نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


كيف حارب سوريّ حتى الموت من أجل انترنت حرّ





أثناء بحثي على الانترنت عن أعمال أحد المخرجين السوريين وجدت بالصُّدفة مقالا مذهلا عن باسل خرطبيل الصفدي مكتوبا بالللغة الانكليزية. بحثت ولم أجد ترجمة فقررت ترجمته لأنّه من الضّروري أن يعرف كلّ سوريّ هذه المعلومات. لم أعرف بدوري هذه المعلومات المفصّلة قبل هذا المقال عن باسل. من المؤسف وهو حتى أحد أسباب بطء تقدّمنا أننا لا نعرف ما لدينا, لا نعرف مبدعي بلدنا مثل باسل الذي سعى إلى هدف نبيل تعرفونه في المقال. هذا الهدف الذي على صعيد العالم يمكننا أن نعدّ الأشخاص الساعين إليه. أتمنى عليكم القراءة وأشعر أن الأمر يخصّني جدّا كما يخصّكم أيضاً. حاولت الترجمة بمنتهى الدقة والأمانة وبحثت عن العديد من الأشياء على الانترنت لهذا الغرض.
من قلبي أشكر كاتبة المقال, هذه الإنسانة.
ملاحظة: كل ما ضمن قوسين هو عبارة عن محاولة شرح لبعض الأشياء قد أضفتها بنفسي.
كَتبَت هذا المقال أليس سو ونُشِر في موقع وايرد و أليس سو هي صحفية من عمان_الأردن يَنْصَبُّ تركيزها على اللاجئين, الدين, الصين والشرق الأوسط.


باسل خرطبيل الصفدي-مجلة  زمان الثقافية
باسل خرطبيل الصفدي-مجلة زمان الثقافية
 
أَمِلَ باسل خرطبيل أن يؤدي الانترنت إلى ازدهار الحرية والانفتاح في سوريا. ثم تم اعتقاله وسجنه من قبل نظام الأسد.
في عام 2003 ، عندما كان جون فيليبس في الرابعة والعشرين من عمره ، التقى بشخص غيّر كلّ شيء حول كيفيّة رؤيته للعالم. في ذلك الوقت، كان فيليبس طالب دراسات عليا في علوم الكمبيوتر والفنون البصرية في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو. وبدلاً من العمل في شركة تكنولوجية كبيرة ، كما كان يفعل معظم أصدقائه ، أراد استخدام مهاراته في الحوسبة "لبناء النظام الاجتماعي والمجتمع". لذا لجأ إلى ما يسمى Open Software (البرمجيات المفتوحة أي يمكن لأي شخص فحصها وتعديلها وتحسينها.)، والتعاون مع الغرباء كل يوم على Internet Relay Chat ، وهي منصة يستخدمها مطورو البرامج للدردشة في الوقت الفعلي أثناء عملهم معاً على المشاريع.
في أحد الأيام ، بينما كان جون على قناة IRC يطور موقعًا فنيًا مفتوح المصدر ، ظهر شخص باسم المستخدم "باسل".
كتب باسل تصحيحًا/Patch للموقع ، ثم تابع تطوير إطار برنامج لمنصة مدونة أطلق عليها هو وفيليبس اسم "Aiki," ، والذي كان أيضًا اسم سلحفاة باسل الأليفة. لم يكن لدى فيليبس أي فكرة عمّن كان باسل ، أو مكان إقامته ، أو كيف كان يبدو، لكنهم قضوا ساعات في القرصنة معًا ، وفي النهاية التقط فيليبس مزيدًا من التفاصيل: إلى جانب السلحفاة الأليفة ، عَلِم أنّ المتعاون معه عاش في دمشق وكان من أصل فلسطينيّ سوريّ ؛ علم فيليبس أن المصطلح العربي انشاالله "إن شاء الله" يمكن أن يعني أيضًا "لا". كان يمزح باسل مع فيليبس أثناء الاختراق: "لا تقل انشاالله ، يا صاح ، لا تجلب لنا الفأل السيّئ ، انشاالله تعني أن ذلك لن يحدث أبدًا!". في نهاية المطاف، علم فيليبس اسمه الكامل: باسل خرطبيل ، على الرغم من أنه ظهر كباسل الصفدي عبر الانترنت، في إشارة إلى أصوله الفلسطينية في بلدة صفد.
