نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


اغلاق المقاهي نهار رمضان يشعل أزمة دستورية بتونس





تونس - طارق القيزانى- على غير العادة خلت الجادتان على جانبي شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بوسط العاصمة من زحام المارة ومن الكراسي والطاولات، في مشهد مألوف خلال شهر الصيام في رمضان.
لكن ما هو غير مألوف أن تغلق جميع المقاهي أبوابها بعد صدور أمر حكومي قبل شهر رمضان، في خطوة تهدف ضمنيا إلى وضع حد لجدل ما فتأ يتكرر كل عام بشأن الحق في الإفطار والامتناع عن ممارسة شعائر الصيام.


 

وبسبب هذا القرار اضطر" عمر" النادل بمقهى قريب من كاتدرائية العاصمة إلى أن يكون في راحة اجبارية طيلة نهار أيام الصيام. ويستأنف الدوام لساعات قليلة خلال الليل.
والخسارة بالنسبة لعمر كما تحدث إلى وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ)، ستكون مضاعفة كونه يعتمد في تحصيل أغلب دخله المالي طيلة النهار من "البقشيش"، إذ ان أجرته اليومية بالكاد تكفي لسد حاجيات ابنه الرضيع وادخار مخصصات الإيجار حتى نهاية الشهر.
لأجل هذا يدافع عمر عن عمله في رمضان قائلا "نحن لا ننتهك مشاعر أي كان. في رمضان نعمل خلف ستائر وأبواب مغلقة ولا نجبر الناس على القدوم إلينا أو الافطار".
ويتابع في إفادته "كثيرون يعانون متاعب صحية وليس لهم طاقة على الصيام. نحن نوفر لهم خدمات دون أن نخدش مشاعر الآخرين".
وفي العادة تقوم المقاهي التي تستمر في عملها خلال رمضان بوضع ستائر أو الصاق أوراق الصحف على الأبواب والواجهات البلورية لحجب الرؤية من الخارج، بينما يدلف الزبائن المفطرون بسرعة وحذر إلى الداخل.
لكن منذ تصاعد نفوذ التيار الاسلامي في البلاد بعد ثورة 2011، فإن هذه المقاهي لم تعد في مأمن من غضب المحافظين، إذ جرى في بعض الحالات رشقها بمقذوفات أو اقتحامها وتخريبها.
ومع أن هناك مقاهي ومطاعم أغلقت أبوابها تلقائيا في رمضان وتعتمد شهر الصيام كعطلة موسمية خالصة الأجر للعمال، هناك آلاف مثل عمر ممن يعملون في المقاهي السياحية بشوارع العاصمة والمدن الكبرى، مجبرون على الركون الى الراحة وتدبير أمورهم لمدة شهر.
لكن بخلاف التبعات الاقتصادية فإن قرار الداخلية أطلق نقاشا جديدا يرتبط بمدى موائمته للدستور الجديد للبلاد الذي صيغ عام 2014 وينص بشكل خاص على "حرية الضمير"، والقصد من ذلك حرية ممارسة الشعائر الدينية والاعتراف بحقوق الأقليات الدينية الأخرى.
وفي نظر منظمات حقوقية مثل "جمعية مساندة الأقليات" و"جمعية المفكرين الأحرار" وحتى الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية وهي هيئة حكومية، فإن الدولة تخاطر بانتهاك حقوق أساسية.
قالت رئيسة الجمعية التونسية للدفاع عن الأقليات يمنية بن ثابت إن "قرار الوزير يبعث على الخوف" بينما وجه نضال غرسي العضو بجمعية المفكرين الأحرار، نداء على صفحة المنظمة يحث فيه التيار الحداثي على التحرك والاحتجاج في الشارع ضد اجراءات الداخلية.
ويوضح الغرسلي في ندائه "لا يتعلق الأمر بمجرد الدفاع عن فكرة أو الاحتجاج ضد غلق المطاعم ولكن نحن أمام اختبار لمدى احترام الحريات الفردية. علينا أن نتحرك حتى لا يأتي اليوم الذي نقول فيه أكلنا يوم أكل الثور الأبيض".
وبعد سنوات من الانتقال السياسي لا يزال دستور الديمقراطية الناشئة الجديد والذي لقي إشادة دولية، موضع اختبار على أرض الواقع. ومع التأخير الحاصل في تأسيس محكمة دستورية فإن الخلافات تتواتر حول تأويل عدد من الفصول لا سيما تلك المتعلقة بالحقوق والحريات.
والحقوق المرتبطة بالدين بالغة الحساسية في تونس مع وجود تيار اسلامي قوي لكن هناك ايضا نخبة علمانية قوية ومؤثرة في المجتمع التونسي، لذلك فإن تبرير وزير الداخلية لطفي براهم عند غلق المقاهي في شهر رمضان بتطبيقه القوانين، أشعل أزمة مع منظمات المجتمع المدني.
والمقاربة التي ينطلق منها براهم في رده على الانتقادات، هو أن من واجب المؤسسة الأمنية حماية شعائر الأغلبية المسلمة في البلاد كما حمت شعائر الأقلية اليهودية في الاحتفالات السنوية بمعبد الغريبة الشهير بجزيرة جربة، قبل حلول شهر رمضان بمدة قصيرة.
وهذه المقاربة ليست موضع اجماع من قبل رجال القانون لأنها لا تستند إلى قانون صريح لغلق المقاهي في رمضان وإنما إلى منشور حكومي يعود إلى عقد الثمانينات من القرن الماضي.
ويوضح استاذ القانون العام وحيد الفرشيشي أن الإشكال يكمن في عدم تفعيل الدستور حتى الآن، الأمر الذي يجعل الوزارة والبلديات تعمل بالإجراءات القديمة ذاتها.
كما يقول نضال غرسلي "السلطة ضربت اليوم بعقود من الفقه الدستوري في تونس لتنتقل إلى النفق المظلم". ويتابع منتقدا وزير الداخلية "أصبح مشرفا عاما على محاكم التفتيش الدينية في تونس، والمشرف على حماية الدولة الدينية والكشف عن سرائر الناس".
ولمجابهة قرار الوزير يعمل نشطاء على الترويج لحملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "مش بالسيف" (ليس غصبا)، في إشارة إلى إرغام السلطات للمواطنين للتقيد بشعائر محددة كما يدعون إلى التعبئة للاحتجاج في الشارع.
وفي تقدير رجال القانون فإن هناك خياران لحل أزمة المقاهي في رمضان، الأول هو أن يقوم أصحاب المقاهي والمطاعم المغلقة أو المواطنون المدافعون عن حق الافطار برفع دعاوى قضائية مستعجلة.
أما الخيار الثاني هو أن أن تصدر الحكومة نفسها ممثلة في وزارة الداخلية منشورا جديدا يسمح لأصحاب المقاهي بفتح محلاتهم خلال شهر رمضان في انتظار وضع نصوص قانونية منظمة لذلك.

طارق القيزانى
الاحد 27 ماي 2018