجموعة من التوصيات لتحقيق هذا التوازن منها إجراء إصلاحات شاملة للنظام العالمي وعولمة حماية البيئة وتحقيق المزيد من التوازن للاستهلاك على المستويين الشخصي والهيكلي، إضافة إلى قيام الاتفاقيات والمنظمات الدولية بتوجيه العولمة الاقتصادية بصورة أفضل وكبح جماح المصالح الذاتية للدول ذات السيادة والشركات المتعددة الجنسيات، كما يجب أن يخضع المنتجين والحكومات على حد سواء إلى مبدأ الاحترازية الصارمة والتي بموجبها تتبع الشركات متعددة الجنسيات معايير متسقة في جميع المناطق، وأن تعكس أسعار أكثر السلع المتداولة التكاليف البيئية والاجتماعية وأن تقوم كثير من المساعدات بتعويض آثار الاستهلاك الجائر للكثير من الموارد الطبيعية في العالم النامي.
مؤلف الكتاب بيتر دوفيرن، أستاذ العلوم السياسية ورئيس برنامج كندا للبحوث في السياسات البيئية العالمية بجامعة كولومبيا البريطانية. كما أنه مؤلف كتاب "ظلال في الغابة: اليابان وسياسات الأخشاب في جنوب شرق آسيا" الصادر عام 1997، والحائز على جوائز، وهو المؤلف المشارك لكتاب "مسارات نحو عالم صديق للبيئة: الاقتصاد السياسي للبيئة العالمية" الصادر عام 2005. عمل عدة سنوات محرراً لمجلة السياسات البيئية العالمية (2001 ـ 2008). والجدير بالذكر أن كتابه "ظلال الاستهلاك: عواقب البيئة العالمية" قد حاز جائزة جيرالد إل. يينج بالمشاركة، لأفضل كتاب في علوم البيئة الإنسانية للعام 2009، التي تمنحها جمعية علوم البيئة الإنسانية.