التقى فيليبس وخرطبيل في زمن من التفاؤل العظيم لدعاة "الثقافة المفتوحة" مثلهم. أصبح كلا الرجلين نشطاً في Creative Commons، وهي حركة مخصصة للبرمجة مفتوحة المصدر وثقافة تبادل المعرفة عبر العالم.
رأى خرطبيل الانترنت والاتصال بطريقة طوباوية تقريبا، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2009 ، قام هو وفيليبس بتنظيم حدث في جامعة دمشق يسمى Open Art and Technology. كان أول حدث "ثقافة حرة" بهذه الأهمية والفرادة في سوريا - والمرة الأولى التي التقى فيها فيليبس وخرطبيل شخصياً. دعوا مجموعة متنوعة من الفنانين ، بما في ذلك النحات السوري مصطفى علي. بعد خطاب ألقاه الرئيس التنفيذي لمنظمة Creative Commons، الذي سافر من الولايات المتحدة إلى دمشق ، وقف الفنانون واحدًا تلو الآخر وتعهدوا بوضع فنهم في The Commons، مرخصاً للمشاركة ، مفتوحاً للجميع.
"كان الأمر رائعًا، هل يحدث هذا حقًا؟" يقول فيليبس. "لقد كنا نجلس هناك، يا رجل! نعم، لقد فعلنا هذا يا رجل! هذا شيئُنا. هذا هو الاختراق الاجتماعي النهائي." بالنسبة لخرطبيل ، كان الأمر خلاصة جهده لجلب المزيد من الفن والثقافة والمعرفة السورية إلى الإنترنت؛ كان يرى شبكة الانترنت كقوّة ثوريّة سلميّة.
بعد ست سنوات، مات خرطبيل. اعتقلته المخابرات العسكرية السورية في دمشق في 15 مارس / آذار 2012. وتم استجوابه وتعذيبه وسجنه في سجن صيدنايا العسكري وسجن عدرا ، وأحياناً في الحبس الانفرادي. وقرّر فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي أنّ سَجْنَ خرطبيل ينتهك القانون الدولي, ودعا إلى إطلاق سراحه، ولكن دون جدوى. ثم ، في أكتوبر / تشرين الأول 2015 ، اختفى من عدرا ، دون أي بيان حكومي عن مكان وجوده. بدأ الأصدقاء والعائلة حملة الحرية لباسل/#freebassel ، معتقدين أنه لايزال على قيد الحياة في مكان ما. لكن في 1 أغسطس / آب 2017 ، أعلنت زوجة خرطبيل ، نورا غازي الصفدي ، وهي محامية لحقوق الإنسان ، أن أسرته قد أكّدت وفاته. كتب غازي الصفدي على فيسبوك: "تم إعدامه بعد أيام فقط من نقله من سجن عدرا في أكتوبر / تشرين الأول 2015".
"كنت عروس الثورة بسببك. وبسببك أصبحت أرملة. هذه خسارة لسوريا. هذه خسارة لفلسطين. هذه خسارتي ".
صُنْع ثورة رَقميّة
ولد باسل خرطبيل عام 1981 لكاتب فلسطيني ومدرّسة بيانو سورية. في سن العاشرة ، تعلم اللغة الإنجليزية باستخدام قرص مضغوط على كمبيوتر والده، وفقًا لعمه فرج رفاعي، وحصل على جهاز الكمبيوتر الخاص به في سن 11، وهو هديّة عيد ميلاد من والدته. قضى الكثير من الوقت خلال سنوات مراهقته وهو يتعلم البرمجة بلغة سي/C وترجمة الكتب التاريخية ، وخاصة تلك المتعلقة بتاريخ الشرق الأوسط القديم والأساطير اليونانية. كان خرطبيل بالكاد يبلغ من العمر 20 عامًا عندما بدأ العمل على إعادة بناء افتراضية ثلاثية الأبعاد لتدمر ، المدينة الأثريّة بالقرب من حمص ، بالتعاون مع خالد الأسعد ، عالم الآثار الشهير والخبير بالأنقاض.
في منتصف العقد الأول من القرن الحالي, الفترة التي أصبح فيها خرطبيل نشطًا على الانترنت, كان الاتصال بالانترنت لا يزال نادرًا إلى حدّ ما في العالم العربي،. كان قد تمّ إطلاق فيسبوك للتوّ ، وظَلّ الوصول إلى الانترنت بطيئًا للغاية في سوريا ، وكان المحتوى باللغة العربية محدودًا. لكن مجموعة صغيرة من الشباب العربي، معظمهم من أبناء المدن الذين في العشرينات من عمرهم، احتضنوا كلّا من الانترنت ورؤية منظمة Creative Commons للتعاون والتواصل والمشاركة.
خلال شهر رمضان ، قامت Creative Commons بتنظيم حفل إفطار, حيث كان الحاضرون يفطرون معًا أثناء مناقشة الشّعر وريادة الأعمال. في تونس، استضافت المنظمة حفلة موسيقية لمدة ثلاث ساعات مع موسيقيين من جميع أنحاء العالم العربي ، تم تسجيلها وإصدارها برخصة مفتوحة مجّانًا.
كانت الرؤية هي أن نلتقي ، وأن نبني الأشياء ، ونشاركها ، بدلاً من اكتناز المعرفة من أجل الرّبح ، أو إبقاء المجتمعات مغلقة. كان خرطبيل من أشد مؤيدي ذلك.
في عام 2005 ، أنشأ خرطبيل ودوناتيلا ديلا راتا ، الباحثة الإيطالية التي كانت تجري أبحاثًا في سوريا وكانت المديرة الإقليمية لجمعية Creative Commons ، مختبر (Aiki Lab) في دمشق. تقول ديلا رتا إن (Aiki Lab) لم يكن سياسيًا، لكن خرطبيل كان يقيم الهاكاثون/ hackathons(حدث ، يستمر عادةً لعدة أيام ، يلتقي فيه عدد كبير من الأشخاص للانخراط في برمجة تعاونيّة للكمبيوتر.) ويعلّم الأطفال الترميز، وكان هناك إمكانات في المهارات التي كانوا يتعلمونها لم تتمكن الشرطة السورية من فهمها بعد. تقول ديلا راتا ، مستخدمة المصطلح العربي للشرطة السرية أو المخابرات العسكرية: "قبل الانتفاضة ، لم يكن بإمكانك التجمع في مكان عام دون الحصول على موافقة المخابرات". "كانوا خائفين من تجمع الناس في أماكن مثل دور السينما والمقاهي والقيام بأي شيء أكثر من لعب الطاولة - لم يكن الأمر يتعلق بالمواقع الإلكترونية. كان هذا على أقل تقدير."
لكن خرطبيل رأى الاحتمالات. في عام 2009 ، عندما كانت الجزيرة واحدة من المنظمات الإخبارية الوحيدة التي لديها مراسلون يغطون الحرب في غزة ، ساعد خرطبيل بإقناع الشبكة بنشر لقطات فيديو بترخيص من Creative Commons، حتى يتمكن المزيد حول العالم من رؤية ما كان يحدث. تقول ديلا راتا ، إن كونك "مواطنًا رقميًا" لم يكن يتعلق بامتلاك الكثير من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي ، بل حول تمكين الناس من الاطّلاع والتواصل. تقول: "لا يتعلق الأمر بكتابة منشورات هراء على فيسبوك". "الأمر يدور حول ثقافة متجذرة بعمق في الأشخاص الذين يشبهوننا ، ويتصفحون الإنترنت ويؤمنون بأننا متساوون".
في منطقة تعاني من عدم المساواة والفساد الاجتماعي الشديد، كانت هذه الأفكار ساحرة وخطيرة. تقول ديلا راتا: "إنه أمر يتعلّق بثقافة المشاركة. وهذا هو بالضّبط سبب مقتل باسل"، "في هذه المنطقة التي يديرها المستبدّون ، يعملون جميعًا لتقسيم الناس. وكنّا نعمل على توحيد الناس".
"لا يتعلق الأمر بك"
في عام 2011 ، اندلع الربيع العربي. أطاحت الحركات الجماهيرية بقيادة الشباب بالحكومات في تونس ومصر وبدأت بملء الشوارع في ليبيا واليمن والبحرين وسوريا. عاصم حمشو، المصوّر الذي سُجن مرّتين لمشاركته في الاحتجاجات، التقى خرطبيل في فبراير 2011 في مظاهرة أمام السفارة الليبية في دمشق. ولوّحوا بالشموع ولافتات مكتوبة بخط اليد، وهم يهتفون "القذافي، ارحل، ارحل!". لم يكن قد بدأ السوريون بعد بالاحتجاج على حكومتهم - لا يزال هناك الكثير من الخوف - لكنهم سيجتمعون تضامناً مع مواطني الدول العربية الأخرى.
بعد شهر واحد ، في آذار/مارس 2011، كتب 15 تلميذاً في درعا، جنوب سوريا، على جدار: "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو شعار للثّورتين في تونس ومصر. تم سجنهم وتعذيبهم، مما أثار احتجاجات في درعا انتشرت بسرعة. في دمشق، انضمّ حمشو وخرطبيل وأصدقاؤهم، ويقول حمشو: "للمرة الأولى، تشعر بالشجاعة". كانت الاحتجاجات سِلمية في البداية، حيث كان مئات الآلاف من المدنيين يسيرون ويصفّقون ويغنّون في الشوارع. يقول حمشو: "لم يكن أحد خائفاً من أيّ شيء لأننا جميعًا امتلكنا قلباً واحد". "تذهب إلى الاحتجاجات ، وتجد هناك قوّة في الناس. كنا نذهب إلى المقاهي ، نتحدث في السياسة ، وهذا لم يحدث من قبل. فقط تفكّر: سأقف مع ضميري الآن".
كما التقى تمام العمر ، مصمم الرسوم البيانيّة/الجرافيك، بخرطبيل في عام 2011. وتذكّر كيف هتف خرطبيل بمجموعة من المتظاهرين المنهكين مع كيس حلوى سنيكرز. كانوا قد أمضوا طوال اليوم وهم يهتفون في ساحة، وبدأ باسل بتوزيع الحلوى على الجميع كما لو كان يوزع الحلوى في عرس سوري. قال العمر: "أتذكر الفرح في عينيه. لقد كان احتفالاً."
التقى خرطبيل بنورا غازي خلال هذه التظاهرات. شاهد العمر حب أصدقائه يتزايد مع تفاقم القمع الحكومي. في أحد مقاطع الفيديو لعام 2011 ، تجلس نورا في حضن باسل وتُقبّل خدّه، وتمزح حول كيفيّة التقائهما أثناء الحصار في نفس المنزل. تقول: "نحن نحب بعضنا البعض حقًا ، ونلائم بعضنا البعض جيدًا ، ونريد حقًا أن نعيش معًا".
يقول باسل ضاغطا وجهه على وجه نورا "نحن خائفون على عائلاتنا أكثر من خوفنا على أنفسنا".
بحلول كانون الأول / ديسمبر 2011 ، كانت الأمم المتحدة قد أبلغت بالفعل عن مقتل أكثر من 5000 سوري في الانتفاضة، واحتجاز الآلاف الآخرين. لكن الناس مثل خرطبيل كانوا مقتنعين بأنه من خلال توثيق وبث ما يحدث ، باستخدام أسمائهم الحقيقية ، ستتدخل دول أخرى. يقول حمشو: "اعتقدنا أنه إذا أبلغنا عمّا يحدث للأخبار الدولية، وشاهدت الأمم المتحدة، فإن الأمر سينتهي". "ثم رأينا أن العالم كله كاذب، والبشريّة كذبة."
محمد نجم ، ناشط في لبنان ، ساعد خرطبيل بإرسال أجهزة iPhone ، التي لم يكن يُسمح بدخولها إلى سوريا في ذلك الوقت، من بيروت، للتأكد من "رواية قصص الانتفاضة السلمية". أصبح الانترنت تحت سيطرة الدولة في سوريا ، لذلك قام باسل بتغيير حجم الصور وتحميلها، وإنشاء بروكسي وشبكات افتراضية خاصة لنقل الصور ومقاطع الفيديو إلى وسائل الإعلام الدولية. يقول نجم، "لقد كان باسل في مهمّة داخل دمشق للتأكّد من أن أصوات الأشخاص الذين يقومون بالانتفاضة ستُسمع". يتذكر فيليبس خرطبيل وهو يخبره بمدى حاجتهم إلى الهواتف المزودة بكاميرات: "لقد قال أن الهاتف المزود بكاميرا أقوى بمائة مرة من البندقية".
أعطى خرطبيل استشارات متعلقة بأمن الكمبيوتر لتمام العمر كما علّمه العمل على نظام تشغيل لينكس/Linux، حيث كان العمر وقتها يصنع ملصقات ثورية. يقول العمر: "لقد شجعني على نشر الفن بدون حقوق طباعة ونشر". قال له خرطبيل: "الملصق هو الثورة. لا يتعلق الأمر بك ، بل يتعلق بكل سوريا ، وبكل الناس ".
عَمَل خرطبيل - بإرسال البث الحي للاحتجاجات من هاتفه إلى وسائل الإعلام الخارجية - كان يضعه في مرمى الحكومة ، لكنه كان هادئًا وصافي الذهن. مع تزايد الخطر، بدأ خرطبيل والعمر في الاجتماع في منزل سرّي كل يومين أو ثلاثة أيام ، وأحيانًا يمكثان ليلًا. كانا يطبخان معًا ، ويأكلان ،ثم يهرعان لتصوير الاحتجاجات ، ويعودان للاختباء. كانوا جميعا مطلوبين من قبل الأمن. عندما يتم القبض على الأصدقاء، كان باسل يحذف حساباتهم على فيسبوك لمنع الشرطة من الدخول إلى رسائلهم.
تم إغلاق مختبر (Aiki Lab) خلال هذا الوقت. يتذكر فيليبس أن خرطبيل اتصل به عام 2011 ، قائلاً إن قوات الأمن داهمت المكان. ويقول: "لقد بدا حديثه وكأنه يقول: " يا رجل! هذا الشيء حقيقي للغاية ، إنه يحدث هنا - لقد جاؤوا وأخذوا جميع أجهزة التلفاز". كان خرطبيل لا يزال يحضر لقاءات (Creative Commons) الدولية ، لكنه كان مشتتًا, دائمًا على الهاتف مع أشخاص عائدين إلى المنزل، حيث حالات الطوارئ استمرت في الظهور. يقول فيليبس: كان باسل يخاف: " أبي! ليس لديهم ماء ، لقد نفد منهم الماء ". "أمي! كان هناك انفجار ، يجب أن أذهب لأجدها".
كانت آخر مرة رأى فيها فيليبس خرطبيل هي في وارسو ، في اجتماع Creative Commons في عام 2012. في وقت متأخر من إحدى الليالي، كان فيليبس وخرطبيل يشربان بمفردهما، وبدأ فيليبس يتوسل إليه بعدم العودة إلى سوريا. "كنت أصرخ عليه، " لا ترجع يا رجل، سوف تموت". ردّ: "لا بأس. إذا متّ، فلا بأس." بدأ فيليبس بالبكاء عندما قال خرطبيل هذا. كان ذلك يعني: "سأساعد شعبي. وإذا متّ، فليكن ذلك." "لهذا السّبب الأمر مؤلم جدّا" يقول فيليبس.
"هذا هو طريق الموت."
اعتقل خرطبيل من مكتبه في 15 مارس/آذار 2012 ، قبل أيّام من موعد زواجه ونورا. احتُجز بمعزل عن العالم الخارجي في سجن عسكري، ثم نُقل إلى سجن عدرا في 2013. وهناك التقى وائل سعد الدين ، المصوّر ومخرج الأفلام الوثائقية الذي تم استجوابه وتعذيبه أيضا. "لم أكن متظاهرًا. يقول سعد الدين: "لم يكن لدي أسلحة، فقط كاميرا، لابتوب، هاتف محمول، وقرص صلب". وقد احتُجز في البداية في معتقل عسكري مع 120 شخصًا في غرفة مساحتها 10 × 20 قدمًا ، في منطقة القزّاز في دمشق. "إنه مزدحم للغاية. لا يمكنك النوم." يقول سعد الدين: «كل يومين يموت شخص على إثر الوجود هناك فقط». تم استجوابه حول صوره وأفلامه. يقول: "يضربونك ، يستخدمون الكهرباء ، يعذبونك ، ولا أحد يعرف أي شيء عنّا". "لا يوجد اتصال بالعالم الخارجي." رأى عشرات الأشخاص يموتون في تلك الأشهر القليلة. "في يوم يموت شخصان ، وفي يوم آخر خمسة". "كانت هناك نساء أيضًا ، وكان معنا أطفال لم يتجاوزوا 12 أو 13 عامًا. كان هناك كبار في السن كذلك. "
عدرا هو سجن مدني ، وقد شكّل تحسّناً عن السجن العسكري لكلا الرجلين. سعد الدين وخرطبيل ظلّا في نفس القسم لمدة عامين وثلاثة أشهر ، وكانا قادرين على رؤية بعضهما البعض كل يوم. تمكن خرطبيل من العودة للتواصل مع نورا ، وأجروا حفل زفاف بسيط من خلال قضبان السجن. الأصدقاء يهربون الرسائل إلى الداخل والخارج. كتب إلى فيليبس، واصفا السجن العسكري ومحاولته الانتحار:
"الزنزانة رقم 26: هي الزنزانة التي قضيت فيها 9 أشهر. إنها 2 × 1 متر بدون ضوء على الإطلاق ... قررت إنهاء حياتي في الزنزانة رقم 26 بعد 8 أشهر من عدم وجود ضوء ولا أمل. ثم ألغيت الفكرة عندما فكرت في عيون نورا وشعرت أنني سأراها مرة أخرى. تلك اللحظة غيّرَت وأنقذَت حياتي ومدّتني بالقوة".
كتب خرطبيل إلى أصدقاء في مؤسسة Electronic Frontier Foundation ، موجدا روح الدعابة للسّخرية من الجهل التكنولوجي لحرّاس السّجن: "أعيش في مكان لا يعرف فيه أحد شيئًا عن التكنولوجيا ، ولكن في بعض الأحيان تواجه إدارة السجن مشاكل في أجهزة الكمبيوتر خاصتها والتي تعمل بنظام Win-8 ، لذا يحضرونني لحلها وبذلك أحصل على فرصة لقضاء بضع ساعات كل شهر خلف شاشة غير متصلة. كما كان عليّ أن أكتب لهم تطبيقًا صغيرًا للتعرف على بصمات الأصابع ، ويجب أن يكون على (visual basic) حيث لا توجد لغة حقيقية أخرى مثبتة، وكانت هذه هي المرة الأولى لي مع Microsoft ، لذلك استغرق مني الأمر ساعتين لتعلم تقنيتهم ، أربع ساعات لكتابة الكود ، ودقيقة واحدة لأكرهها. لا تخبروا أحدا بذلك "
وكتب أيضًا: "من تجربتي, ممضياً ثلاث سنوات في السجن حتى الآن, لكتابة شفرة مفتوحة المصدر (بشكل رئيسي) يمكنني أن أقول كم تشعر الأنظمة الاستبدادية بخطر التكنولوجيا على استمراريتها ، وأجل يجب عليهم أن يخافوا منها. لأن الشفرة أكثر بكثير من مجرد أدوات، إنها التعليم الذي يفتح عقول الشباب ويدفع الدول إلى الأمام. من يستطيع إيقاف ذلك؟ لا أحد…. لطالما أنتم أيّها الناس تفعلون ما تفعلونه ، فإنّ روحي حرة. السجن ليس سوى قيد جسدي مؤقت ".
طلب خرطبيل من محمد نجم إنشاء مدوّنة مجهولة وحساب على تويتر له بعنوان "أنا في سجن سوري" ، وكتب 140 تغريدة أو أقل على الورق، تمّ تهريبها بعد ذلك إلى صديقه اللبناني للكتابة والنشر. "لا يمكننا محاربة السجن بدون ذاكرة وخيال #Syria #MeinSyrianJail ،" هكذا غرّد في 5 أبريل 2014.
داخل السجن ، علّم سعد الدين وخرطبيل بعضهما البعض باللّغتين العربية الفصحى والانجليزية. قام سعد الدين بتأليف قصائد عربية بينما رسم خرطبيل صوراً تلائمها. قام الأصدقاء بتهريب الكتب لهم، فناقشوا الفنّانين والمؤلّفين: سلفادور دالي ، وعبد الرحمن منيف ، ودان براون ، وغابرييل غارسيا ماركيز. لم يتمكن سعد الدين من قراءة الكتب الإنجليزية التي يمتلكها خرطبيل ، لكنه كان ينتظر خرطبيل لإنهاء ترجمة "الثقافة الحرة" للمؤلف لورانس لِسيج إلى اللغة العربية. لقد قام بالفعل بترجمة "إنتاج برمجيات مفتوحة المصدر" لكارل فوغل. لم يكن سعد الدين قد سمع بمصدر مفتوح من قبل ، لكن خرطبيل شرح كل شيء، وكانوا يتخيلون إنشاء شركة معًا بعد خروجهم من السجن.
في الخارج ، تصاعدت الحرب السورية. اكتسبت الجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة القوة. في عام 2013 ، استخدمت الحكومة السورية الأسلحة الكيميائيّة ضدّ المدنيّين في الغوطة الشرقية. في عام 2014 ، أعلنت داعش عن "الخلافة" التي يقع مقرّها في الرقة. سرعان ما بدأ التحالف بقيادة الولايات المتحدة قصف العراق وسوريا. في عام 2015 ، امتدّت أزمة اللاجئين السوريين ، التي طغت بالفعل على البلدان المجاورة تركيا ولبنان والأردن ، إلى البحر الأبيض المتوسط ، حيث مات الآلاف من المهاجرين - الكثير منهم سوريون ، والعديد منهم أطفال - في البحر.
في 3 أكتوبر / تشرين الأول 2015 ، كان سعد الدين مع خرطبيل عندما دخلت الشرطة العسكرية سجن عدرا. ونادوا بأسماء عشرة أشخاص بينهم خرطبيل، وأمروهم أن يرتدوا بيجاماتهم ولا يأخذوا إلا لوازم الغسيل وأن يتحرّكوا. يقول سعد الدين: "كل شخص يؤخذ بهذه الطريقة، لا يعود". "من المعروف أنّ هذا هو طريق الموت ". نادرًا ما أظهر خرطبيل الخوف ، ولكن في هذه اللحظة ، كان الرجلان خائفين. يقول سعد الدين: "عندما تكون على وشك الاختفاء ، وهذه هي اللحظة الحقيقية ، وكنّا نعلم أنه لن يعود - شعرت أنّها كانت من أصعب لحظات حياتي". أصبح خرطبيل أقرب منه إلى الأسرة ، ولكن في تلك اللحظة لا يمكن لأحد التحدّث. يقول سعد الدين: "كل شيء حدث في خمس دقائق". "أخذوه ، وبعد ثلاثة أيام ، أعطي سريره لشخص آخر".
تصاعدت حملة #freebassel بعد اختفاء خرطبيل. كتب مؤسس ويكيبيديا جيمي ويلز مقالاً عنه في الجارديان. أنتج مجتمع Creative Commons عددًا من المقالات بعنوان تكلفة الحرية، بما في ذلك محادثة متخيلة مع مدير Star Trek ، بحجة أن يكون Khartabil شخصية في مسلسل Star Trek TV لعام 2017. قام فيليبس بالدفع باتّجاه إحياء مشروع خرطبيل "تدمر ثلاثيّة الأبعاد" ودعا إلى إطلاق مشروع خرطبيل عبر منشآت الفن المفتوح. في عام 2015 ، دمرت جماعة الدولة الإسلامية المتطرفة أثمن آثار تدمر وتم قطع رأس خالد الأسعد، عالم الآثار الذي تعاون معه خرطبيل لإنجاز نسخته من الموقع الأثري، في ساحة عامة. لم يكن فيليبس يعرف ذلك في ذلك الوقت ، ولكن بعد خمسة أشهر من قطع رأسه ، قامت الحكومة السورية بإعدام خرطبيل. كان عمره 34 سنة.
خيبة أمل الشتات
عندما ظهرت أنباء وفاة خرطبيل الشهر الماضي (في آب 2017) ، كان معظم أصدقائه قد قُتلوا بالفعل ، أو سجنوا ، أو كانوا يعيشون خارج سوريا ، لاجئين مع أمل ضئيل متبقٍّ بالثورة التي خرجوا بها إلى الشوارع. غادر حمشو سوريا في يونيو / حزيران 2012 ، بعد فترة سجن ثانية. أمضى بعض الوقت في لبنان ، مُساعداً الأطفال اللاجئين في التعليم العلاجي. الآن يعيش في ستراسبورغ ، فرنسا ، يبلغ من العمر 37 سنة ، يتعلم الفرنسية. "أذهب كل يوم لرؤية الأصدقاء ، وأذهب إلى جلسات التبادل اللغوي ، وأحصل على كأس من البيرة. "بالطبع أفكر في سوريا" . "لا أستطيع البقاء هنا. لكن لا يمكنني العودة أيضا."
يعيش سعد الدين في اسطنبول ، حيث عمل لبعض الوقت مع منظمة غير حكومية تساعد الأطفال السوريين وهو الآن يصنع فيلماً وثائقياً عن قصص النساء السوريات في تركيا.
نجم موجود في بيروت ، ولا يزال يدرب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ، على الرغم من أنه منذ عام 2011 ، كما يقول ، اعتمدت العديد من البلدان قوانين أكثر تقييدًا باسم مكافحة الإرهاب.
العمَر يبلغ من العمر 31 سنة وهو لاجئ في فرنسا. غادر سوريا في يونيو 2014 ، بعد أن عانى من السجن والتعذيب. ويقول إن أسوأ جزء من سماع وفاة خرطبيل هو عدم القدرة على الحداد مع أي أحد بشكل شخصي. دعا ثلاثة أصدقاء في ذلك اليوم. "نحن جميعًا في بلدان مختلفة. مات باسل ولا أحد منا استطاع أن يكون معه. لا أحد منا استطاع أن يعطيه زهرة. اليوم لا توجد حتى غرفة نجلس فيها سويّا. لدينا فقط هواتف ، سكايب ، واتس آب - أتحدث مع صديقي في كندا وصديقنا ضائع ، ولكن لا يمكننا حتى أن نحزن معًا ". "هذا مثل الثورة. لقد ضاعت وكُسرت ولا يوجد مكان لها ".
تحدّثت ديلا راتا من روما ، حيث كتبت كتابًا إثنوغرافيًا (أي متعلق بالأجناس البشرية/ عادات الشعوب والثقافات الفردية) بعنوان تصوير ثورة ، عن المصورين وصانعي الأفلام الذين قتلوا في 2011 و 2012. تقول: "جيل كامل كان يصور لإنتاج أدلّة ، ولكن بينما كانوا يصورون ثورة ، تم إطلاق النار عليهم." (وهنا يوجد تلاعب ذكي بالمفردات الانكليزية, حيث أن نفس الكلمة /SHOT/ تحمل المعنيين تصوير وإطلاق النار. "" while they were shooting a revolution, they were shot)
"يجب أن نأخذ الأمر على محمل الجدّ عندما يتعامل المجتمع الدولي مع بشار الأسد كما لو أنّه لا يفعل ما يفعله ، حيث أنه يقتل شعبه ويعدم أشخاصًا مثل باسل. إنها قصة حزينة للغاية لكنّها تستحق أن تُحكى. وإلا سيُفقد فصل كامل من مجريات الوضع في سوريا ".
وفقاً لمنظمة العفو الدولية ، مات ما لا يقل عن 17.723 سورياً في المعتقل. منذ عام 2011 ، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان اختفى أكثر من 65000 شخص. أنشأت نورا غازي منظمة تقوم بالترافع لإطلاق سراح المعتقلين ، أو على الأقل إبلاغ العائلات بمكان وجودهم. تطلُب عائلة خرطبيل الوصول إلى رفاته ومزيد من المعلومات حول وفاته. أنشأ Creative Commons صندوقاً تذكارياً لدعم المطوّرين وروّاد الأعمال العرب الآخرين.
لكنّه زمن مختلف جدّا. تقول ديلا راتا: "هناك الكثير من الدّماء والعنف والخوف في الشرق الأوسط مرّة أخرى". أعطى باسل حياته من أجل رؤية سلميّة انتهت بما أسمته ديلا راتا "الجحيم" ، الجحيم الذي لا يزال يستهلك حتى أولئك الذين فرّوا جسديّا من البلاد. اللاجؤون مثل سعد الدين يطاردهم ما حدث في سوريا. لكنّه لا يندم على الثّورة رغم سنوات سجنه وتعذيبه ورغم أنّه شهِد الموت. يقول: "أريد أن يكون باسل مصدر إلهام للشباب السوري. لا يجب أن نتنازل عن حقوقنا في العيش بأمان وحرية. توافق ديلا راتا: " أتمنّى أن يتعلم الجميع منه ومن إيمانه بالتغيير". وتقول: "نحن بحاجة إلى أناس في الشرق الأوسط ليظلّوا صامدين كما كان باسل". "إن الناس ما زالوا يشاركون بعض تغريداته" مشيرة إلى واحدة على وجه الخصوص: "لا يمكنهم منعنا # سوريا" / “They can’t stop us #Syria”.
ولكن تم إطلاق هذه التغريدة في 17 ديسمبر 2011، مع بضع مئات فقط من الإعجابات وإعادة التغريد منذ ذلك الحين. هاشتاغ #Syria يواصل امتداده، مع نتائج جديدة كل بضع دقائق: الضربات الجويّة الروسية ، المليشيات الإيرانيّة ، الخطب الأمريكية، اللاجئون في أوروبا، داعش والمتطرّفون الآخرون، خرائط الحرب، شاحنات المساعدات، تقارير التّعذيب، الهجمات الكيميائية، البحر الأبيض المتوسط، الأطفال الموتى والخوف. في خضمّ ذلك، تغريدات باسل صامتة.

أليس سو- ترجمة سلمى عطفه
الجمعة 10 ماي 2024